اليأس أخطر من الفشل

24 سبتمبر 2018 - 13:22

في الوقت الذي كان فيه وزير الفلاحة الملياردير عزيز أخنوش يلاعب شبان حزبه داخل إحدى الجامعات الخاصة بمدينة مراكش، كانت جموع من الشبان المغاربة تحتشد بالقرب من شاطئ مارتيل في ضوضاء وجَلَبة، سببهما ظهور ما يعتقد أنه قارب « فانتوم »، من النوع الذي أصبح طيف واسع من شباب المغرب يحلم به هذه الأيام، أي ذلك المنقذ الذي يتخيل البعض أنه سيأتي في يوم من الأيام لينتشلهم من وطنهم ويأخذهم نحو الجنة الأوروبية.

لقد قلناها هنا وكررناها، إن من « يحركون » اليوم، هم أنفسهم من كانوا فرصة سانحة لم يجد التاريخ بمثلها، لنحقق تلك القفزة الإصلاحية والحضارية حين خرجوا مرددين « الشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد ». ترى، هل وثق من رصدوا شريطا للهجرة من سواحل تركيا، تلك الأشرطة التي أمطرتنا بها هواتف المارتيليين مساء أول أمس؟ هل سمعتم جيدا ذلك الشعار المخزي والمؤلم الذي ردده الشبان أمام شاطئ البحر؟ هل يعي المقامرون بالوطن واستقراره وتماسكه معنى أن تلهج ألسنة شبابنا بشعار: « الشعب يريد الحركة فابور »؟

إن الصمت والتجاهل اللذين أصبحا دين الدولة في الفترة الأخيرة لم يعودا مقبولين، والاقتصار على البحث عن تحوير الأحداث ووضعها داخل مربع نظريات المؤامرة لم يعد يقنع أحدا. نحن الآن في الأسبوع الثالث على الأقل من موجة الأشرطة الحية والموثقة لعشرات من خير شبابنا يركبون القوارب الخشبية والمطاطية والمحركات المتطورة ويتركون لنا رسائل وداع تمنع كل ضمير حي من النوم. فما الذي قدمته الدولة منذ انطلاق موجة فيديوهات الهجرة المأساوية نحو أوروبا؟

وحدها الآلة القمعية تحركت، عبر رسائل التخويف والتحذير من الملاحقة في حال « التحريض » على أفعال يجرمها القانون. وهل هناك من تحريض أكبر من تعميق الفوارق الاجتماعية وإلقاء جيل كامل من الشباب في بحر من التيه والضياع؟ هل هناك من تشجيع على الارتماء في بطون الأسماك أكثر من قتل الأمل وإعطاء الانطباع بغياب أية إمكانية للعيش الكريم؟ هل يعي أصحاب الضمائر ممن يوجدون داخل دائرة اتخاذ القرار أن الشاب المغربي تلقى رسالة، قد تكون غير صحيحة، لكنها الرسالة التي فهمها أغلب المغاربة، مفادها أنك مخيّر بين الخضوع لواقع يسلبك جميع حقوقك، وبين السجن أو انتظار استدعاء التجنيد الإجباري؟

دعونا من تقارير الهيئات الحقوقية وبقايا المعارضة، واقرؤوا فقط، ضمن هذا العدد من هذه الجريدة ما يقوله التقرير السنوي الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. هذه المؤسسة الدستورية الرسمية التي تضع تقاريرها بين يدي الملك. اقرؤوا التقرير الموضوعاتي الخاص بالفوارق الاجتماعية، إنه يقول لكم إن الفساد والرشوة و »سوء الحكامة » من أسباب استمرار الفوارق الاجتماعية. تلك الممارسات، يقول التقرير، إنها « تضعف مبدأ الارتقاء عن طريق الجدارة والاستحقاق، وتشرع الباب أمام الامتيازات والريع والزبونية والارتشاء ». أما الذين يسارعون إلى التلويح بـ »الزرواطة » في وجه مظاهر اليأس والإحباط كلما باغثتهم في العالم الأزرق، فالتقرير الجديد يخبرهم أن الإنترنيت ليس مجرد قناة لممارسة « الضسارة » وتنفيذ المؤامرات والأجندات الأجنبية، بل إنها فتحت أعين المغاربة على واقعهم، « لا سيما الشباب تجاه الفوارق وأشكال الحيف ».

إن أخطر ما يتهدد المغرب ليس هو فشل الإصلاحات، فقد فشلت جل مشاريع الإصلاح منذ الميثاق الأول لإصلاح التعليم ومخططات الإقلاع الصناعي والسياحي وأولى مبادرات التنمية البشرية… بل إن الأخطر هو فقدان الثقة في مشاريع الإصلاح وعدم الإيمان بها. لقد فشلت جل المخططات السابقة، لكن المغاربة لم ييأسوا ولم يرتموا بين أمواج المتوسط، لكنهم اليوم، يعبرون عن يأسهم بطرق مؤلمة، لكنها تعكس في الوقت نفسه حرصا على استقرار الوطن وسلامته. فعندما ضربت المقاربة الأمنية بقوة وحملت مئات الشباب وأكثر الصحافيين إزعاجا إلى السجون، دخلوا من الشارع إلى بيوتهم ومارسوا المقاطعة عبر الإنترنيت الذي فتح عيونهم. وحين باتت الخيارات المتاحة أمام الشباب أحلاها مر، ذهبوا للبحث عن قوارب النجاة.

هل سمعتم ما قاله شاب ممن غادروا السجن قبل شهر واحد ضمن العفو الملكي عن معتقلي حراك الريف؟ لقد ردّ بفزع بعدما سأله أحد أصدقائه وهو في الضفة الشمالية للمتوسط، هل ينوي طلب اللجوء السياسي، وقال: « وهل تريد أن يحرّم علي وطني؟ لقد جئت بحثا عن فرصة تسمح لي بالعودة لمساعدة والدتي الفقيرة، وإن لم أتمكن من ذلك، فلا حاجة إلي باسبانيا ولا بأوروبا ».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي