الشرط البشري في الإصلاح..

21 فبراير 2018 - 15:35

كثيرا ما أتأمل قضية إصلاح أوضاع البلاد، وبَعد نظر في دور المؤسسات والهيآت والقوانين ومبادئ فصل السلط والمحاسبة، وغيرها من المحاور العريضة التي ترتبط بهذا الموضوع، أجدني وقد عدتُ إلى سؤال مخصوص، كأنه أصل الحكاية. يتعلق السؤال بالشرط البشري للإصلاح. يرِدُ على ذهني هذا الشرط في شكل حلقة من الأسئلة: هل يمكن أن تصلح وضعا فاسدا بالسواعد ذاتها التي أفسدته أو تفسده؟ هل يمكن أن تجند مستفيدا من الريع لمحاربة الريع؟ هل يمكن أن تحل أزمة السكن بالتعاقد مع حيتان العقار؟ هل يمكن أن تحقق تكافؤ الفرص في ولوج وظيفة أو منصب بلجان « تفاوت الفرص »، لجان تشكل بناء على معايير التزلف والولاء؟ كيف يمكن إصلاح أعطاب الإدارة برؤساء يخربون بيت الإدارة؟ هل يمكن الدفاع عن الديمقراطية والتداول على السلطة بأمناء أحزاب ورؤساء نقابات على استعداد لخوض أشرس المعارك وإحراق كل الأرصدة والتواريخ والرموز من أجل كرسي الرياسة؟ هل يمكن لأسرة تدين التحاق ابن الجار بوظيفة عبر واسطة، لكن مستعدة للدفع للواسطة ذاتها مقابل التحاق ابنها هي أن تكون صادقة في تنديدها؟ بعبارة أخرى: هل يمكن تسخير إنسان معطوب أخلاقيا (جشِع، متسلط، مستبد، متضخّم الأنا، فاسد بوجه من الأوجه) في ورش إصلاح الأوضاع المتأزمة الناتجة عن تشوهاته الأخلاقية ذاتها؟
غير ممكن، بل إن أحد أسباب دوران عجلة الإصلاح في مكانها هو في الوجوه والسواعد التي يُزجّ بها في طريق الإصلاح. بصفة مستمرة، وبمناسبة كل مبادرة إصلاحية جديدة، تبحث هذه الكائنات عن طرق للتحايل على الجوهر الإصلاحي للمبادرة الجديدة وتسخيرها لتغذية تشوهاتها الأخلاقية. تستقبل هذه الكائنات الخطابات والتوجيهات الداعية للإصلاح بحس عال من المسؤولية وتنتدب نفسها للدفاع عن مضامين هذه الخطابات والتوجيهات وتحقيقها. تصنف نفسها بنفسها في دائرة « أسباب الإصلاح »، وتصنف من يقع تحت سلطتها في دائرة « عقبات الإصلاح ». وهذه الحيلة التي تمارسها النخب بدهاء في تبرئة الذات وإلصاق التهمة بالآخر تتكرر بألوان مختلف بين الجماهير، وبين الجماهير والنخب.
طبعا، هناك طريق يبدو للوهلة الأولى سالكا لجعل ما يبدو مستحيلا ممكنا. أي لتحقيق الإصلاح ولو على يد إنسان تظهر عليه أعراض فساد مزمن. إذ يكفي تكبيله بقيد المحاسبة، وبذلك إصلاح عطبه الأخلاقي بالاستناد إلى القانون، أي بالقوّة، فإما أن ينضبط إلى القوانين وإما أن يجد نفسه يؤدي ثمن فساده الإداري أو المالي أو العقاري أو الإعلامي أو غيره سجنا أو غرامة أو أقلّها إعفاء من الخدمة.
وهذا هو الطريق الذي تسلكه الدول المتقدمة في سلم الشفافية والنزاهة، في الحد من نوازع الشر التي تسيطر على مواطنيها، خاصة حين يحوزون سلطة حساسة. غير أنه طريق غير سالك إلى الآن بالمغرب أو أقلّها مليء بالمنعرجات التي تشتد وعُورتُها وتخف حسب تقلب الأحوال السياسية والاجتماعية، وليس تبعا لمنطق واضح أو خيار راسخ. على أن نتائج المحاسبة القانونية تبقى حتى في الدول المتقدمة محدودة النتائج، فأحيانا تجتهد شخصيات عامة في التحايل على القانون نفسه، فيتعرض القانون نفسه لمقالب ماكرة (أوراق بنما – أوراق الجنة..).
قد تسأل عزيزي القارئ ما الحل إذن، لتحقيق الشرط الإنساني في الإصلاح أمام انسداد – أو تعثر – هذا المسلك القانوني في البلاد ومحدودية نتائجه في البلدان المتقدمة؟
ربما يكون الحل في توجيه ورش الإصلاح إلى إصلاح الإنسان بدءا، الإنسان المغربي الذي تهشمت كثيرا من قيمه، وتداعت كثير من أخلاقه، وهوت كثير من خصاله في الحضيض. ربما يكون الجواب في إعادة ترتيب أولويات الإصلاح، بالتركيز على تقويم الإنسان. إذا كان داء التسلط أو الاستيلاء على ملك الغير أو الاختلاس متفشيا في المسؤول/الإنسان بقوة، فيصعب أن ترى مخططات أو بنى تحتية أو مشاريع مهما بلغت روعتها النور على يديه، أو أقلها لا ترى النور إلا وقد أكل من روعتها نصيبا! المشكل في الحامل لا المحمول.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي