أفتاتي:"ميني بلوكاج" مؤشر على أن هناك جهة تريد القول إنها التي تقرر وليس العثماني

13 يناير 2018 - 08:30

يرى عبد العزيز أفتاتي، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، تأخر التعديل الحكومي مؤشر على أن هناك جهة تريد أن تقول للناس بأنني أنا التي تقرر وليس العثماني والمؤسسات.

 لماذا تأخر التعديل الحكومي؟

تأخر التعديل الحكومي هو مؤشر على أن هناك جهة تريد أن تقول للناس إنني أنا من يقرر، وليس العثماني والمؤسسات. وبكل وضوح أقول إن هناك جهة مغامرة تريد أن تقود البلاد نحو المجهول كي تضع يدها على السلطة وعلى الثروة. وهؤلاء لا يستحيون، وبجوارنا تجربة عالجت فيها إسبانيا بحكومة أقلية أخطر الأزمات التي مرت منها الأمة، وهي أزمة محاولة انفصال كتالونيا، وقبلها لم تكن إسبانيا تتوفر على حكومة عادية، طيلة عشرة أشهر، بل كان هناك حكومة تصريف أعمال فقط، ومع ذلك دبروا أخطر أزمة بعد الانتقال الديمقراطي لسنة 1975.
أنت تطالب باسترجاع حزبكم للمبادرة في عهد العثماني، وفي نفس الوقت قلت مؤخرا أن الانتقال الديمقراطي مازال مستمرا، كيف ذلك ؟

السيرورة الكفاحية للشعب المغربي ولقواه الإصلاحية تضع الأمة والدولة في سياق الاندراج التراكمي، في أفق تحقيق مراد الشعب بأن يحكم نفسه بنفسه، والانقلاب على الأخ عبد الإله بنكيران يأتي في إطار خلق الاستثناء، والحؤول دون التوجه الانسيابي نحو الملكية البرلمانية، لذلك، فإن هناك خيارين لا ثالث لهما بالمغرب، خيار الأركان الظلامية في الدولة العميقة التي تحاول الاستثمار في المشهد الإقليمي النكوصي والهش من أجل الإرباك والعودة بالدولة المغربية إلى الخلف، وهذا لم يعد ممكنا، لأن هذه المقاربة أنتجت ومازالت تنتج المآسي بكل أشكالها، بما في ذلك تهديد دول بالتقسيم والزوال، وهناك خيار الممانعة والوفاء للمسار التراكمي لنضالات الشعب المغربي على الأرض.

 لماذا تجزم بأن ذلك لم يعد ممكنا؟

لأن التغيير والإصلاح ممكنان دائما، إلا إذا تخاذلت النخب، وتقاعست في أداء مهامها في الانحياز إلى أجندات الشعب، لذلك أنا أتصور أننا أقرب -كأمة عريقة- من أي وقت مضى من تحقيق مراد الشعب في أن يحكم نفسه بنفسه، وأن يبسط سيادته على المؤسسات والثروة، لأنني أعتبر أن إرادة الشعب فوق إرادة بارونات السلطوية ومافيات المال وجماعات المصالح والمستبدين والمستغلين والمترفين.

وباستقراء تجارب محاولات الانتقال الديمقراطي منذ نهاية خمسينات القرن الماضي وإلى حدود اليوم، بإسهامات كبار الزعماء الوطنيين من أمثال علال الفاسي وعبد الله إبراهيم والمهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الكريم الخطيب ومحمد بوستة وعبد الرحمان اليوسفي وعبد الإله بنكيران، عبر هذه المسيرة، يتبين أنه يمكن تلخيص أهداف ومؤشرات وعتبات الانتقال الديمقراطي في شروطنا المغربية في:

1 – في كل ما يتعلق بالاقتراع الحر والشفاف والنزيه (الفصل 11 من الدستور). 2 – اختيار رئيس الحكومة طبقا للمنهجية الديمقراطية (الفصل 47). 3 – اختيار رئيس الحكومة للتحالف الحزبي بشكل حر وشفاف ونزيه. 4 – اختيار رئيس الحكومة لفريق حكومي منسجم يقطع مع الازدواجيات. 5- اعتماد برنامج حكومي يعكس الانتظارات والأجندات الوطنية في الإصلاح. 6 – وضع الإدارة، خاصة النواة الصلبة للدولة العميقة أي الإدارة الترابية، رهن إشارة رئيس الحكومة وإرادة الإصلاح.
وارتباطا بهذه السيرورة، فإن إرادة التغيير تجددت وتجسدت في أكثر من مناسبة وفعالية نضالية، ثم تكاثفت في حركة 20 فبراير 2011، ما أدى إلى الإطاحة ببرلمان وحكومة 2007، والدخول في مسار جديد انتهى باعتماد دستور يوليوز 2011 تعاقدا جديدا، ولتصحيح التوجه الانقلابي الذي كان عماده تأسيس حزب البؤس والسطو على انتخابات 2009.
لذلك، لا يمكن المغاربة، موضوعيا، أن يفرطوا في مكتسبات تعاقد 2011، ولا يمكن أن يسمحوا بالعودة إلى عهود الصدر الأعظم: باحماد وباعلي…

إن ما يجري في الحسيمة وزاكورة وجرادة وأوطاط الحاج، والبقية تأتي، مؤطر موضوعيا بهذه الصيرورة، وتأكيد لها، وتوطيد للمآلات الحتمية، وتسفيه في المقابل لمقاربة الدولة العميقة الرامية إلى العودة لإخضاع الأمة والدولة لنزوات فئة مغامرة بالمصير، لذلك، فإمكانيات الإصلاح وافرة ومستمرة.
على هذا الأساس، ينبغي قراءة مجريات الإزاحة السلطوية للأستاذ عبد الإله بنكيران وما بعدها، لأن الحدث الرهيب بكل المقاييس يتجاوز إزاحة رمز من رموز الكفاح الوطني، إلى المقامرة بالانزياح عن سكة الإصلاحات، بل والمغامرة بحفر ونخر أسس المشروعية التي قامت عليها الأمة والدولة.
لقد سبق للأستاذ رضا اكديرة، والكل يعلم مساره، تعليل دفاعه عن جزء من منفذي انقلابي 71 و72، بأن المغامرة التي يتابعون في إطارها ما هي إلا نتيجة لتبخيس السياسة.

وأتصور أنه كان يرمي إلى التنبيه إلى أن خيار الانقلاب من قبل كبار النافذين لم يكن صدفة، وربما تكون طريقة مواجهة احتجاجات التلاميذ في مارس 1965، وتعليق العمل بالدستور والبرلمان، واغتيال المهدي بنبركة مقدمات وترتيبات من بين أخرى لدفع المشهد ساعتها نحو الاحتقان، والكل يعلم اليوم أن تصفية المهدي بنبركة تمت للحؤول دون تفاهم جزء من الحركة الوطنية مع الملك الراحل الحسن الثاني.

لذلك، لا يتصور أن أمة أنتجت هذا التراكم الكفاحي، وأنجبت علال الفاسي والمهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الكريم الخطيب والمساعدي وعبد الرحمان اليوسفي وعلي يعتة وعبد الإله بنكيران، واحتضنت حركة 20 فبراير، ستسمح للصوص آخر ساعة أن يسرقوا منها حلم تحقيق مرادها. نعم هناك تجريف رهيب للمسار السياسي، لكن هل ذلك يجعلنا نسلم بأن القضية قد حسمت لفائدة السلطوية؟ بالطبع لا، وبالتحليل الموضوعي، فالدولة العميقة توجد في مأزق حقيقي يبرز افتقارها إلى أي تصور ومسار متماسكين للخروج من ورطتها الجديدة. والأمور لم تحسم بعد، والشعب المغربي يفاجئ هؤلاء بإصراره على الكرامة والحياة، لذلك لا بد أن يستجيب القدر.

 هل تعتبر أن الزلزال السياسي الذي أعفى الملك من خلاله عددا من الوزراء والولاة والعمال. هو استجابة للقدر؟

بالمناسبة، هذا ليس زلزالا سياسيا، ولا بد أن تتقيد جميع المبادرات الصادرة عن المؤسسات بالدستور الذي ينص على توزيع السلط، ويمنع الترامي على المؤسسات وعلى الاختصاصات. لقد تم استغلال الأجواء التي أعقبت الإعفاء السلطوي للأستاذ عبد الإله بنكيران، للقيام بأمور بعيدة عن مقتضيات الدستور، لذلك، من الصعب أن نتحدث عن زلزال سياسي بالمعنى العميق.

الزلزال السياسي هو التحول إلى ضفة الديمقراطية، حيث لا تتورط الإدارة في استعمال المال في الانتخابات الجزئية.

الزلزال هو رفع اليد عن البؤس الحزبي، والتوقف عن إسناد أحزاب الدولة، وتحرير المشهد الحزبي من التحكم، وترك الأمور لتأخذ مسارها الطبيعي.

الزلزال السياسي الذي حدث كان تعمية وتمويها للحؤول دون احترام مخرجات انتخابات أكتوبر 2016، ومنع الأستاذ عبد الإله بنكيران، بالبلوكاج المدبر، من تشكيل الحكومة طبقا لمخرجات الدستور، ومن اختيار مكونات التحالف التي يراها مناسبة، ومن تشكيل فريق حكومي منسجم يقطع مع الازدواجية.

هذا المسمى زلزالا طال بعض الوزراء على خلفية علاقتهم التعاقدية مع العدالة والتنمية من أجل الإصلاح، وتحديدا الأستاذ نبيل بنعبد الله، وإلا لو كان إعفاؤه موضوعيا، لكان تزامن مع إعفاء المئات من المسؤولين، وعلى رأسهم عناصر الإدارة الترابية التي تختلق الاتفاقيات، في غياب المنتخبين، وفي غياب الإسهامات الحقيقية للوزراء، وتستغل فرص الزيارات الملكية من أجل إحراج المسؤولين للتوقيع على أشباه اتفاقيات.

 في هذا السياق، ما هو تعليقك على تغيير بعض الأحزاب السياسية لقياداتها، وفي مقدمتها حزبا العدالة والتنمية والاستقلال؟

باستثناء حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية ومكونات فدرالية اليسار، فإن ما يجري هو محاولة للاستمرار في التحكم في الأحزاب السياسية، وإعادة محاكاة سيرة ماضوية لتتحول الأحزاب إلى مؤسسات تقوم بـ«السخرة» الحقيرة لفائدة الدولة العميقة.

الكل تابع كيف تحكمت الإدارة في اختيارات أعضاء مجالس وطنية ومنتدبي مؤتمرات أحزاب معلومة، بل تمت مواجهة ترشح الأستاذ أحمد الزايدي، رحمه الله، للكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لإسناد خصومه، وتكرر ذلك مع العديد من الأحزاب، لذلك، أعتبر أن المشهد الحزبي منهك ومشتت وغير مكتمل ويخترقه الفساد، ومتحكم في أجزاء كبيرة منه من قبل جهات تشتغل خارج المنظومة الحزبية.

أضحى لزاما على القوى الإصلاحية تكثيف الجهود لاستعادة المبادرة، فحزب العدالة والتنمية لا يمكنه وحده النهوض بالمهام الكبرى دون غيره من الأحزاب والمكونات الوازنة.

 هل سيستمر هذا المشهد الحزبي معلولا في اعتقادك؟

الذي يجهز على الأحزاب السياسية يهيئ للمغامرة، لأنه لن يضر بالأحزاب وحدها، بل يقامر بالدولة لأنها مشكلة على أساس اختيارات واضحة للأمة، التي اختارت النظام الملكي حتى لا تُحكم بالحيف وبالسيف، ولتتمكن من تدبير أمورها ضمن وحدة يجسدها النظام الملكي، وتعددية وتنوع تجسدهما الأحزاب.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

علال كبور منذ 6 سنوات

هذه الجهة معروفة والمعقول هو استقالتكم

التالي