الخيط الرفيع بين التفاعل مع المحتجين.. وركوب موجة الاحتجاجات

02 يناير 2019 - 07:02

لكل حركة احتجاجية آثار سياسية، تتبين وتتضح أثناء فترة الاحتجاج وإن تأخرت، فهي ستنكشف فيما بعد. كيف لا؟، والمحتجون يخرجون منذ اليوم الأول بدوافع اقتصادية أو اجتماعية، لكن السبب فيها السياسات الرسمية أو من يمثلها من الوجوه السياسية.

ووسط كل الزخم الذي تفرزه الاحتجاجات، تظهر وجوه سياسية تسير إلى جانب المحتجين وتدعمهم بقوة. فمغربيا، كان الأمر، كذلك، مع أسماء يسارية وأخرى ليبرالية، والتي أيدت وبشكل صريح وواضح المحتجين، مثلا كالأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، وما يمكن اعتباره نقيضا لها من حيث التوجه السياسي، محمد زيان زعيم الحزب الليبرالي المغربي. وهو ما حبذته شريحة من المتابعين للاحتجاجات التي عاشتها مختلف مناطق المغرب، وما يبدي البعض تحفظا عليه، ولكل قناعاته في هذا الباب. هذا الأمر لم يكن مقتصرا على المغرب فقط، ففي فرنسا مثلا خرجت مثلا اليمينية الفرنسية ورئيسة الجبهة الوطنية مارين لوبين، واليساري جون لوك ميلانشون دعما للمحتجين.

وهنا يعتبر الناشط السياسي والحقوقي فؤاد عبدالمومني، أن دور السياسي الأساسي يكمن في التعاطي مع كل التعبيرات المجتمعية، واقتراح توجيهها وتدبيرها والمساهمة في تحويلها إلى قوة دافعة للتغيير، مضيفا أن من يقول إن الحزب لا مشروعية له في المظاهرات الاجتماعية واقتراح حلول لها، يبقى طلبه هذا معبرا عن سلوك طفولي، إذ يحق لكل مواطن أن يبدي رأيه ومواقفه بخصوص كل موضوع يدخل في صلب اهتماماته.

ويشدد الناشط اليساري المغربي على أن السؤال هنا، يكمن في  الآليات المشروعة والشفافة والمقبولة من طرف أوساط واسعة من المجتمع وليس كله. ويضيف المتحدث ذاته بأن وقوف جهات تستغل موقعها لفرض وصاية ما على حركة معينة يبقى فيه نقاش، لكن في الأساس لا يمكن تجريد أيا كان من مشروعية إبداء رأيه في أي موضوع والدلو بدلوه فيه.

وبخصوص التدخلات السياسية الخارجية، كما هو الحال مثلا مع تصريحات برلمانيين، وأيضا جهات رسمية في فرنسا وإسبانيا وأيضا هولندا وبلجيكا وغيرها من الدول، حول الأوضاع الداخلية المغربية، يعتقد عبدالمومني بأن التدخل الدولي اليوم، لا يمكن الوقوف في وجهه، فمن يرى بأن له المصلحة في التدخل في أشياء داخلية لدولة أخرى بأي طريقة، يقوم بذلك بلا تردد، فالدول اليوم فاعل عمومي والعالم يتفاعل، ويضيف بأن ذلك، ربما، من حسن حظنا نحن المغاربة، لأنه لولا هذا التفاعل لكان من الممكن أن نبقى في وضع ما قبل سقوط جدار برلين، والقمع الذي كانت تتعامل به الدولة المغربية إبان فترة حكم الحسن الثاني.

في هذا الباب يرى بيير لوي رايمون بأن كل أوروبا تشهد محاولت توظيف التيارات الشعبوية التي تحاول، كما في الحالة الفرنسية هذه الأيام، أن توهم الناخب بأنها البديل. لكن رغم ما تقوم به هذه التيارات من تطبيل إعلامي، كما هو الحال مع لوبين وميلانشون، فهي لن تصل إلى تحقيق هدف يذكر، لسبب بسيط يكمن في خلو ثوابتهما الإيديولوجية من أي برنامج اقتصادي. فميلانشون، حسب رايمون، مازال متشبثا بنظام تحكم الدولة بكل شاردة وواردة في قطاعات البلد الحيوية، أما مارين لوبين، فهي لازالت تعزف على وتر الهجرة والهوية، مضيفة إلى لازمتها المعتادة، حسب الأكاديمي الفرنسي، دعوة عبثية إلى عزل الجمهورية عن المنظومة الأوروبية، التي بدونها يعتقد رايمون أن فرنسا ستقطع على نفسها كل إمكانية لاسترجاع قدرتها على التنافس الاقتصادي مع بقية القوى العظمى.

من جهته، يقول الصحافي والمهتم بالقضايا الأوروبية علي أوحيدة، أن اليمين واليسار الفرنسيين وحتى الكنفدرالية العامة للشغل في فرنسا الـ”CGT”، حاولوا اختراق هذه المظاهرات، ولكنهم فشلوا جميعهم لأن حركة السترات الصفر، غير مؤهلة بشكل كاف حتى الآن، للقيام بتحالفات.

ويضيف أوحيدة أن قوة الاحتجاجات بدأت في التراجع، بسبب التنازلات التي قدمها ماكرون، لكن في نظره ستعكس هذه الفورة مستقبلا، تيارا في الانتخابات الأوروبية المقبلة التي ستكون في شهر ماي. لذلك حتى الآن، يمكن الحديث عن فشل السلطات في فرنسا وفي أوروبا بشكل عام، في منع تحول هذه الحركات إلى تيار سياسي يخوض انتخابات البرلمان الأوروبي، وألا تقتصر مطالبها بتحسين القدرة المعيشية والاقتصادية. ويرى أوحيدة أن التداعيات السياسية لهذه الاحتجاجات، ستجعل أوروبا تمر من اختبار حقيقي في الانتخابات الأوروبية، وسنرى هل سيكون هناك أثر للاحتجاجات الحالية، أم إنها ستتلاشى؟

وبالفعل، كما جاء في تحليل أوحيدة بدأت حركة السترات الصفراء العمل على تنظيم صفوفها بصورة أكبر، خاصة في تطوير أفكارها وتسمية متحدثين باسمها. فالحركة طرحت فعليا فكرة خوض الانتخابات الأوروبية لقياس مدى قوتها. وما يلزمها اليوم، هو تطوير برنامج واضح، إن هي فعلا تريد خوض غمار هذه المغامرة المفاجئة.

ويعتبر أوحيدة أن كل هذه المعطيات هي نتاج التعاطي الرسمي في أوروبا الذي كان واضحا بالإنكار، وعدم الاعتراف بالاحتجاجات والمطالب التي خرجت من أجلها، مشددا أن خروج الرئيس ماكرون وطلب الاعتذار في خطاب رسمي، غيّر الصورة ودفع إلى التعاطي بشكل منطقي مع المظاهرات.

ويعتقد بيير لوي رايمون أن الوقوف في وجه التدخل الأجنبي بتصريحات خارجية حول المظاهرات والتعاطي الداخلي الفرنسي معها، يبين الحالة المزاجية التي تقوم عند بعض الزعماء مقام التخطيط للمستقبل، وهو أمر مؤسف في نظر رايمون. ويضيف الباحث الفرنسي قولة “gouverner, c’est prévoir”، أي إن الحكم هو توقع واستباق، ويبدو، حسب رايمون، أن قدرة التوقع والترقب مفقودة عند بعض الرؤساء.

ويعود تعليق رايمون الأخير ردا على تقديم اسمين له في هذا السياق، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي انتقد الأسلوب الذي اعتمدته فرنسا في مواجهة المحتجين، كما أكد متابعته الوضع في فرنسا بقلق. وأيضا تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتغريد عبر منصة “تويتر” للتواصل الاجتماعي، معتبرا حركة السترات الصفر في فرنسا بمثابة دليل صارخ عن عدم مسايرة اتفاق المناخ على نحو جيد لحاجيات باريس. كما سخر ترامب من التنازلات التي قدمها إيمانويل ماكرون للمحتجين، معتبرًا اتفاق باريس المناخي آيل للفشل.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي