كيف تظفر بكأس العالم؟

17 يونيو 2018 - 23:00

“كرة القدم لعبة بسيطة”، قال ذات مرة غاري لينكر، قائد المنتخب البريطاني في مرحلة سابقة، موضحا “أن كرة القدم ليست إلا 22 لاعبا يطاردون الكرة لمدة 90 دقيقة، ثم في الأخير يربح الألمان”. جماهير كبيرة تعلق آمالها على كأس العالم الذي تنطلق منافساته اليوم الخميس. حتى الجماهير التي لم تتأهل منتخباتها لهذه المنافسة ستتابع أطوارها بشغف.
“ذي إيكونوميست” تتطلع بدورها لهذه المنافسة. ليس لأن البلاد التي تنتمي إليها (إنجلترا) لديها حظوظ كبيرة للظفر باللقب، نحن أعقل من أن نتطلع إلى أمر مماثل، وإنما لأسباب مختلفة. أولا، لأن الاستعراضات البطولية والرياضية ودراما الملاعب ترفع كرة القدم إلى مصاف الفن. وثانيا، لأننا نرى في كأس العالم مظهرا من مظاهر تحقق القيم التي نؤمن بها وندافع عنها.
لا بد من الاعتراف بأن كثيرا من الأمور التي تتعلق بكأس العالم غير مرضية. فمثلا، الهيأة المنظمة، فيفا، تجر وراءها تاريخا سيئ الذكر من الفساد والزبونية. كما أن هذا الحدث سيمثل فرصة للنظام الروسي الاستغلالي للدعاية لنفسه.
رغم كل ذلك، فالمنافسة في حد ذاتها وبعيدا عن المسارات المريبة لاتخاذ القرار الخاص بمكان تنظيمها، تبقى تعبيرا عن التقدم. مستويات الفرق صارت فعلا أفضل بكثير مما كانت عليه. كما أن كأس العالم لازال يكافئ الحكومات الديمقراطية. الدول المستبدة مثل الصين وروسيا بإمكانها حقيقة بسط نفوذها على الألعاب الفردية، بل في الحقيقة صارت الألعاب الأولمبية حلبة عرض للاستبداد. لكن الاستبداد متخلف في كرة القدم التي تحتاج إلى إبداع أكبر ومواهب أقدر. في هذا الصدد، الاختلاف بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية سابقا لافت جدا. ألمانيا الشرقية خرجت رماة جلة أقوياء، نظيرتها الغربية خرجت لاعبين عاليي الكعب. أربع دول فقط، من الدول التي صنفتها “فريدوم هاوس” دولا غير حرة تأهلت إلى كأس العالم لهذا العام، ولا أحد من هذه الدول الأربع مرشحة للذهاب بعيدا في المنافسة. آخر دولة لديها حكومة استبدادية تربح المنافسة هي الأرجنتين عام 1978. أما نسخة المنافسة الخاصة بالنساء، فقد فازت فيها تقريبا بشكل حصري الديمقراطيات (أمريكا وألمانيا واليابان والنورويج)، وإن كانت الصين قد وصلت في إحدى المرات إلى النهائي.
كرة القدم الدولية تعاقب الدول المنطوية على ذاتها وتكافئ تلك المنفتحة على التعدد والاختلاف. حين تختار مدربي منتخباتها، تتجاوز الدول الحكيمة أساطيرها وأبطالها وتتعاقد مع مدربين من أي جنسية كانت من الذين أثبتوا جدارتهم في الدوريات الصعبة لغرب أوروبا. كما ينادون على لاعبين من الشتات في الخارج لحمل قميص المنتخب. الدول الإفريقية صارت تبني منتخبات على قدر جيد من المهارة لأن العديد من لاعبيها صقلوا مهاراتهم في الخارج. منتخبات الدول الغنية تستفيد بدورها مواهب المهاجرين. نصف الكتيبة الفرنسية التي فازت بكأس العالم عام 1998 كانت من خزان المهاجرين.
كرة القدم يمكنها، أيضا، أن تعلم الدول كيف تستكشف الرأسمال البشري وتثمنه. أفضل المنتخبات أداء لا تتوفر فقط، على أنظمة لاستكشاف الأطفال الموهوبين، وإنما كذلك للبحث عن موهوبين في سن أكبر لم يجدوا الفرصة لإبرام عقدهم الأول. تخرج الأكاديميات الكروية لهذه الأنظمة لاعبين مبدعين وأذكياء. ثم إن وجدوا الفرصة المواتية يعرضون أفضل لاعبيهم في سوق تنافسية. هناك تحليل لقابلية الدول للتميز في كرة القدم يفيد بأنه من المفروض أن تكون الولايات المتحدة تقدم أداء أفضل بكثير مما تقدمه اليوم. أحد أسباب إخفاقها في ذلك يعود لكون عصبتها الاحترافية هي كارتل cartel في الحقيقة. الأجور مسقفة وفرق الدرجات الدنيا لا يمكن ترقيتها.
لذا على دعاة الليبرالية أن يستمتعوا بكأس العالم وإن كانت دعاية بوتين ستشوش عليه من وقت لآخر. مثل مجريات الحياة، لا يمكن توقع ما تحمله كرة القدم. دون جزم وبكثير من النسبية في القول، تذهب تحليلاتنا إلى أن هناك دولة واحدة هي الأقدر على اكتساح هذه اللعبة الجميلة. هذه الدولة هي ألمانيا.6

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي