مظاهرات رغم القبضة الأمنية والاعتقالات لا تتوقف الحسيمة.. تضمد جراحها بعد أحكام الريف

02 يوليو 2018 - 22:00

حتى الساعات الأخيرة قبل إصدار جنايات الدارالبيضاء لأحكامها في حق قادة حراك الريف، والتي وصلت في حق الزفزافي وأحمجيق واثنين آخرين إلى 20 سنة سجنا نافذا، لم يكن أحد من عامة الناس بمدينة الحسيمة يتصور بأن المحكمة ستصدر أحكاما تصل مددها إلى هذا الحد، وإن كان بعض المطلعين على صك المتابعة كانوا يتوقعون ذلك وأكثر

حكم سرعان ما قلب مواجع الماضي القريب والبعيد، وكان من تجليات ذلك الاحتجاجات التي بدأت تظهر في هذا الحي وذلك، في الحسيمة وإمزورن بالخصوص التي تبعد عن مدينة الحسيمة بحوالي 14 كلم، 
مباشرة بعد صدور الحكم.

في المقابل، لم تبد الدولة بعد صدور الأحكام أية اشارات على الانفراج في الوضع، فالمقاربة التي اعتمدتها قبل صدور الأحكام وأثناء محاكمة النشطاء طوال سنة، هي نفسها التي أعملتها في الأيام الثلاثة الأخيرة، عمادها الأساسي منع أي تجمع احتجاجي في الأماكن العامة، بل ومطاردة المحتجين في أحيائهم، والقيام بمداهمات وتوقيفات جديدة إيذانا بانطلاق مسلسل جديد من المحاكمات يمكن وصفه بمسلسل ما بعد الأحكام..

إصرار على الاحتجاج

بعد ساعات قليلة من انتشار خبر الأحكام كالنار في الهشيم، حاول النشطاء أو ما تبقى منهم بمدينة الحسيمة، تبليغ السلطات رفضهم هذه الأحكام عبر الخروج إلى الشارع، كان ذلك في عدد من الأحياء وبالخصوص الأحياء المجاورة لحي « ديور الملك »، الذي تقطن فيه عائلة الزفزافي، وعائلات عدد من المعتقلين، بل تمكن عدد منهم من الخروج إلى الشارع فعلا، لكن سرعان ما حالت القوات العمومية، التي كانت تترصد الحركات في هذه الأحياء وفي معظم أحياء الحسيمة حتى قبل صدور الأحكام، دون أن تتشكل مسيرات احتجاجية وهذه استراتيجية اتبعتها القوات العمومية وفق مصادر متطابقة حتى لا تعود الاحتجاجات إلى شوارع المدينة ومن ثمة انبعاث الحراك الشعبي من جديد.

رغم المحاولات المتكررة للنشطاء، إلا أن القوات العمومية واجهتهم بنفس المنطق، فلا خروج ولا احتجاج ولا استنكار للأحكام، وكل من رغب في ذلك أو امتلك الشجاعة للخروج إلى الشارع كان مصيره معروفا، كما هو مصير المئات من نشطاء الحراك الشعبي الذين زج بهم في السجن طوال السنة الماضية. وحتى عندما رغبت عائلات المعتقلين الخروج وإعلان رفضها للأحكام بحديقة 3 مارس، التي كانت شاهدة على سابقة من نوعها في 8 مارس من السنة الماضية، بتنظيم النساء لمسيرة انطلاقا من هذه الساحة، لم تسلم هذه العائلات من منع السلطات، فبمجرد تجمعها في اليومين المواليين لإصدار الأحكام حلت القوات العمومية وعملت على تفريق المتظاهرين، رغم الإصرار الذي أبدته العائلات في التفريق في مختلف الأزقة والشوارع المتفرعة من الحديقة لرفع صوتها في وجه الأحكام.

وبمدينة إمزورن، كانت الصورة أكثر قتامة، وفي حقيقة الأمر ففي هذه المدينة وجدت القوات العمومية طوال السنتين الماضيتين صعوبة في إخضاع نشطائها للوضع العام الذي فرضته بعد الشروع في توقيف النشطاء، وهذا ما يتأكد من خلال عودة ما تبقى فيها من نشطاء إلى الاحتجاج في بعض الأحياء الهامشية، بعد فرض القوات العمومية لطوق على مركزها.

طوال الأيام الماضية ومباشرة بعد صدور الأحكام، لم يتوقف النشطاء عن محاولاتهم الخروج إلى الشارع وبالخصوص في حي أيت موسى وعمر، وحي بركم، بل في هذا الحي تمكن المحتجون من تنظيم مسيرة احتجاجية جابت أرجاء الحي قبل أن تحاصرها القوات العمومية وتشرع في تفريقها، ليتطور الأمر إلى احتكاكات بين الطرفين أعادت الى الذاكرة صور المواجهات بين القوات العمومية والمحتجين في هذه المدينة والتي كانت تتم خلال السنة الماضية بشكل مستمر. عودة الاحتكاكات بين القوات العمومية والمحتجين ستبرز بشكل أوضح ببلدة بوكيدان، التابعة ترابيا لجماعة أيت يوسف وعيل الواقعة على الطريق بين إمزورن والحسيمة، ففي هذه البلدة خاض المحتجون جولة من المواجهات مع القوات العمومية، أسفرت عن إصابة عدد من أفراد القوات العمومية.

طنطنة وشموع

بعد ثلاثة أيام من إصدار الأحكام، وبعد محاولات الرجوع إلى الشارع، والإضراب الذي دخل فيه التجار بمدينة إمزورن التي توصف بالقلب الاقتصادي النابض للإقليم، والذي عرف نجاحا قدرته مصادر محلية بحوالي 90%، انخرط عدد من سكان مدينة الحسيمة في شكل احتجاجي آخر كان الحراك سباقا إلى إدخاله إلى قائمة الأساليب الاحتجاجية بالريف، لقد تصاعدت أصوات الطنطنة ليلية الجمعة من أسطح منازل السكان رفضا للأحكام، وأيضا رفضا للمقاربة الأمنية التي نهجتها الدولة والتي تمنعهم من الخروج إلى الشارع للتعبير عن رفضهم بالوقفات والمسيرات. إلى جانب أسلوب الطنطنة، اختار بعض السكان بالموازاة مع ذلك إطفاء أنوار المنازل، وإيقاد الشموع فيها، كل ذلك سيرا على الأساليب الجديدة التي كان الحراك قد ابتدعها لمواجهة المقاربة الأمنية التي تعامت بها السلطات مع احتجاجات الريف، بل إن بعضهم اختار هذه المرة رفع أعلام سوداء فوق أسطح المنازل، كشكل جديد من أشكال التعبير عن ما يخالجهم بعد إصدار الأحكام التي يصفونها بالقاسية.

استمرار الاعتقالات

مباشرة بعد محاولات العودة إلى الشارع، عقب صدور الأحكام، انطلقت آلة الاعتقال في صفوف عدد من المعتقلين الجدد الذين ينضافون إلى اللائحة السابقة، ويقول محمد الغلبزوري، إن القوات العمومية اعتقلت العديد من الأشخاص الذين احتجوا أو حاولوا الاحتجاج على الأحكام خاصة بمدينة إمزورن، 
وبالتحديد بحي بركم.

ورغم أن الناشط الحقوقي في منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب، يؤكد بأن أعداد المعتقلين غير معروف حتى الآن، بالنظر إلى صعوبة تحديد أسمائهم بالنظر للوضع العام الذي تعرفه المنطقة، إلا أنه أشار إلى أن هناك على الأقل ناشطين حقوقيين تم توقيفهما هما عبد الناصر أهباض ومحمد المحدالي. وعلاقة بالمعتقل الأول، الذي ينتمي إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وحزب النهج الديمقراطي، كشف فرع الجمعية بمدينة إمزورن، تفاصيل توقيفه، إذ قال الفرع في بلاغ له، أطلعت « أخبار اليوم » على مضمونه، إنه « في خضم حملة مداهمة المنازل والاعتقالات العشوائية التي تباشرها الأجهزة الأمنية بإمزورن لقمع الاحتجاجات التي تشهدها المنطقة تنديدا بالأحكام الجائرة التي طالت معتقلي الحراك بالدار البيضاء، وفي هذا السياق تم اقتحام منزل عائلة عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عبد الناصر أهباض من طرف القوات العمومية في حدود الساعة الرابعة صباحا بمبرر اعتقال أحد أفراد عائلته، وباعتباره مناضلا في الجمعية وبعد توجهه إلى مقر مفوضية الشرطة للاستفسار حول الأمر، خصوصا اقتحام المنزل دون احترام المساطر القانونية في ذلك، تم تعنيفه واعتقاله »، يقول البلاغ. ويضيف نفس المصدر بأنه « وبعد توجه مناضلي مكتب الفرع المحلي إلى مقر المفوضية، تم تأكيد خبر الاحتفاظ بأهباض رهن الحراسة النظرية إلى حين تقديمه أمام أنظار وكيل الملك بالحسيمة، كما تم معاينتهم كذلك وجود عدة عائلات تسأل على فلذات أكبادها، مما يدل على أن الاعتقال 
طال العديد من شباب المدينة ».

وبعد تقديم المعني أمام أنظار وكيل الملك، كشف مصدر آخر بأن النيابة العامة قررت الإفراج عن أهباض بموجب كفالة مالية قدرها 5000 درهم، ومتابعته في حالة سراح. وتضاربت الأخبار حول عدد الموقوفين من قبل الأمن خلال الأيام الثلاثة التي تلت صدور الأحكام، إذ تشير بعض الأخبار إلى توقيف حوالي 30 ناشطا جديدا 
ضمنهم عدد من القاصرين.

ردود فعل الأحزاب مستمر

بعد البيان الذي أصدرته الكتابة الإقليمية لحزب العدالة والتنمية بالحسيمة، والذي جاء معاكسا لتصريحات بعض قيادات الحزب التي تتقلد مناصب حكومية، والذي أكدت فيه الكتابة الإقليمية « أن الأحكام الصادرة هي أحكام قاسية وظالمة في حق شباب أجمع المنصفون وشهد العالم بشرعية مطالبهم وسلمية احتجاجاتهم »، خرج حزب الاستقلال بالحسيمة بموقف 
هو الآخر من الوضع الحالي. واستنكر حزب الميزان ما سماه « التعامل الأحادي »، الذي نهجته الجهات المسؤولة في مقاربة هذا الملف منذ بدايته، وهو ما ساهم وفق نفس المصدر « في تأجيج الأوضاع بربوع الإقليم والمنطقة وأرجع إلى ذاكرتها الجماعية الجريحة مجددا ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفتها بلادنا بدءا بأواخر الخمسينات بالريف مرورا بالسبعينات والثمانينات والتسعينات إلى الآن ».

وبخصوص الأحكام، أكد حزب الاستقلال أن الأحكام الصادرة عن السلطة القضائية المختصة في حق نشطاء الحراك، « رغم تقديرنا لدورها الرئيس في إحقاق العدالة تظل أحكاما قاسية وثقيلة لها تداعيات سلبية على التراكم الإيجابي الذي رصدته بلادنا في مسار البناء الديمقراطي والحقوقي والمؤسساتي، وذلك عبر اعتماد آلية التحكم والترهيب ولاسيما بهذه الظرفية ».
وأكد الحزب على أن جميع تنظيماته وهيئاته محليا وجهويا ووطنيا، « يتقاسمون مشاعر الحزن والأسى مع أسر المعتقلين ومؤازرتهم والحرص على استعمال كافة الوسائل المشروعة للتضامن معهم في جميع خطواتهم المشروعة، الرامية إلى الإطلاق الفوري لسراح المعتقلين والدعوة إلى اعتماد مصالحة حقيقية مع المنطقة باعتماد بدائل مقنعة تتيح فرص التشغيل وتوفر الخدمات الاجتماعية الأساسية، والقطع مع الاعتقالات العشوائية والمضايقات والمتابعات التي تؤدي 
إلى مزيد من التهميش والتهجير ».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي