التنمية في المغرب.. مشكل اقتصادي أم سياسي

25 فبراير 2018 - 22:03

خلال الشهور الأخيرة، توالت الخطب الملكية التي تنتقد محدودية النموذج التنموي المغربي، وعدم قدرته على الاستجابة لمتطلبات العيش الكريم للمغاربة، سواء في خطاب العرش في 30 يوليوز 2014، أو في افتتاح البرلمان في أكتوبر 2017، أو أخيرا في رسالة ملكية إلى منتدى العدالة الاجتماعية في مجلس المستشارين، تلاها المستشار الملكي عبد اللطيف المنوني. القاسم المشترك بين هذه الخطب هو اعتماد لغة نقدية للنموذج التنموي الذي لا يعم خيره جميع المغاربة، والدعوة إلى مراجعة هذا النموذج. فهل يمكن، فعلا، وضع نموذج تنموي جديد للمغرب؟ ولماذا فشل النموذج الحالي في التوزيع العادل للثروة والدخل؟ وهل يكمن المشكل في النموذج التنموي أم في النموذج السياسي؟

صراحة الملك

يتساءل الملك محمد السادس، في خطاب صريح في ذكرى عيد العرش في 2014: «هل اختياراتنا صائبة؟ وما هي الأمور التي يجب الإسراع بها، وتلك التي يجب تصحيحها؟ وما هي الأوراش والإصلاحات التي ينبغي إطلاقها»، ويواصل: «هل ما نراه من منجزات، ومن مظاهر التقدم، أثر بالشكل المطلوب والمباشر على ظروف عيش المغاربة؟ وهل المواطن المغربي، كيفما كان مستواه المادي والاجتماعي، وأينما كان، في القرية أو في المدينة، يشعر بتحسن ملموس في حياته اليومية بفضل هذه الأوراش والإصلاحات؟ ماذا فعلنا بما حققناه من تقدم؟ هل أسهم فقط في زيادة مستوى الاستهلاك، أم إننا وظفنا ذلك في تحقيق الرخاء المشترك لكل المغاربة؟ وإلى أي درجة انعكس هذا التقدم على تحسين مستوى عيش المواطنين؟». الجواب جاء في الخطاب نفسه: «إذا كان المغرب قد عرف تطورا ملموسا، فإن الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين».

التشخيص ذاته جاء في خطاب افتتاح البرلمان في أكتوبر 2017، حين قال الملك: «إذا كان المغرب قد حقق تقدما ملموسا، يشهد به العالم، فإن النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية». ويوم الاثنين الماضي، عاد الملك للتذكير بأهمية وضع نموذج تنموي جديد في رسالة ملكية موجهة إلى المنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية، الذي احتضنه مجلس المستشارين، تلاها المستشار الملكي عبد اللطيف المنوني، مركزا على ثلاث قضايا أساسية، وهي، أولا، «وضع مسألة الشباب في صلب النموذج التنموي المنشود»، ثانيا، ضرورة «تغيير العقليات»، لأن «نجاح أي تصور يبقى رهينا بتغيير العقليات، باعتباره السبيل الوحيد، ليس فقط لمجرد مواكبة التطور الذي يشهده المغرب»، في مختلف المجالات، بل «بالأساس لترسيخ ثقافة جديدة للمبادرة والاعتماد على النفس وروح الابتكار، وربط المسؤولية بالمحاسبة». ثالثا، الانكباب على إصلاح الإدارة العمومية، لأنه «لا يمكن تحقيق إقلاع اقتصادي واجتماعي حقيقي دون قيام المرافق العمومية بمهامها في خدمة المواطن وتحفيز الاستثمار». رابعا، انخرط القطاع العام في «في شراكات مبتكرة وفعالة للنهوض بالتنمية الشاملة». لكن السؤال الذي يطرح، مع تكرار الحديث عن النموذج التنموي الجديد، هو: لماذا لم تشرع الحكومة في بلورته على أرض الواقع؟ وما هي معالم هذا النموذج؟ وهل من الممكن إرساء نموذج عادل في المغرب في وقت قياسي؟

في الواقع، فإن الحكومة، من خلال وزارة المالية، سارعت، منذ بداية يونيو 2016، إلى تنظيم مناظرة في الصخيرات حول النموذج التنموي بحضور رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، تفاعلا مع الخطب الملكية، بحضور عدد من الخبراء من المغرب والخارج، كما سارعت الأحزاب إلى تضمين برامجها الانتخابية، قبل 7 أكتوبر 2016، تصوراتها للنموذج التنموي، لكن، هل من الممكن وضع نموذج تنموي بين عشية وضحاها، أم إن موضوع النموذج التنموي مطروح فقط للنقاش والاستهلاك السياسي؟

حسب الخبير الاقتصادي، إدريس الفينة، فإنه «من الصعب وضع نموذج تنموي جديد بين عيشة وضحاها»، لأن النموذج التنموي الحالي ليس سوى حصيلة «تراكم الذكاء المغربي منذ الاستقلال إلى اليوم في مجالات مختلفة، سياسية واقتصادية ومعرفية»، معتبرا أن ما يمكن الحديث عنه «ليس نموذجا جديدا يلغي السابق»، إنما فقط «إدخال إصلاحات على النموذج الحالي»، بهدف تحقيق «التوزيع العادل للثروة»، و«رفع فعاليته»، من حيث خلق القيمة المضافة. إشكالية النموذج التنموي الحالي، حسب الفينة، تكمن في أنه لم يساعد على تحقيق العيش الكريم لصالح العديد من فئات المجتمع، كما أنه لا يحقق التوزيع العادل للثروة. لكن لا بد أولا من «تشخيص حقيقي لأعطابه». في هذا المجال، صدرت العديد من التقارير الدولية والوطنية التي تناولت النموذج التنموي، لكن، حسب الفينة، فإنه إلى حد الآن «لا يوجد إجماع على تشخيص عميق لأعطاب هذا النموذج». كل ما هو معروف أنه «نموذج لا يحقق نسب نمو جيدة، ولا يساعد في التوزيع العادل، بل يكرس تركز الثروة»، ولا يحقق العدالة المجالية.

رغم ارتفاع الاستثمار في المغرب منذ 2009، فإن معدل النمو لم يصل إلى عتبة الإقلاع، أي 7%، وبقي في حدود 4,2% كمتوسط خلال الفترة بين 2008 و2015، كما لم يتجاوز إسهام القطاع الصناعي في الناتج الداخلي الخام نسبة 16%، فضلا عن ضعف خلق فرص الشغل وتكريس الفوارق. فهل يمكن وضع نموذج تنموي جديد بإطلاق حوار وطني؟

حسب الفينة، فإن الدول التي وضعت استراتيجيات لإصلاح النموذج التنموي، «لم تطلق حوارات وطنية شعبوية»، بل لجأت إلى مراكز دراسات متخصصة، وإلى نقاشات علمية، لتحديد الأعطاب وإصلاحها، معبرا عن مخاوفه من أن يبقى الوضع كما هو دون إصلاح النموذج التنموي. أكثر من هذا، كيف يمكن معالجة الفوارق والفقر الذي تراكم بسبب انعدام العدالة في التوزيع؟

4 ملايين فقير

من أبرز مظاهر انعدام العدالة، في النموذج الذي اعتمده المغرب منذ الاستقلال، مشكل الفقر والتهميش. منذ 2005 إلى 2015، تمت تعبئة ميزانيات ضخمة تجاوزت 27 مليار درهم، في سياق إصلاح أعطاب سوء التوزيع، وبذلت جهود لمحاربة السكن الصفيحي، وتمويل المشاريع المدرة للدخل، وأثمرت الجهود تقليصا ملحوظا للفقر، فحسب مصدر حكومي، فإن عدد الفقراء في المغرب كان يصل إلى 12 مليون فقير، ومكنت السياسات المتعاقبة لمحاربته من تقليصه إلى 4 ملايين فقير اليوم. لكن المشكل أن مقياس الفقر المعتمد هو دولاران فقط كدخل في اليوم، أي أقل من 20 درهما يوميا. ومع ذلك، فإنه حتى بمقياس دولارين، فإن 4 ملايين مغربي لا يكسبون هذا المبلغ حاليا، معظمهم يتركّزون في البوادي وفي أحزمة وهوامش المدن. هؤلاء يتوزعون بين مجموعتين، حسب دراسات مندوبية التخطيط؛ الأولى تضم الفقراء من الناحية النقدية، أي ممن يتلقون دخلا ماديا هزيلا، وهؤلاء يفوق عددهم المليون ونصف مليون مغربي. أما المجموعة الثانية فهي التي تضم فقراء بفعل تدني مستوى الخدمات العمومية والبنيات المحيطة بهم، ويبلغ عددهم مليونين و800 ألف مغربي. وبين الفئتين يوجد نصف مليون مغربي ممن يجمعون بين نوعي الفقر، أي الذين يتوفرون على دخل مالي هزيل أو منعدم، وتحرمهم الدولة والجماعات من الخدمات والبنيات الأساسية لمباشرة الحياة اليومية في حدودها الدنيا، بفعل سوء التدبير والتوزيع غير العادل للموارد العمومية.

ولتجاوز نقائص مبادرة التنمية البشرية، أطلقت الحكومة مبادرة جديدة لإعادة التوزيع، تركز أساسا هذه المرة على العالم القروي، الذي ينخره الفقر والتهميش، من خلال صندوق التنمية القروية الذي خصصت له ميزانية 50 مليار درهم، على مدى 7 سنوات، والذي أسند إلى وزير الفلاحة، عزيز أخنوش، بعدما سُحب الصندوق من رئيس الحكومة. تمت تعبئة تمويلات تسهم فيها عدة أطراف: المجالس الجهوية بـ20 مليار درهم، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية بـ4.1 ملايير درهم، و10.5 ملايير درهم من صندوق التنمية القروية، و1 مليار درهم من وزارة الفلاحة، و8 ملايير درهم من وزارة التجهيز، و1.3 مليار درهم من وزارة الصحة، و2.77 مليار درهم من وزارة التربية الوطنية، و2.56 مليار درهم من المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.

لكن، رغم هذه الجهود، فإن مشاكل الحكامة في تدبير التمويلات تجعل نتائج البرامج محدودة، ما يؤدي إلى انفجار الأوضاع بين الفينة والأخرى في الوسط القروي، تارة للمطالبة بالماء، وتارة طلبا للمساعدات، وكان من آثارها الأخيرة حادث وفاة 15 امرأة في إقليم الصويرة. يقول الباحث الاقتصادي، إدريس الفينة، إنه مهما كانت جهود الدولة كبيرة، فإن «الحل يكمن في الاستهداف المباشر للأسر»، وهو ما وعدت به الحكومة من خلال إعلان اشتغالها على سجل للدعم.

مشكل سياسي

رغم كل الجهود، فإنه بعد مرور 60 سنة على الاستقلال، يقول الاقتصادي نجيب أقصبي، في كتابه «الاقتصاد السياسي والسياسات الاقتصادية»، إن الاقتصاد المغربي يبدو «بملامح لا هي ملامح الاقتصادات المتقدمة ولا هي تلك التي تميز الاقتصادات الصاعدة». بناتج داخلي يبلغ 100 مليار دولار سنة 2015، لا يمثل وزن المغرب سوى 0.14 في المائة من الناتج الإجمالي الداخلي العالمي، وأربع مرات أقل من ناتج تايلاند التي كانت قريبة من مستوى اقتصاد المغرب في 1960. إنه اقتصاد يتميز بنمو «ضعيف وغير مستقر». يتساءل أقصبي: «لماذا تتوالى الاستراتيجيات والمخططات والبرامج منذ 50 سنة دون أن تحقق أهدافها المعلنة؟ وكيف ارتبط الاقتصادي بالسياسي في المغرب؟». يكمن الجواب، حسب الخبير الاقتصادي، في عيوب «نظام اتخاذ القرارات» منذ 50 سنة، أي «في صميم نظام سياسي هو الملكية التنفيذية، حيث يسود الملك ويحكم». المشكل، حسب أقصبي، هو أنه في المغرب، البرنامج الوحيد الذي يلاحظ الجميع تنفيذه على أرض الواقع، هو البرنامج الملكي»، الذي لا يخضع للنقاش العمومي. لذلك، فإن الحل لتحقيق التنمية هو اعتماد الديمقراطية التمثيلية التي تتأسس على ثلاثة مكونات ذات فعالية، هي مشروعية صناديق الاقتراع، التي تعطي المشروعية للسلطة التنفيذية، لتطبق برنامجها بمسؤولية، وتقدم الحساب في النهاية.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي