سليمان الريسوني يكتب.. شنق المستبدين بأمعاء الفاسدين

17 أبريل 2019 - 18:00

فاكهة الديمقراطية باتت، اليوم، أنضج مما كانت عليه في 2011. فهل تقطفها الشعوب العربية وتقرر بها مصائرها، أم ستمتد إليها يد محور الشر العربي، بتعبير المنصف المرزوقي، وتحولها إلى مُربَّى منتهي الصلاحية، شأنه شأن عدد من الحكام العرب الذين فسد محيطهم وانتهت صلاحياتهم.. ومع ذلك يصرون على البقاء جاثمين على رقاب شعوبهم؟

كل الشروط الذاتية والموضوعية لقيام تغيير حقيقي في العالم العربي، متوفرة الآن. أضف إليها ظروفا إقليمية مساعدة على التغيير، بعد فشل نموذج تنمية دون ديمقراطية الذي رعاه محور الثورات المضادة، وكذا وجود شروط دولية، منها دعوات عدد من المنظمات الدولية والحكومات الأوروبية والأصوات الحرة في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى محاسبة الدولة المارقة، حقوقيا، في السعودية ومصر، وماليا في الإمارات.

وإذا سلمنا بوجود شرط موضوعي للتغيير في البلدان العربية، قائم، على الأقل، منذ هزيمة 1967، فإن الشرط الذاتي أصبح، الآن، ملموسا، والشعوب العربية واعية بضرورة التغيير وقادرة عليه، بل إنها أمام التحول الكبير الذي طاول النخب، نجدها تضطلع بدور الفيلسوف ودور القائد السياسي (التفسير والتغيير)؛ تنزل إلى الشارع، وتترك للمثقفين أن يُعلِّقوا على حراكها أو يصمتوا، وللأحزاب السياسية أن تلتحق به أو تتفرج عليه. هناك أيضا وضع اليقظة المستمرة الذي اتخذته الحراكات العربية الجديدة، وتعاملها الحذِر مع المؤسسات التي اشتغلت مع الديكتاتوريات المخلوعة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية والأمنية، وعدم الثقة في شعاراتها ووعودها إلى أن يثبت العكس. إن استمرار نزول الجماهير إلى الشوارع والميادين، حتى بعد سقوط رأسَيْ النظام في الجزائر والسودان، يعكس تخوفا كامنا من تكرار سيناريو سرقة ثورات الشعوب من لدن العسكر، كما يحتوي، أيضا، على دور تثقيفي توعوي. لقد علَّمنا التاريخ أن البلدان التي شهدت وضعا ثوريا أو انتقالا حقيقيا نحو الديمقراطية، عرفت شعوبها نقلة نوعية في الوعي الذاتي، والوعي الجمعي بضرورة حماية مكتسبات التغيير وتطويرها.

من جهة أخرى، يعيش المحور المعادي لإرادة الشعوب أسوأ مراحله. لقد أكمل دورة عربدته العابرة للحدود، بتورطه في مقتل الصحافي جمال خاشقجي في قلب تركيا، التي تُعد من أشد خصوم هذا المحور. وقد اتفق كثير من المحللين على أن جريمة قتل خاشقجي، بتلك الطريقة، هي حدث تاريخي مفصلي (Historial)، لن يُطوَى حتى يَطوِي معه نموذج الدولة المارقة في الشرق الأوسط، ولعل محاكمة منفذي هذه الجريمة واستثناء من خططوا لها ومن أمر بتنفيذها، يزيدان في مأزقة النظام السعودي حتى مع حليفه وحاميه الرئيس، الولايات المتحدة الأمريكية. هذا المحور غارق، أيضا، حتى الأذنين، في المستنقع اليمني، ومع ذلك مازال يعاند الإجماع الدولي الداعي إلى إيقاف هذه الحرب التي قالت عنها الأمم المتحدة، أول أمس الاثنين، إن أزيد من 7500 طفل قتلوا فيها، بل إن هذا المحور يزيد على ذلك بتأجيج حرب مماثلة في ليبيا، أصبحت، بدورها، محط إدانة المنتظم الدولي.

وإلى جانب التورط المباشر في الوضع اليمني والليبي، تصر السعودية والإمارات، بشكل متزايد، على حشر أنفيهما في الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية، منها المغرب والجزائر وتونس، عن طريق تحريك مؤسسات مالية واقتصادية وصحافية ومراكز بحوث… وهذا الواقع الذي أغضب الدول المعنية به، بدأ يشي بتغيير خريطة التحالفات التقليدية في المنطقة.

إن الاستياء الذي عبر عنه المغرب والأردن، أخيرا، من تدخل دولة الإمارات العربية المتحدة في مجالهما السيادي، هو نفسه الذي تعرب عنه مجموعة من الدول الغربية إزاء هذه الدولة التي باتت من أكبر الملاذات الضريبية في العالم، ومركزا مفضلا لمافيات تبييض وغسل الأموال. وقد أكدت الندوة التي احتضنها البرلمان الفرنسي، قبل أيام قليلة، أن العديد من عصابات المافيا الناشطة في العالم وجدت ضالتها في التسهيلات والنظام غير الشفاف اللذين توفرهما السلطات الإماراتية لجلب الاستثمارات، وأن العديد من الدول الأوروبية متضررة من النظام المصرفي والمالي الإماراتي، لأنه يسهم في خسارتها الملايير من الأوروهات من عائدات الضرائب، عبر تمكين العديد من الشركات ورجال الأعمال من التهرب الضريبي. يمكن أن نستحضر هنا أيضا أن محور السعودية-الإمارات-مصر يقود ويتوسط في عملية تطبيع عربية، واسعة ومتسارعة، مع إسرائيل، وبالموازاة مع ذلك، يشن حملة حصار وتشهير شرسة ضد المقاومة الفلسطينية.

محور الثورات المضادة للديمقراطية يعيش، الآن، وضعا هشا، وهو وضع مرشح لأن يزداد هشاشة وعزلة، بفعل الرفض الدولي والعربي للأدوار العابثة بالقانون الدولي والمستخفة بسيادة الدول، فضلا عن وضعية حقوق الإنسان في هذه الدول، وبالتالي، فهذه فرصة الشعوب العربية للدفاع عن حريتها والعض عليها بالنواجذ.. هذه فرصتنا لشنق آخر حاكم مستبد بأمعاء آخر سياسي فاسد في بلداننا.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي