حكومة الصناديق وحزب الملك

09 أكتوبر 2018 - 13:46

“كل واحد منا يُطالب بدولة القانون، أو دولة المؤسسات، أو بالديمقراطية، لكنه في سلوكه اليومي ينتفع من الاستبداد ويرسخ قواعده” عبدالله العروي في كتاب: “خواطر الصباح”.

في صباح باريسي مشمس، جلس الأستاذ الجامعي الفرنسي أمامي ينفث دخان غليونه، وفجأة نظر نحوي متسائلا: ما هي أخبار المغرب؟ ألا تعتقد معي أن ملككم اتخذ قرارات كبرى في الستة أشهر الأخيرة؟

ابتسمت، وأنا أجيبه متسائلا: لا غرابة في أن يقوم رئيس الدولة بإعلان قرارات كبرى، وفي مجالات متعددة، ثم هل في رأيك هذه حالة إيجابية أم سلبية؟

رد عليّ قائلا: إنه الرئيس، والمسؤول عن سير المؤسسات الدستورية، كما كنت تؤكد لي دائما، ثم أضاف: وبالمناسبة، ألا تلاحظ معي أن هناك توجها دوليا وسياسة جديدة نعيشها على مستوى إدارة المؤسسات داخل الدولة، أصبح خلالها رؤساء الدول في الواجهة التدبيرية أكثر مما مضى، على عكس مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية حين كانت الحكومات والبرلمانات قوية، وفي الواجهة، تحكم وتراقب بقوة، ورغم وجود شخصيات سياسية كبيرة تمارس السياسة بثقة في النفس مثل دوغول وتشرشل وإيزنهاور وجون كينيدي وغيرهم، فإن هؤلاء تركوا المجال مفتوحا لهذه المؤسسات لتقوم بعملها، وصنعت هذه الشخصيات مواقع لها، دون أن تهيمن أو تغيب المؤسسات التدبيرية ومؤسسات الوساطة “الحكومة والبرلمان”، ربما لاقتناعها بالديمقراطية، أو، ربما، لأن من كان حولها من السياسيين بدورهم كانوا أقوياء ومسيسين صنعتهم الأزمات، أو كرد فعل على ما جره استبداد النازية أو الفاشية من ويلات على البشرية، بسبب إلغائها للديمقراطية ولدور المؤسسات التدبيرية ومؤسسات الوساطة.

غير أن الملاحظ في الوقت الراهن، أن الآية قد انقلبت، حيث غابت هذه المؤسسات وعاد الحضور القوي لرئيس الدولة، فأصبح بذلك مهيمنا وفي الواجهة، وهكذا يمكنك أن تلاحظ معي أن قادة الدول مثل بوتين وماكرون وترامب وبينغ وغيرهم، باتوا المتحكمين في الأحداث، وفي مسار السياسة الداخلية لبلدانهم، فأمست قوتهم بادية من خلال حضورهم السياسي، ولشدة هيمنتهم تقهقر دور المؤسسات التدبيرية ومؤسسات الوساطة، ففي فرنسا مثلا، يتضائل دور رئيس الحكومة أمام التحركات الواسعة لرئيس الدولة الذي أمسى يتدخل في كل شيء، وفي إسبانيا تدخل الملك لقيادة مفاوضات سرية من أجل خلق أغلبية حكومة ائتلافية، وفي إيطاليا تدخل رئيس الدولة واستطاع بناء أغلبية تجمع تحالفا متناقضا بين أقصى اليمين وأقصى اليسار. غير أن لهذا الحضور القوي لرئيس الدولة انعكاسات سلبية على رئيس الدولة نفسه، وعلى الديمقراطية ذاتها، ذلك أن رئيس الدولة شخصية لا تخضع لتلك المراقبة السياسية الدقيقة – حتى ولو كانت تسمح بها بعض الدول الديمقراطية – لكونه رمز السيادة والسلطة العليا. لذلك، يصعب على مؤسسات الرقابة أن تقوم بوظيفتها في مواجهة رئيس الدولة، الذي يتخذ قرارات تهم الشأن العام تستمد قوتها من حصانته.

كما أن تحكم رؤساء الدول في القرارات يجعل الديمقراطية بدورها عاجزة عن القيام بوظيفتها، فتضيع السلطة والمسؤولية والمحاسبة بين رئيس الدولة وباقي المؤسسات.  أما في حالة المغرب… هنا، قاطعت صديقي الذي نسي نفسه أنه في مقهى وليس في قاعة للمحاضرات، قائلا: في رأيي، يشعر الجميع بعد الخطابين الملكيين الأخيرين، أننا أصبحنا أمام برنامج سياسي جديد، التبست من خلاله وضعية برنامج الحكومة، وفي رأيي، فإن رئيس الدولة بخطوته هذه تدخل لإنقاذ المغرب من أزمة حكومية وسياسية، للعجز التدبيري للأغلبية، لكونها في آخر المطاف مجرد تحالف رُمّم من صناديق الاقتراع، وهذا الترميم المبني على النص الدستوري يجب على جميع الأطراف احترامه، لكونه، كذلك، ناتج عن شرعية الصناديق، غير أنه يقابله في الواقع عجز في الأداء الحكومي، وضعف ملحوظ في إدارة الشأن العام، وتردد في التعامل مع الملفات يؤدي إلى هدر الزمن السياسي، والملك مسؤول على حسن سير المؤسسات، فكان عليه أن يتدخل أخذا بعين الاعتبار احترام نتائج الانتخابات، وفي الوقت نفسه من أجل إنقاذ الوضع الاقتصادي والسياسي، بل إن رئيس الدولة انتقل من التوجيهات العامة إلى السياسات القطاعية التي هي من جزئيات العمل الحكومي، وبتحديده حتى السقف الزمني لإنفاذ المشاريع والقرارات التي يصدرها، وهذه الخطوات الملكية في حقيقتها لا تستهدف سوى الحفاظ على استمرار الحكومة لضمان حسن سير المؤسسات. والغريب في الأمر، أنه بعد كل هذا الدعم الملكي للحكومة لازال البعض يتحدث عن أن هناك حزبا للملك خارج الحكومة، علما أن الدعم الملكي للحكومة قد يمكن تفسيره على أنه  دعم ملكي لستة أحزاب، فماذا بقي لحزبي المعارضة؟ أعتقد أنه لم يعد أمام أحزاب المعارضة سوى إبداع سياسة معارضة لطريقة تدبير أعضاء الحكومة، وليس لبرنامجها مادام قد تم استبداله ببرنامج ملكي.

ضحك الأستاذ ونظر إليّ قائلا: تحليل مقبول من منطق الديمقراطية الملكية.

أجبته: مصطلح الديمقراطية الملكية مصطلح جديد، فحتى في بريطانيا لا يوجد مصطلح ملكية ديمقراطية.

رد عليّ الرجل: بريطانيا ملكية برلمانية، أما أنتم فعليكم أن تجدوا اسما جديدا لديمقراطيتكم…

 

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي