المغرب والتحولات الدولية (1/2)

10 ديسمبر 2018 - 14:34

يعيش العالم على وقع توتر اقتصادي وسياسي بالتبع، منذ أن تفجرت أشهر الأزمات الاقتصادية لهذا القرن سنة 2008، وازداد هذا التوتر خلال السنوات القليلة الماضية، منعكسا بشكل سلبي، على الاستقرار بعدد من المناطق والدول، فضلا عن تراكم مظاهره على تفاصيل الاقتصاد العالمي، وعلى اقتصادات الدول الكبرى المتصدرة للمشهد الدولي.

خلال السنتين الماضيتين، لم تستطع هذه الدول مواصلة إخفاء الأزمة، التي تسببت فيها خياراتها الاقتصادية المبنية على أطروحة تسعى إلى تسخير كل شيء لصالح إله السوق، بعدما دلّست على الشعوب بشعارات الحرية وتحقيق النمو والرخاء، وفرضت هيمنتها بالقوة وبالعنف أحيانا، تحت مسمى “العولمة”، وفككت ومزقت النسيج الاجتماعي لدول كثيرة، وأفشلت أخرى، وتسببت في حروب وكوارث إنسانية، تقربا وإرضاءً لهذا الإله الذي لا يشبع ولا يقنع وليس في قاموسها إلا “هل من مزيد”!

ظهرت بسرعة تناقضات هذه الأطروحة من داخلها، تماما كما نبّه إلى ذلك معارضوها، فارتفعت نسب البطالة والفقر، وازداد الاحتقان وسط الفئات العريضة داخل المجتمعات، مقابل ذلك، سيطرت فئات قليلة على مصادر الثروة، وتحكمت في الأسواق وفي المؤسسات، دون أن تجد وازعا ولا فرامل تحد من جشعها، رافعة شعار: “الربح فوق الشعوب”، على حد تعبير المفكر نعوم تشومسكي.

دعونا نتوقف على جملة أحداث ومؤشرات شهدتها الأشهر الأخيرة، تبرز جوانب مظلمة من الصراع الذي يعيشه العالم، في لحظة وسياق، أقرب ما يكونان مما عاشه العالم بُعيد الحرب العالمية الأولى، وهو، ربما، ما جعل الدول العظمى تتذكر نهايتها في احتفالية بباريس خلال نونبر الماضي، وأقرب، كذلك، من الفترات المختلفة التي سبقت لحظات اقتسام النفوذ، ومنها فترات الاستعمار المباشر لدول العالم “المظلوم”، المسمى ثالثا.  خلال المرحلة الماضية، وبالضبط منذ وصول دونالد ترامب، إلى رئاسة الولايات الأمريكية، طفت على السطح حقيقة الصراع، ربما بسبب رعونته في التواصل والتعبير، وربما، كذلك، بسبب التسرع الذي لازم خصومه في محاولات كبحه والتشويش على خطابه، مما سرّع بعودة الحديث المباشر على الحمائية كخيار اقتصادي، وبالتالي ظهر المستور المتعلق بفشل الخيارات النيوليبرالية في تحقيق ما بشرت به، وانكشفت أسباب معضلات العوز وتراجع النمو العالمي، والتدفق المستمر للمهاجرين، وتصاعد المشاكل المناخية، كل هذا وسط تزامن مع محاولات روسيا استعادة دورها ومكانتها بعد ضربة تفكك الاتحاد السوفياتي، وظهور الصين كقوة منافسة وتمدد نشاطاتها التجارية واقتحامها مناطق نفوذ تقليدية لأوروبا وأمريكا، وهذا ما جعل الولايات المتحدة تشتغل على عدة أصعدة لتأمين موقعها في قيادة العالم.

وهكذا أطلق ترامب حربا تجارية تُجاه الصين، استُعمل فيها سلاح الرسوم الجمركية بين الطرفين، ثم صعد من لهجته ضد الاتحاد الأوروبي، وضد ركنيه الأساسيين فرنسا وألمانيا، وحفز بريطانيا على مواصلة إجراءات مغادرة الاتحاد الأوروبي، مقابل نهج أسلوب التخفيف والتجاوز، تُجاه روسيا المعنية أيضا والمستفيدة في الآن نفسه، من محاولات ترامب إضعاف هذا التكتل الاقتصادي الضخم.

لنسجل أنه تحت هذا الدخان الكثيف، سارعت العديد من الدول، ببراغماتية مقبولة ومشروعة، إلى البحث عن خلاصها قبل هدوء العاصفة، حتى لا تجد الركب قد فاتها، ومنها تركيا التي عاشت سنة 2016، محاولة انقلاب مشكوك في دوافعه ومصدر التخطيط له، قبل أن تجري تغييرات على اقتصادها، والسعودية التي أحدثت رجة في حكمها بوصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، وشروعها في تنزيل رؤيتها لسنة 2030، وماليزيا التي عادت لتستعين بمهاتير محمد “صانع نهضتها”، ودول أخرى مثل روندا وإثيوبيا ونيجيريا، تواصل التحرك والتململ لبحث موقع ضمن أحد التكتلات والمحاور التي ما تزال في طور التشكّل أو التجدد.

وفي هذا الإطار تندرج الدينامية التي قادها الملك محمد السادس، والتي استهدفت تنويع الشركاء الاقتصاديين للمغرب، بالانفتاح على دول كبرى مثل روسيا والصين والهند، والعودة إلى الاتحاد الإفريقي، مع ما رافقها من توقيع لعشرات الاتفاقيات ذات البعد الاقتصادي مع دول إفريقية مختلفة، ثم استمرار طرق باب المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (سيدياو)، ودعوة الجزائر إلى الحوار المباشر بأفق استئناف بناء الاتحاد المغاربي، بعد توقف مسار الانضمام إلى منظمة التعاون الخليجي المستهدفة هي الأخرى.

على العموم، آخر المستجدات في هذه الحركات التكتونية، إذا جاز التشبيه والإسقاط، حملته قمة مجموعة العشرين، التي انعقدت بالأرجنتين نهاية نونبر الماضي، بتأكيدها للخلاف الكبير بين كبار العالم، واعترافهم الجماعي أن قواعد التجارة الدولية المعمول بها، والقائمة على إلغاء الحدود، ونسف السيادة، تسببت في أضرار كثيرة، ما يدعو إلى مراجعتها، وفتح المجال للحديث عن قضية الحمائية، بعدما كان الحديث عنها محرما ومجرما في عُرف كبار تجار العالم.

في المقال المقبل، نواصل معا سرد المستجدات الدولية، وضمنها حركة “السترات الصفراء” في فرنسا، وتنحي أنجيلا ميركل عن قيادة حزبها، وتطورات مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، وكيف يتفاعل المغرب، وما المتاح أمامه من فرص، وما يواجهه من تهديدات وتحديات.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي