سبع عجاف

09 يوليو 2018 - 14:55

للقطارات في المغرب عدد من الخصائص التي تجعل ركوبها رحلة غرائبية يشوبها قدر كبير من الاستهتار والبدائية. من بين تلك الخصائص واحدة يعرفها المغاربة الذين لا يجدون بدا من استخدام هذه الوسيلة المتعسفة، للتنقل من وإلى شمال البلاد. فقد يحدث أن تستقل القطار من مدينة طنجة، مثلا، وتتخذ لك مقعدا يجعلك تجلس ونظرك موجه نحو مقدمة القطار حيث توجد القاطرة، وإذا حدث وغفوت قليلا في المرحلة التي يمر فيها القطار بمحطة سيدي قاسم، ستستيقظ لتجد نفسك وقد أصبحت القاطرة خلفك، وتلاحظ أنك أصبحت تسير نحو الخلف عوض التقدم إلى الأمام.

هذا المشهد ينطبق تماما على القطار الجماعي الذي نركبه، أي المغرب. ومناسبة هذا الحديث ما وقع يوم أمس من مسيرة شعبية للغضب والاحتجاج عقب الأحكام القاسية التي صدرت في حق معتقلي حراك الريف. ما الذي وقع لنا حتى أصبحنا نخرج إلى الشارع والمئات من أبنائنا خلف القضبان، لا لشيء إلا لأنهم خرجوا للمطالبة بالحقوق والمناداة بسقوط الفساد والاستبداد؟ ألسنا نحن من كنا قبل سبع سنوات نخرج بالآلاف وفي عشرات المدن بشكل متزامن، ونردد الشعارات ونرفع المطالب، ثم نعود إلى بيوتنا آمنين؟ صحيح أن مسيرات حركة 20 فبراير شهدت بدورها مشاهد مؤلمة لتدخلات القوات العمومية في بعض الحالات، لكنها ظلت الاستثناء، فيما كانت القاعدة أن يخرج وزير الداخلية ليعلن عدد المسيرات ولائحة المدن التي شهدتها، وعوض أن ترى الدولة في ذلك مسا بهيبتها، سوّقته على أنه دليل على الاستثناء المغربي.

ألم تكن تلك المسيرات والاحتجاجات السلمية والحضارية فرصة لنا جميعا لننسج خيوط دستور جديد كان بإمكانه أن يوصلنا إلى بر الديمقراطية؟ ألم يكن ذلك التفاعل الإيجابي بين الدولة والمجتمع ما سمح للمغرب بتقديم نموذج فريد في منطقته وسياقه الإقليمي، وأن ينظم انتخابات شهد القريب والبعيد بنزاهتها، ويفسح المجال لحزب معارض، ويجسد مثالا راح الأوربيون والديمقراطيون يسوقونه في باقي دول الربيع العربي للاقتداء به؟

لا يمكن لمن عاش مسيرات 20 فبراير، وقطع مئات الكيلومترات ملاحقا جموعها إلى ما بعد صيف تلك السنة، حيث كانت تتردد أصداؤها وتسمع من داخل مقر حزب العدالة والتنمية لحظة احتفائه بالفوز بصدارة انتخابات 25 نونبر، أي بعد تسعة أشهر كاملة من انطلاق الاحتجاجات؛ إلا أن يعتقد جازما أن ما نعيشه اليوم هو قرار بعدم السماح بتكرار ذلك السيناريو.

ما عاشته منطقة الريف، وبعدها جرادة وباقي المدن التي حاولت الخروج للتضامن، هو نتيجة رغبة في استبدال التفاعل الإيجابي والرد على الاحتجاجات بالعروض والمقترحات، بالقوات العمومية والهراوات. لقد بتنا على يقين بأن هناك داخل مراكز القرار من ندم على «تنازلات» 2011، واعتبرها سخاء مفرطا من جانب الدولة، في الوقت الذي تملك فيه وسائل الرد على التظاهر باستعمال القوة والقمع والاعتقالات. تغيير المقاربة هذا تجسد في تجميد جل المقتضيات الدستورية، أو إفراغها من روحها الديمقراطية على الأقل، وفي حملة تأديب الأحزاب السياسية التي صدّقت أن اللعبة أصبحت مفتوحة، ومن ثم إرجاعها إلى بيت الطاعة، وفي بقاء جل المؤسسات الدستورية للحكامة والتقنين مقطوعة الرؤوس، وفي إغراق المشهد الإعلامي في المنابر المدعومة والمحمية في ممارستها التضليل والتشويه والكذب، مقابل خنق تلك المتمسكة بفتات الحرية المتبقية واعتقال أصحابها.

كان يفترض أن نخرج هذه الأيام للاحتفاء بالذكرى السنوية لصدور الدستور الحالي، دستور الفاتح من يوليوز الذي لم يخرج من رحم ثورة هوجاء، ولا كان ممنوحا بشكل كامل من الدولة (كما كان حال سابقيه على الأقل). كنا نتمنى أن تخرج مسيرة يوم أمس ومعها مسيرات أخرى يتقدمها ناصر الزفزافي ورفاقه، للاحتفاء بالتجاوب الإيجابي الذي قاده الملك مع مطالب الحراك، وظهور بوادر الانتهاء من تشييد المستشفى والجامعة والطريق التي خرج هؤلاء الشبان من أجلها.

لكن، وعوض أن نعيش خروجا من أجل الاحتفاء بسبع سنوات كان بإمكانها أن تكون سمانا، ها نحن نتفرج على خروج حزين يتزامن مع اكتمال سبع سنوات عجاف. إن القطار بات بالفعل يسير في الاتجاه المعاكس، يسير نحو الخلف بالسرعة نفسها التي انطلق بها نحو الأمام.

لقد جرى تحويل القاطرة…

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Aicha منذ 5 سنوات

bien dit

التالي