الحياة مسرح أم مسرحية؟

08 فبراير 2019 - 13:10

كثيرا ما تُوصف الحياة بمسرح، يقوم فيه الأفراد والجماعات بتقاسم الأدوار، وفقا لاستعداداتهم، أو طبقا لمؤهلاتهم المكتسبة من داخل مسرح الحياة نفسه، أو تنفيذا لما يعتقدون أنه خياراتهم. فالوصف، إذن، تعبير مجازي صادق. وليس غريبا أن نُطلِق على فضاءات معينة صفة «المشهد»؛ فنقول مثلا: المشهد السياسي، والمشهد الثقافي، والمشهد الاجتماعي، إلخ… ولذلك، يحق للناس أن يشبّهوا الحياة بالمسرح. وقد قال شكسبير تـ (1616) (William Shakespeare): «الدنيا مسرح كبير، وكل الرجال والنساء ليسوا إلّا ممثلين على هذا المسرح». يؤدون دورا فيه، أو المشاركة في مشهد من مشاهده.

وليس المهم أن يكون ما نقوم به في حياتنا ليس إلاّ مجرد دور حُدد لنا سلفا بكل وقائعه وتفاصيله، وإنما المهم هو مدى إتقان تنفيذه، أو الإخفاق فيه. ويجتهد البعض في إسقاط ما جاء في قوله تعالى: «ليبلوكم أيكم أحسن عملا» هود:7، والملك:2)، على الواقع، باعتباره تقييما وحكما على ما نقوم به في الحياة، ليحصل صاحبه على جزائه، إن ثوابا أو عقابا، وأن الأمر نفسه يحدث في مدارج الحياة. ومن هنا لا يُستغرَب ترديد عبارات من قبيل «يلعب دوره»، أو «يقوم بدور مهم»، أو «أتقن دوره»، إلخ… وقد أشارت الديانات الكبرى جميعها ومذاهبها إلى ذلك. والأمر نفسه تقرره المعتقدات الاجتماعية للشعوب وتقاليدها الثقافية.

وفي زمننا المعاصر أُشيع أن الأخلاق الرأسمالية تمنع العمال من تقديم آرائهم المتعلقة بتحسين ظروف عملهم وتقوية الإنتاج في مصانعهم ومعاملهم. وينسب إلى فريدريك تايلور تـ(1915)Fredrick Taylor، أحد كبار المهندسين الأمريكيين، أنه كان ينهر العمال، الذين يبدون آراءهم في ذلك، قائلا لهم: «جئنا بكم إلى هنا للقيام بالدور المطلوب منكم وليس لإبداء الآراء». قد يكون الغرض الظاهر من هذه الحكاية الترويج لإيديولوجية كانت تبشر بأن جميع العمال سيشاركون في تسيير ورشاتهم، تحت مسمى «التسيير الاشتراكي». واليوم، نسجل أن المناهج العلمية لإدارة المقاولات والشركات تتجه باستمرار إلى تأهيل الأشخاص للقيام بالوظائف المتوفرة وليس العكس.

والناس يحاولون فهم المسرحيات التي تُمثَّل أمامهم؛ وقد عبر شكسبير عن ذلك بقوله: «الحياة مسرحية، أعجبتنا أم لم تعجبنا، فقد دفعنا ثمن التذكرة». ومفاد ذلك أن علينا، حسب صاحب مسرحية «هاملت»، معايشة الأدوار والمشاهد التي تجري على ركح مسرح الحياة. بغض النظر عن رضانا عنها أم لا. وهنا تطبق قاعدة «إرضاء جميع الناس غاية لا تدرك». ويحدث أن يرفض متتبعون آخرون مشاهد المسرحية جملة وتفصيلا، فيعلنون مقاطعتها، ثم يسعون إلى إيجاد مسرحيات توافق مزاجهم. لكن، لا ندري إن كان الحكم الذي عوقب به سيزيف Sisyphe  في الميثولوجيا الإغريقية، حين طلب أن يحدث ما يحدث كما يريد، ضدا على مشاهد لم يشارك في إيجادها، هو مآل كل من يرفض أو يعارض مجريات الأحداث؟ لكن، ماذا يجعل مسرحية ما تحظى برضا مشاهديها أو إعلان رفضهم لها؟

يبدو أن قناعات الناس المتولدة من إدراكاتهم، المتولدة عن زمنهم الثقافي والاجتماعي، لها مكانة مهمة في قبول الأشياء أو في رفضها. وهناك من يهمه نص المسرحية أكثر مما يهمه إخراجها وتجسيدها على الركح، من قبل شخوص الممثلين. لذلك، يبقى الإخراج وتقنياته، ونجومية الممثلين، من أكبر الأسباب في نجاح العرض المسرحي، أو عدم قبوله من طرف متتبعيه أو المتفاعلين معه. ويمكن أن نورد ما أشار إليه وزير مغربي، كمثال، مؤخرا من أن نصوص الدستور المغربي لسنة2011 أفضل من مقتضيات دساتير أوروبية كثيرة، غير أن الاختلاف في رأيه يكمن في الممارسة. ومفاد ذلك أن للإخراج دورا مركزيا في قبول الناس لما

يعرض لهم وعليهم. وفي هذا الصدد، يمكن مقارنة إخراج تعامل دول أوروبية مع المتظاهرين فيها، وتعامل الدولة المغربية مع المطالبين بحقوقهم الدستورية. والأمر نفسه، ينطبق على تقارب نسبة البطالة، مثلا، بين المغرب وإسبانيا، لكن «لحْرٍيك» نحو إسبانيا يزداد، ولا «يحرك» الإسبان نحو المغرب. فهل يوجد أمل في تحسين الإخراج لتجنب الإحراج؟

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي