برشيد: كما لا يمكن المتاجرة بالدين لا يمكن أيضا المتاجرة بالفن

05 مايو 2019 - 21:01

برشيد عبد الكريم – كاتب ومؤلف مسرحي

كيف تنظر إلى العلاقة الجدلية بين الفن والسياسة، وتوظيف الفن في بعض الأحيان لخدمة قضايا سياسية؟

أنا أعتبر أن الفن هو أخو الدين، فكما لا يمكن المتاجرة في الدين لا يمكن أيضا أن نتاجر في الفن، لأن الفن هو مشاعر الناس، هو جماليات ورمزيات وروح الإنسان، وبالتالي، فالفنان هو أسبق من السياسي، لأن الأخير له أهداف مادية نفعية يسعى إلى الوصول إليها وتحقيقها، أما الفنان فيراهن على تغيير العالم، وتغيير العلاقات الإنسانية، وعلى إيجاد مدينة فاضلة، ومجتمع جديد قائم على مؤسسات وعلى علاقات إنسانية سليمة. وبالتالي، الفن ينبغي أن يكون حرا، وأنا طالما أكدت هذه الفكرة إيمانا بمبدأ التفكير الحر، للإنسان الحر، في المجتمع الحر.

هل كان المتنبي متحزبا؟ هل كان شكسبير تابعا لأي حزب؟ هل كان كبار المفكرين منضوين تحت إطار إيديولوجيات معينة؟ الجواب هو أنهم كانوا مرتبطين بقيم إنسانية عالية، هي الجمال والحق والعدالة والتسامح. وبالتالي، ما يريده الفنان لا يمكن أن تحققه شعارات السياسيين والمتحزبين. وبصفتي مفكرا ومبدعا وفنانا، فأنا لا أدغدغ شعور الناس بشعارات، لكنني أبحث عن قيم جميلة، وأعترف لذوي الفضل بفضلهم، ولذوي الحق بحقهم.

والسياسي إذا أصاب سنقول له أصبت، وإذا أخطأ سنقول له أخطأت، فنحن لا نؤمن بفلسفة انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فالحقيقة هي التي تفقأ العيون، وما أحوجنا إلى استعادة زمن العلماء الكبار الذين كانوا يواجهون السياسيين ويواجهون الملوك والخلفاء بكلمة الحق. طالما كنت أنتصر للقيم الفنية على حساب المصالح المنفعية الضيقة، وكنت ضد التكتلات الضيقة، سواء أكانت عشائرية أم شعوبية.. الفن للإنسان والثقافة لكل الناس.

الكثير من الفنانين والمثقفين ركنوا إلى الظل، وهنالك من فضل أن يشتغل في دواوين بعض الوزراء، وهذا «شغلهم»، وهنالك من رفع يده عن الكتابة، وهناك من لايزال يقاوم كما قاوم كثيرون من المبدعين قديما وحديثا.

ذكرت مسألة لجوء بعض المثقفين والفنانين إلى الاشتغال في دواوين بعض الوزراء، وبالتالي اقتحام المجال السياسي، هل يمكن تفسير هذا بالانخراط في موجة السلطة؟

هذه الحقيقة لا تنسحب فقط على المجال السياسي، بل أيضا على المجال التجاري، عندما نجد الفنان يشتغل في الإعلانات وفي الإشهار، وعوض أن يحدثنا عن قيم إنسانية جميلة، يحدثنا عن مزايا ذاك المسحوق أو ذاك المنتَج. هناك فرق بين فنان يروج بضاعة مادية لتحقيق مصلحة أو منفعة، ومثقف يروج مبادئ معينة.

الفنانون هم طليعة الشعب، وهم أولئك الجنود الذين يمشون في الأمام ويرفعون الأعلام ويواجهون المخاطر ويستكشفون الأشياء. لذلك، فاللحظة التاريخية التي نعيشها اليوم هي لحظة مادية صرفة قائمة على الاستهلاك، قائمة على الخوف من الأقوى ومن فقدان الرزق، وبالتالي، من حق أي شخص أن يضرب ألف حساب قبل أن يقول كلمة قد تعود عليه بما لا تحمد عقباه.

كيف تنظر إلى مسألة استغلال بعض الفنانين والمثقفين في ترويج بعض الأحداث والقضايا المناسباتية، وشهدنا ذلك في مناسبات عديدة يجري فيها استقدام فنانين مغاربة وأجانب بأموال طائلة من أجل ترويج شيء معين؟

نحن نعيش في مجتمع استهلاكي، مجتمع إنتاج وصناعة النجم وترويجه، الثقافة الغربية، مثلا، قائمة على صناعة النجم، خصوصا في السينما الأمريكية، حيث يصنع النجم ويختلق ويصبح «إلها يعبد»، لكنه في الأخير يدمر عندما يؤدي ما عليه، مثل تلك الأصنام التي كان يصنعها العربي بالحلوى في الجاهلية ثم يأكلها بعد ذلك. المجتمع الحالي يصنع نجوما ليؤدوا أدوارا معينة في مسرحيات، ثم بعد ذلك يرمون، ولن يذكرهم التاريخ. الأساس بالنسبة إلي هو أن يكون المبدع والفنان مؤمنا بما يقوله، وأن يعرف أن الفن ليس شيئا على هامش الحياة، لكنه هو الحياة.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي