نبيل الشيخي: نحتاج جرعة من المصداقية (حوار)

15 أكتوبر 2018 - 09:40

نبيل الشيخي – رئيس فريق العدالة والتنمية في مجلس المستشارين

يبدو أن هناك أجندة مكثفة وثقيلة تميز الدخول البرلماني الحالي في ظل انتظارات الرأي العام المغربي، خاصة في الشق الاجتماعي، كيف ستتعامل المؤسسة التشريعية، بنظرك، مع هذه الأجندة ومع هذه الانتظارات؟ وما المتوقع منها؟

لا شك أن الدخول البرلماني لهذه السنة يحمل مجموعة من الرهانات لعل من أهمها أن هذه الدورة تعرف بدورة قانون المالية، الذي تنزل من خلاله الأهداف والإجراءات المسطرة في البرنامج الحكومي. وتبقى من أهم الإشكالات الضاغطة ما يرتبط بالورش الاجتماعي، سواء ما يتعلق بالمطالب التي عبرت عنها العديد من الفئات الاجتماعية، أو بعض التوترات الاجتماعية التي مازالت تشهدها، بين الفينة والأخرى، بعض مناطق المملكة. وسيكون دور البرلمان أساسيا ومهما أثناء مناقشة قانون المالية، باعتبار هذه المحطة فرصة كذلك لمناقشة السياق العام، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي يمر منه بلدنا. وسيكون التحدي بالنسبة إلى ممثلي الأمة داخل غرفتي البرلمان هو إيصال صوت المواطنين والتعبير عن همومهم وتطلعاتهم، والشجاعة في إثارة كل ما يرتبط بحالة القلق العام التي أصبحت سائدة في المجتمع، والإسهام في تقديم الأجوبة المناسبة عنها، في إطار ما يتيحه قانون المالية، وفي إطار أدوار الرقابة المنوطة بالمؤسسة التشريعية على العمل الحكومي.

لذلك أنا حريص على تأكيد أن السعي المستمر إلى تطوير أدائنا البرلماني، الرقابي والتشريعي والدبلوماسي، لن يكون له صدى، ولن يمكن من تعزيز الثقة في المؤسسة التشريعية، ما لم يكن مقرونا ومستندا إلى قراءة واعية ودقيقة للنخب البرلمانية للواقع وتحدياته، تساعد في تحديد الرسائل والمضامين التي يجب التركيز عليها، وفهم عميق لانتظارات المواطنين وتطلعاتهم. يجب أن يكون البرلمان منبرا حقيقيا للدفاع عن مسار الإصلاح ببلادنا، ومحاصرة الفساد والتحكم والاستبداد بكافة أشكاله الخشنة والناعمة، ودعم أوراش الإصلاح ببلادنا، وفي الوقت ذاته مواجهة كل محاولات التيئيس والتبخيس وقتل الأمل والعدمية، التي لن يستفيد من انتعاشها، في نهاية المطاف، سوى خصوم الإصلاح.

وفي هذا السياق، سنكون على موعد، مباشرة بعد جلسة الافتتاح الرسمي للدورة التشريعية، مع اللقاء السنوي لفريقنا الذي سيتواصل، طيلة يوم السبت 13 أكتوبر، من أجل تقييم حصيلته لنصف الولاية المنتهية، وتجديد انتخاب هياكله، واستشراف آفاق السنة التشريعية والنصف الثاني من الولاية التشريعية. وسنحرص على تعزيز انفتاحنا وتواصلنا مع الرأي العام من خلال إطلاق الموقع الإلكتروني للفريق، والاستثمار الأمثل لمواقع التواصل الاجتماعي التي تتزايد أدوارها في التعبئة والتأطير يوما بعد يوم.

هل ينتظر من ممثلي الأمة الرفع من وتيرة العمل التشريعي وتحسين أدائه خلال السنة الحالية، في ظل التباطؤ الذي يطبع عادة المصادقة على عدد من القوانين، فيما لايزال بعضها عالقا، خاصة تلك المتعلقة بالحماية الاجتماعية؟

ينبغي أن نسجل فعلا أن وتيرة العمل التشريعي بالمؤسسة التشريعية تتسم بنوع من البطء غير المبرر، ويتفاقم الوضع داخل الغرفة الثانية، حيث أضحى يصفها البعض بمقبرة القوانين. وفي هذا الإطار أمضت بعض القوانين شهورا طويلة داخل بعض اللجان قبل أن تعرف طريقها للدراسة والمصادقة، نذكر منها القانون التنظيمي للسلطة القضائية، والقانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، والقانون المتعلق بالتنظيم القضائي، وقانون العنف ضد النساء… وهناك قوانين مازالت محتجزة إلى الآن رغم أهميتها، مثل قانون التغطية الصحية للوالدين والقوانين المتعلقة بالمهن الطبية وغيرها.

والذي ينبغي الانتباه إليه أن اللجوء إلى التشريع وسن القوانين يروم في العموم معالجة اختلالات قائمة مرتبطة بمجال هذه النصوص، وجلب المصالح أو درء المفاسد، وأي عرقلة أو تأخير للمسطرة التشريعية إنما يسهم في هدر الزمن التشريعي، وبالتالي تفويت الكثير من المصالح التي تتطلع إليها فئات من المجتمع أو قطاعات معنية بهذه القوانين.

وفي هذا الإطار نأمل تسريع المصادقة على هذه القوانين في أقرب الآجال من أجل الانكباب على عدد من النصوص الأخرى المهمة المعروضة أو التي ستعرض على اللجان المختصة، مثل القوانين التنظيمية المتبقية، وهي قانون الإضراب، والقانون المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والقانون المتعلق بالخدمة العسكرية، والقانون الإطار لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وغيرها…

من بين أبرز الرهانات المطروحة في الدخول الجديد، انتخاب رئيس مجلس المستشارين، والذي ينقسم موقف الأغلبية بشأنه. ما هي السيناريوهات المحتملة بخصوص هذا الموضوع في الأيام المقبلة؟

كنا نتطلع إلى تجاوز الاختلالات ومظاهر العبث التي رافقت انتخاب رئاسة المجلس سنة 2015، وكنا نتطلع، في إطار التنافس الديمقراطي، إلى أن تقدم الأغلبية مرشحا لها، للتنافس الشفاف والنزيه مع باقي المرشحين، ولبعث رسائل سياسية إيجابية إلى الرأي العام، إلا أن تقدير هيئة رئاسة الأغلبية، التي اجتمعت مساء يوم الخميس المنصرم، ذهب في اتجاه عدم تقديم مرشح لها.

لكنني، في المقابل، أؤكد أننا سنعلن موقف فريقنا، بشأن التصويت، بشكل شفاف وفي إطار الوضوح مع الرأي العام، فور اتضاح الصورة وحصر لائحة المرشحين لمنصب الرئيس، وسيكون، في جميع الأحوال، مؤطرا بالسعي إلى التجديد بغية تجاوز عدد من الاختلالات التي سجلناها في تسيير المجلس طيلة السنوات الثلاث المنصرمة.

سبق وأن صرحت سابقا بأن ثمة ثغرات في مواد النظام الداخلي لمجلس المستشارين. ما طبيعة هذه الثغرات؟ وهل يقتضي الأمر مراجعة النظام الداخلي للمجلس؟

بالفعل يعد ورش مراجعة وتعديل النظام الداخلي من الأوراش المهمة المفتوحة في مجلس المستشارين، وقد حصل تقدم مهم خلال السنة التشريعية المنتهية في حصر أهم التعديلات المقترحة. ونتوخى من هذه التعديلات تجاوز عدد من الاختلالات التي أكدتها الممارسة خلال السنوات المنصرمة، في أفق تنظيم وعقلنة أكبر لاشتغال مختلف هياكل المجلس، وتطوير وتعزيز التكامل والتنسيق بين عمل الغرفة الأولى والثانية، وتجاوز بعض الثغرات التي كانت تستغل مع الأسف لعرقلة وتأخير المسطرة التشريعية، وغيرها من التعديلات الأخرى.

وسنحرص على أن تعتمد هذه التعديلات خلال الدورة التشريعية الحالية من أجل إحالتها على المحكمة الدستورية، والشروع في تطبيق مقتضياتها من أجل مزيد من النجاعة في الأداء البرلماني.

ما أبرز التحديات التي بإمكانها أن تعيق عمل السنة التشريعية الثالثة باعتقادك؟

إن أبرز تحدٍّ يواجه العمل البرلماني يتجلى، كما أكدت في جوابي عن سؤالكم الأول، في مدى قدرة النخب البرلمانية على استيعاب الأدوار المنوطة بها في تمثيل المواطنين، ونقل نبض المجتمع إلى داخل قبة البرلمان. لذلك أعتقد، خصوصا في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر منها بلدنا، أننا في حاجة إلى وقفة حقيقية مع الذات لضخ جرعات من المصداقية في أدائنا البرلماني، في إطار من التكامل مع باقي المؤسسات الدستورية، وبما يسهم في استرجاع الثقة في العمل السياسي،

ويعزز انخراط المواطنين في مسار الإصلاح ببلدنا. لذلك، فإن منطق المزايدات السياسية الجوفاء، ومنطق التيئيس والتبخيس يشكل، في تقديري، أكبر العوائق التي تحول دون الاضطلاع بالأدوار المنتظرة من المؤسسة التشريعية في الرقابة والتشريع وتقييم السياسات العمومية والدبلوماسية البرلمانية.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي