لماذا لا يأكل «الحراڭة» البسكويت؟

17 سبتمبر 2018 - 13:34

أحدثت التصريحات التي أدلى بها الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، عقب المجلس للحكومي الأخير، صدمة استمرت هزاتها الارتدادية منذ يوم الخميس الماضي. رسوم كاريكاتورية وتعليقات وفيديوهات نشرت للرد على الخلفي، لكونه تحدث عن فرص شغل هائلة موجودة في المغرب، في الوقت الذي تركب يوميا أفواج من الشباب قوارب الموت، بحثا عن أحد مصيرين، « الاستشهاد » أو دخول « الفردوس » الأوروبي. بحثت عن تسجيل لِما قاله الخلفي ووجدته بالفعل منشورا في صفحته الرسمية على الفيسبوك، فماذا قال الخلفي؟

الناطق باسم الحكومة قال، وهو يضغط على بعض الكلمات المفتاحية، إن المغرب دخل في مسار عنوانه الاستثمار في الشباب، وإن هناك أجندة من الإصلاحات الكبرى (قد يكون الضباب من حجبها عن هؤلاء الشباب العازمين على الرحيل بينما يراها الخلفي واضحة)، ودليل الوزير على وجود هذه الإصلاحات الكبرى هو الاجتماعات التي قال إنها كانت مكثفة في شهري غشت وشتنبر، والتي قدمها الخلفي كسبب يتخيل أنه سيحمل الشباب على إسكات محركات القوارب والعودة إلى ديارهم لمشاهدة لقطات من تلك الاجتماعات في نشرات الأخبار. المعطى الوحيد، الذي قدمه الخلفي وتطابق مع مزاج وخطاب من يركبون قوارب الهجرة، هو تأكيده بكل يقين أن المغرب رفع من قدراته التصديرية، مشيرا ربما إلى هذه الأفواج من الشباب التي بات المغرب يصدرها نحو أوروبا.

حديث الناطق الرسمي باسم الحكومة عن الإصلاحات والتصدير والآلاف من مناصب الشغل، ذكّرني بالقصة الشهيرة التي تُنسب إلى ماري أنطوانيت، زوجة آخر ملك فرنسي، والتي تزعم أن الملكة حين تناهى إلى سمعها خبر اندلاع الثورة وخروج الآلاف من الفرنسيين ضد الملك ورموز نظامه، سألت عن سبب هذا الخروج، فقيل لها إن هؤلاء الغاضبين لا يجدون ما يأكلون، فتساءلت باستغراب، صادقة، حسب بعض الروايات، ومتهكمة حسب أخرى، لماذا لا يأكلون البسكويت؟ الكثير من الألسن الخبيثة تحمّل السيدة التي يفترض أنها رددت هذه العبارة، مسؤولية ما انتهى إليه آخر ملوك فرنسا، فلويس السادس عشر كما هو معروف انتهى به الأمر مقتولا على أيدي الثوار.

لا أحب ممارسة « الحڭرة » على بعض المسؤولين السياسيين الذين أعلم علم اليقين أن ما يجري في البلاد يتجاوزهم بشكل كبير، كما أن الخلفي لم يخطئ في صياغة خطابه الأخير، بل يحسب له أنه قام بمهمته المتمثلة في تقديم خطاب مضاد يتضمن معطيات وأرقام، لكن الخطأ يكمن في عدم مراعاة السياق والجمهور المستهدف. لم يكن مطلوبا من الناطق الرسمي باسم الحكومة تقديم موقف رسمي حول حدث عابر، بل إن الأمر يتعلّق بمأساة وراءها معضلة اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة، يفترض أن يجري التواصل فيها عبر مجموع السياسات العمومية والخدمات الحكومية، وما ينعكس على الحياة اليومية للمواطنين.

أول أمس كتب الصديق الباحث في التاريخ، سعيد الحاجي، عبر صفحته الفيسبوكية، كيف أنه فوجئ في الثانوية التي يدرّس فيها بمدينة القصر الكبير، باختفاء عدد من التلاميذ الذين انتهزوا أجواء الصيف الملائمة لعبور البحر المتوسط. بعض من آباء هؤلاء المختفين حلوا بالمدرسة مبتهجين، وكل ما يريدونه من المؤسسة هو شهادة تثبت مستوى أبنائهم الدراسي، تتطلّبها مسطرة تسوية وضعيتهم في إسبانيا. هذا الأستاذ ختم تدوينته الفيسبوكية بالقول: « في اليوم الأول للدخول المدرسي هذه السنة، التقيت تلميذا في مستوى الثانية باكالوريا آداب، سألته عن جاهزيته لنيل شهادة الباكالوريا والالتحاق بالجامعة، أجابني والتذمر باد على محياه: « الباكالوريا هي شي حرڭة لإسبانيا أستاذ ».

الأمر بسيط وواضح ولا يحتاج كثير تحليل ولا تفسير، هؤلاء الشباب إما أنهم كانوا ممن خرجوا سلميا، قبل سبع سنوات إلى الشارع يطالبون بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، أو شاهدوا إخوتهم وجيرانهم يخرجون. لكل هؤلاء قدّمت الدولة وعدا دستوريا يستجيب لتلك المطالب، ففضوا اعتصاماتهم وعادوا إلى بيوتهم حاملين شعلة أمل. ما الذي تحقق اليوم من تلك الوعود التي تضمنها دستور 2011؟ حتى لا نطيل في تعداد التراجعات والالتفافات التي مرّت فوق « ظهر » هذا الدستور، نوجز الحديث ونقول بكل اختصار: لم يتحقق شيء فتركوها ورحلوا. لقد ذهبوا بحثا عن « طَرْف الخبز »، ولا داعي إلى التساؤل لماذا لا يأكلون البسكويت؟

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي