الخطيئة الأصلية

07 أغسطس 2018 - 15:52

تحتفظ بعض التيارات المسيحية بمفهوم يميزها عن باقي الكنائس وحتى الأديان التوحيدية، يتمثل في القول بوجود «خطيئة أصلية» تتولّد عنها باقي الخطايا التي يرتكبها الإنسان. هذه الخطيئة، في نظر من يعتنقون هذه الفكرة، تتجسد في الفعل الذي أقدم عليه كل من آدم وحواء، حين تجرءا على الأكل من الثمرة المحرمة.

فكرة قريبة من هذا المفهوم تخيم علينا في المغرب لتفسير حالة التيه والتخبط التي نعيشها، دون أن يملك أحد القدرة على تفسيرها بالوسائل العقلانية والمحسوسة. «شيء ما ينقصنا»، قال الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى عيد العرش. ولحظة الخطيئة التي يحيل عليها سياقنا المغربي تتمثل في مرحلة البلوكاج، التي أعقبت الانتخابات التشريعية الأخيرة، والتي اتسمت بسريالية مازالت فصولها مستمرة حتى الآن. هذا التحديد الزمني للحظة الخطيئة لا يعني أن «الجنة» كانت ستفتح لنا أبوابها بمجرد تشكيل حكومة ثانية لعبد الإله بنكيران، لكن الخطيئة تكمن في اختيار الدخول في هذه المنطقة الرمادية، والمكوث فيها طويلا، مع ما يتخلل ذلك من حوادث واصطدامات ناتجة عن ضبابية الرؤية.

المنطق السياسي الواقعي كان سيحتمل صدمات أكثر شدة، من قبيل إفشال عملية تشكيل الحكومة في أجل معقول، وحل البرلمان العاجز عن إفراز أغلبية، والعودة من جديد إلى صندوق الاقتراع، أو حتى الاستفتاء على تعديل الدستور… فهي خيارات، وإن انطوت على تراجعات أو التفاف، لكنها تلزم المبادر إليها بتحمل مسؤوليته، وتبقى أرحم وأقل كلفة من شل المؤسسات وتعطيل الفعل السياسي، وفتح الأبواب أمام المجهول.

العودة لطرح سؤال الخطيئة الأصلية جرت بقوة ووضوح عقب الخطاب الملكي الأخير، «هل كان من الضروري أن ندخل إلى الحكومة؟ وهل كان يجب أن يدخل حزب الاتحاد الاشتراكي؟»، تساءلت النائبة البرلمانية آمنة ماء العينين. «ألم يكن اليوم على حزب التجمع الوطني للأحرار أن يناقش، بصفة مسؤولة وموضوعية، خروجه من الحكومة، لاسيما أن إعفاء الوزير التجمعي من قطاع مهم جاء في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة؟»، تساءل بدوره المرشح السابق الذي نافس أخنوش في رئاسة حزب الحمامة، رشيد الساسي، فيما فجّرها نائب رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، عبد العلي حامي الدين، وقالها بصراحة في تدوينة فيسبوكية: «ما الفائدة التي سيجنيها المغرب من بقاء التجمع الوطني للأحرار في الحكومة؟».

السريالية التي بتنا نعيشها تفاقمت أكثر حين أصبح القرار الملكي بمثابة طابو سياسي يعجز رئيس الحكومة وحزبه وحزب الوزير المعني بالقرار عن الاقتراب منه. فرغم كل فصول الصراع والتراجع التي عاشها المغرب في السنوات الأخيرة، فإن قرارات إعفاء الوزراء وجدت على الأقل تبريراتها، الحقيقية أو المعلنة، ابتداء من الشوكولاطة، وصولا إلى حراك الريف، مرورا بـ«الكراطة». إلى جانب صمت رئيس الحكومة وحزبه، خرج عزيز أخنوش، ملياردير المحروقات، في تصريح يتيم يلقي من خلاله بقطعة خشب سميكة، وتفضل بإخبارنا بأن الملك مارس صلاحياته الدستورية، وأن ما يهم حزب التجمع الوطني للأحرار هو المصلحة العليا للوطن والمواطنين.

هذا الخطاب الذي استعمله أخنوش للتعليق على إقالة أحد تقنوقراطييه، خاصة أنه من وزن خفيف جدا، دون تحمل عناء تقديم أي تفسير لمن يفترض أنهم انتخبوا هذه الحكومة، يعني أن الحدث قد يسعف في تبرير وشرعنة إقدام أخنوش على عملية بلوكاج جديدة، والإطاحة برئيس الحكومة الحالي، تماما مثلما فعل مع سابقه، مستعينا بالرباعي الذي يحتضنه داخل الأغلبية الحكومية. وإذا كان المزاج العام بات يعتبر وجود هذه الحكومة مثل غيابها، فإن المقلق في الأمر هو هذا التلويح بإمكانية فتح فصول جديدة من السريالية. وما مسارعة نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية للرد على تدوينة حامي الدين بتدوينة مضادة، سوى دليل على حضور شبح تجدد البلوكاج في الأذهان.

هناك أكثر من سبب ومبرر لتوجيه الأصابع من جديد إلى ما يمكن اعتباره خطيئتنا الأصلية، لكن الخطير في الأمر هو أن التحديد الزمني للحظة اقتراف هذه الزلة قد يكون سابقا على ما نعتقده، خاصة حين يبرز اسم الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، ضمن أحد سيناريوهات ما بعد إعفاء محمد بوسعيد، أي عودة بركة من جديد إلى حمل هذه الحقيبة بعد تعديل حكومي واسع. هذا السيناريو، وإن كانت أغلبية المصادر تستبعده حاليا، إلا أن طرحه إلى جانب ما ورد في الخطاب الملكي الأخير من قرارات، وما تضمنته تقارير كل من بنك المغرب والمجلس الأعلى للحسابات التي قدمت للملك الأسبوع الماضي، تجعلنا نقترب من الإقرار بكوننا دخلنا قوس التيه والضبابية منذ 2013، حين قاد حميد شباط، المغرر به حينها، عملية إخراج حزب الاستقلال من الحكومة، ومعه نزار بركة من وزارة المالية.

بهذا يصبح السؤال: كيف سنبرر كل ما راكمناه من خسائر في الاقتصاد والتنمية وبناء الديمقراطية، إذا كنا بعد خمس سنوات نعود إلى نفخ الروح في جثث إصلاحات كان يفترض إنجازها في 2013؟ أليست تلك لحظة الخطيئة الأصلية؟ وهل يكفي إخراج «هولدينغ» أخنوش، بتعبير الزميل عبد الصمد بنعباد، وإدخال حزب الاستقلال للتكفير عن الخطيئة؟

شارك المقال

شارك برأيك

Répondre à Kamal Annuler la réponse

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

Kamal منذ 5 سنوات

لا خطيئة و لا والو ... المشاريع الملكية ناجحة و الشركات الفرنسية رابحة ... و مبروك عواشركم

علال كبور منذ 5 سنوات

ينقصنا قضاء مستقل على النمودج الأنكلوسكسوني وهو مفتاح كل إصلاح

التالي