هدية الزيارة الملكية.. تفويت أكبر معلمة معمارية وثقافية إسبانية بشمال إفريقيا للمغرب

11 فبراير 2019 - 21:01

بعد ثلاث سنوات من التفاوض بين البلدين وقبل خمسة أيام من الزيارة التي من المنتظر أن يقوم بها الملك الإسباني فيليبي السادس وعقيلته « ليتيثيا »، إلى الرباط والدار البيضاء، يومي الأربعاء والخميس المقبلين؛ صادق المجلس الوزاري الإسباني، باقتراح من وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإسبانية، يوم الجمعة الماضي، على تفويت، وبشروط، ملكية « المسرح الكبير سيرفانتيس » بطنجة إلى وزارة الثقافة المغربية كهبة. هذا القرار الذي فاجأ الجميع في البلدين يأتي بالتزامن مع الزيارة التي سيقوم بها ملك فيليبي السادس للمغرب، وبالتزامن مع الاحتفاء بإسبانيا كضيف شرف بالمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، وكذلك في ظل العلاقات الثنائية والمتميزة التي تجمع بين البلدين في السنوات الأخيرة، وهي العلاقة الممتازة التي لم تتغير بتغير الحكومات في البلدين.
المسرح الكبير سيرفانتيس بطنجة يعتبر واحدا من أكبر وأشهر المعالم الإسبانية في الخارج، إذ شيد قبل 106 سنوات، كما أن طاقته الاستيعابية تبلغ 1400 شخص، وكان في البداية في ملكية أسرة إسبانيا قبل أن يتم تفويته إلى الحكومة الإسبانية بقيادة ميغيل بريم ودي ريبيرا سنة 1928.
وعلى الرغم من الانتقادات الحادة التي تتعرض لها الحكومة الإسبانية منذ إعلانها يوم الجمعة المنصرم تفويت مسرح سيرفانتيس للمغرب، إلا أنها عللت، ضمنيا، هذه الخطوة بعدم قدرته على الاستثمار في المسرح من جديد وصيانته وإصلاحه وإعادة فتحه أمام الجمهور. وتراهن الحكومة الإسبانية على نظيراتها المغربية لإعادة زرع الروح في هذا الجسم الميت، وفتحه أمام الجمهور، مع الحفاظ على كل ما هو إسباني في المسرح، وضمان حضور اللغة والثقافة الإسبانيتين في البرامج أو الأنشطة المستقبلية، التي من المرتقب أن يحتضنها المسرح بعد ترميمه وصيانته وفتحه.
مصادر حكومية إسبانية وصفت مسرح سيرفانتيس المنوح بشروط للمغرب قائلة: « يتعلق الأمر بمبنى ذي قيمة معمارية وثقافية فريدة، تتطلب استثمارًا كبيرًا لإعادة تأهيلها؛ وهذا ما لم تتمكن منه الإدارة الإسبانية. لهذا، وبعد دراسة كل الخيارات الممكنة الكفيلة لإعادة فتح المسرح، تقرر العمل على تفويته للمغرب، استجابة لعرض الحكومة المغربية ترميم وصيانة وإدارة المسرح مقابل نقل ملكيته لها ».غير أن المصادر ذاتها كشفت أن المسرح لم يمنح للمغرب كما يوقع شيك على بياض، بل فوت للحكومة المغربية مقابل التزامها بالحفاظ على المكون الإسباني في البرمجة الثقافية.
أكثر من ذلك، توضح المصادر عينها أن الحكومة الإسبانية وضعت بندا في عقد التفويت يسمح لها بـ »استرجاع إسبانيا ملكية المسرح في حالة عدم التزام المغرب بإعادة تأهيله أو في حالة وجه لأغراض غير تلك المتفق عليها »، حسب ما ذكرته صحيفة « إلباييس ».
هكذا يظهر أن التوقيع النهائي على نقل ملكية المسرح للمغرب بين الحكومتين رهين بمدى موافقة الحكومة المغربية على الشهور التي تتضمن وثيقة « نقل الملكية »، التي وافق عليها المجلس الوزاري الإسباني، وهي إعادة تأهيل المسرح وتجهيزه وخلق مركز ثقافي متعدد التخصصات، مع الحفاظ على المكون الثقافي والمعماري الإسباني. ويرجح أن الحكومة الإسبانية وضعت تلك الشروط في بند عقد التفويت، خوفا من إمكانية عدم التزام الحكومة المغربية بإعادة إحياء المسرح من جديد، لاسيما أنه سنة 2006 وقع اتفاق بين حكومتي البلدين من أجل استغلاله ثقافيا، لكن لم يتم تنزيل مضامين ذلك الاتفاق على أرض الواقع. بعدها حاولت إسبانيا سنة 2009 تخصيص 95 مليون سنتيم للحفاظ على المعلمة من الاندثار الذي يتهددها، لكن تلك الأموال لم تكن كافية، إذ أن هذه المعلمة التاريخية الآيلة للسقوط في حاجة إلى الترميم.
وفي الوقت الذي هاجم فيه بعض المحسوبين على اليمين الإسباني الحكومة الإسبانية الاشتراكية الحالية على تفويت « مسرح سيرفانتيس » للمغرب؛ أكد النائب البرلماني الاشتراكي، سلفادور دي لا إنثينا، أنه من الأفضل تفويت المسرح للمغرب بدل تركه مهجورا. وفي هذا قال: « الآن، أسوأ شيء بالنسبة لمعلمة هو تركها مهجورة! لقد تم التوصل إلى اتفاق إيجابي جدا، لأن هذا من شأنه إعادة الحياة إلى المعلمة رغم فقدان إسبانيا ملكيتها. علاوة على ذلك، بهذه الطريقة نعزز التعاون مع المغرب في ظل المشاكل الأكثر آنية مثل الهجرة والجهادية »؛ وتابع أن « كل ما من شأنه ترسيخ ثقافتنا هو صائب. لم نفقد المسرح، لأنه مفقود أصلا. على الأقل سنربح في ما يخص التعاون مع المغرب. لهذا يجب أن ننظر إلى (التفويت) كخسارة » معلمة تاريخية. كما يرجح أن تدبير عملية ترميم وتجهيز مسرح سيرفانتيس ستتكلف به لجنة مشتركة مغربية إسبانية.

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي