نعيمة زيطان: رواية إنجليزية من عشرينات القرن الماضي تعكس واقع المغرب الحالي

16 أغسطس 2018 - 12:04

حوار مفتوح هو لقاء لـ«أخبار اليوم» مع القوة الناعمة المؤثرة في الرأي العام. فنانون ومثقفون مغاربة نطرح عليهم السؤال حول فيلم أو عمل فني من جنس آخر كان له الأثر في حياتهم، ومنه ينطلق التفاعل لطرح أسئلة أخرى مفتوحة. ضيفة الحلقة الثالثة نعيمة زيطان، المخرجة والكاتبة المسرحية المتفردة أسلوبا، التي عرفت باشتغالها على الطابوهات وعلى معاناة المرأة داخل المجتمع.

نستهل محاورتنا بسؤال حول العمل الإبداعي الذي طبع ذاكرة نعيمة زيطان، وترك بصمته عليك بعد تعرفك عليه، وحبذا لو تركز الحديث على عمل واحد؟

بالنسبة إلي في العملية الاستهلاكية للإبداع، أستهلك الرواية أكثر من غيرها. وأشاهد الأفلام العالمية، أما الأفلام المغربية فإنني لا أتتبعها بشكل نهائي. وأقرأ الشعر، وهناك مؤلفات أخرى شدتني بين الأعمال الثلاثة لأدونيس: «الأصول» و«تأصيل الأصول» و«صدمة الحداثة». ومؤلفات أدونيس بالإضافة إلى عبد الله زريقة وخير الدين، كلها أعمال قرأتها وأعود لمطالعتها.

وعودة إلى الرواية، فمن أهم الروايات التي قرأتها وأعتبرها عظيمة رواية من الأدب الكلاسيكي الإنجليزي عنوانها Le puits de solitude وقد صدرت عن دار نشر «كاليمار» Gallimard.

ما الذي جعلك تصفين هذه الرواية الإنجليزية بكونها عظيمة؟

راقني موضوعها، فهي رواية مهمة تحكي عن المعاناة الإنسانية، خاصة معاناة الأقليات. وأيضا من حيث الأسلوب الفني في الكتابة، أسلوب السرد، اللغة المستعملة والوصف، وكذا المرحلة التاريخية بكل معالمها، والملابس.

هلا فصلت لنا أكثر حول موضوع الرواية؟

الرواية تتحدث عن لندن في العشرينات من القرن الماضي، ولكن ليست المدينة هي موضوعها المحور، وإنما أهل المدينة وطريقة تفكيرهم، والطابوهات والأعراف، وكيف عاشت النساء في تلك المرحلة، وكذا الأشواط التي قطعها الناس قبل الوصول إلى الوضع الحالي.

من خلال المعلومات المبسطة التي قدمت حول رواية «بئر الوحدة» يظهر لي أنها تصب في الاتجاه نفسه الذي تمشي فيه الأعمال التي تقدمينها مسرحيا من حيث الموضوع. هل الأمر كذلك فعلا؟

تماما، وغالبا قراءاتي في هذا الاتجاه.

في قراءاتك أو مشاهدتك للأفلام، هل تعتمدين أسماء مبدعيها أم العناوين، أم ثمة معايير أخرى لاكتشاف الرواية أو الفيلم؟

في غالب الأحيان أعتمد على اسم دار النشر التي لها وزن ولا تنشر لأي كان. والكتاب الذي أختاره يكون قد وصل الطبعة الثالثة أو الرابعة، ما يعني أن له وزنا وقيمة يستحق معها الاطلاع عليه.

وبالنسبة إلى الأفلام، أختار أفلاما مرتبطة بمراحل تاريخية أو أفلاما متعلقة بالسير الذاتية، كسيرة فنان أو فنانة أو تيار موسيقي، أو غيره وكيف انطلق واستمر.

أفهم من قولك أنك تقرئين التاريخ برؤية إبداعية عبر السينما؟

تماما، وهذا يريحني.

حياة المرأة في لندن وكيف عاشت في العشرينات، من خلال الرواية التي نتحدث عنها، هل ثمة نقط تلاقٍ بين واقعها والواقع الذي نعيشه في المجتمع المغربي؟

أكيد هناك تشابه. وحين نعود لهذه الرواية لا بد من التذكير بأنها منعت في تلك الفترة، وكل النسخ التي طبعت منها جمعت من السوق وأحرِقت…

هل كانت رواية «بئر من العزلة» بنفس ثوري أو تحريضي ومنعت لهذا السبب؟

الرواية تتضمن نمط تفكير جديد آنذاك، وشخصيات الرواية لها مطالب تتماشى واحتياجات وحريات الناس الطبيعية، مطالب لا تتماشى مع الأعراف في إنجلترا آنذاك.

ولنكمل الجواب عن السؤال السابق، فإنه يمكن القول إن الأحداث التي نعيشها اليوم في المغرب هي ما تعكسه تلك الرواية في العشرينات من القرن الماضي في إنجلترا.

إذن الفارق بيننا وبين إنجلترا يقارب قرنا من الزمن فكريا؟

تماما، فما كانت تعيشه شخصيات هذه الرواية المعبرة عن حال أهل لندن، من رجم وعدم احترام للاختلاف، وحرق للكتب وما شابه ذلك من رفض للأقليات هو ما نعيشه، لذلك سميت الرواية بـ«بئر من العزلة»، وتحكي كيف يعيش الفرد داخل الجماعة لكنه في عمقه وقرارة نفسه يشعر بالوحدة والعزلة.

وتمعن هذه الرواية والأحداث يجعلنا نتساءل: كم من أشواط تلزمنا لتحقيق ما حققته تلك المجتمعات من تقدم ورقي فكري؟

عودة إلى الرواية المحور، احكي لنا شيئا عن روح أهم شخصية تضمنتها برأيك؟

سأتحدث هنا عن شخصية الأم في رواية «بئر من العزلة». هذه الشخصية كانت هي الأكثر ديكتاتورية وسلطوية في الحكاية. الأم في هذا العمل كانت هي المحافظة الأولى على التقاليد، وهي التي رفضت أن تحصل ابنتها على نصيب من إرث والدها، خصوصا أنهم أسرة إقطاعية ثرية. هذه الأم طردت ابنتها. وجميع القرارات المتعلقة بالحرمان من مختلف الحقوق كانت هذه الأم هي مصدرها، على اعتبار أن الأب كان رجلا مختلفا نسبيا يقرأ ويطالع، لكن الأم كانت سيدة برجوازية حتى النخاع ومتشبعة بالفكر الديكتاتوري الإقطاعي.

هل يمكن أن نقول إن عدوة المرأة في تلك المرحلة كانت هي المرأة نفسها؟

صحيح، لكن ذلك لا يعني أنني أتبنى الطرح القائل إن المرأة عدوة المرأة، بشكل نهائي. وإنما تحدثت عن هذه الشخصية من زاوية إبداعية.

إذا أسقطنا علاقة الأم البورجوازية بابنتها في رواية «بئر من العزلة» وعرقلتها حصولها على حقوقها، على واقعنا المغربي بخصوص مطالبة المرأة بحقوقها، هل يمكن القول إن المرأة نفسها تشكل جزءا من عرقلة المسار الحقوقي للمرأة؟

في المغرب لدينا ظروف وشروط أخرى، وسياق مختلف تطبعه الأمية والفقر، وهذا ليس اختيارا قامت به المرأة المغربية، وإنما ظرفية مسؤول عنها طرف آخر، وفرض عليها العيش في إطارها. فإذا صدرت عن المرأة هفوات في التربية وفي التعامل مع الآخر فذلك أمر منتظر، ويحدث دون وعي لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

في كتاباتك المسرحية، هل تنطلقين من فكرة طرحتها رواية وتطورينها؟

إلى حد الآن، فضلا عن الإخراج المسرحي، كتبت أربع مسرحيات، نشرت منها «أحمر زائد أزرق يساوي بنفسجي» صدرت عن بيت الحكمة، ونشرت ديوانا شعريا بعنوان «إيروتيقا»، عن دار النشر نفسها، والشعر يبقى هواية بالنسبة إلي، أحب قراءته وكتابته إذا كان ثمة إلهام أو رغبة في حينها.

وفي المسرح لدي مصادر مختلفة، أوحت أو قد توحي إلي بالكتابة، وبالنسبة إلى المسرحية المذكورة، فقد أوحت إلي بكتابتها لوحة للفنانة التشكيلية خديجة طنانة. وكل هذا لأقول لك إن التأثر بالرواية قد يكون بشكل غير مباشر بلا وعي، وأني لم أكتب يوما مسرحياتي من خلال الاشتغال على شخصية أو شخصيات رواية ما وتطويرها.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي