سليمان الريسوني.. حزب أم عصابة؟

23 يونيو 2019 - 18:01

ما معنى أن تكون شرارة الخلاف بين أمين عام حزب سياسي ورئيسة مجلسه الوطني هي اتهامها إياه بالإثراء المفاجئ، ثم يتطور الخلاف بينهما، فيذهب الأمين العام إلى أبعد من ذلك بكثير، ويتهم نصف مسؤولي الحزب بالفساد، ثم يصف التيار الذي تنتمي إليه رئيسة المجلس الوطني بـ«شبكة المليارديرات الجشعين الذين يستغلون رصيد الحزب لتنمية الأرصدة، والتحكم في التزكيات المدرة للدخل الغزير الذي لا يجد طريقه إلى حساب الحزب البنكي»؟ له معنى واحد، وهو أن هذا الحزب انهار أخلاقيا بعدما فشل سياسيا. وأمام حجم الاتهامات والاتهامات المضادة بالفساد المالي، سيكون من البداهة أن يتساءل كثير من المنتمين إليه، قبل عموم المغاربة: «هل هذا حزب أم عصابة لصوص؟».

إن ما جاء في رسالة الإكوادور لحكيم بنشماش لا يضرب في نزاهة قياديين بارزين داخل حزب الأصالة والمعاصرة، ومصداقية الشعارات التي قام عليها الحزب، فحسب، بل يؤكد فشل من راهنوا على خلط قوة انتخابية (الأعيان) بقوة اقتراحية (اليسار) لمواجهة الزحف الإسلامي؛ حيث لم يكن ممكنا أن يحوّل اليساريون الأعيانَ إلى ديمقراطيين، بقدر ما تحولوا هم إلى أعيان، لكن دون أن يتخلوا عن «النعرة» اليسارية الفوضوية، التي تأبى الانضباط التنظيمي. وبالتالي، يمكن أن نفهم كيف أنه، مباشرة بعد انتخابات 7 أكتوبر، جرى تحويل الاتجاه من البام، رغم حصوله على 102 نائب برلماني، إلى حزب إداري محض، مثل التجمع الوطني للأحرار، حيث درجة الاختلاف والجدل تحت معدل الصفر، ومنسوب الطاعة والانضباط أشبه بالسائد داخل ثكنة عسكرية.

إن ما يحدث، الآن، داخل حزب الأصالة والمعاصرة، إنما يؤكد –سواء على لسان من يقودون الحزب، أو من ينازعونهم قيادته- ما كان قد حدسه كثير من السياسيين والمثقفين الديمقراطيين، خلال الإرهاصات السابقة على تأسيسه، من أن «ملاكيط» البام (التعبير لمولاي إسماعيل العلوي) لا يجمع بينهم سوى مركب تحسين وضعهم الشخصي وإفساد الشأن العام. والآن نسمع الأمين العام للحزب يفضح ما كان يجري الحديث عنه في الكواليس، عن أن قياديين في الحزب راكموا ثروات كبيرة من وراء المتاجرة في التزكيات. وكلنا يعرف ما الذي كان يعنيه حصول عينة من رجال المال والأعمال والأعيان على تزكية البام، في عهد أمينه العام إلياس العماري. كان يعني -لهم- التغطية السياسية على العمليات المالية المشبوهة والحماية من المحاسبة.
من جهة أخرى، نلاحظ أن كل الذين انخرطوا في حرب اتهامات الجيوب والأرصدة، هم من أصول ومرجعيات يسارية، أو التحقوا بالحزب عن طريق زعيم يساريي البام، إلياس العماري.

وهؤلاء هم حملة الأفكار والمشاريع السياسية التي منيت بفشل ذريع، لأنها قامت على شعار مُضمر هو: حداثة دون ديمقراطية ودون شفافية، وبالتالي، لم تستطع اختراق الفضاءات التقليدية لليساريين والليبراليين، ولم تنجح في إقناع الطبقة الوسطى التي باتت محافظة لاعتبارات عديدة، منها التشويش الذي مارسه البام على فكرة الحداثة السياسية، التي انشغلت -في مظانها الغربية- ببناء دولة المؤسسات الديمقراطية، قبل أن تنشغل بأسئلة الحريات الفردية التي رفعها «حداثيو» البام في وجه الإسلاميين، فانقلبت إلى نحورهم.

لقد انهزم مشروع الأصالة والمعاصرة عندما ركز كل جهوده، بدعم من السلطة، على خوض حرب ميكيافيلية ضد الإسلاميين الذين جاؤوا إلى السياسة من منظومة قيمية أخلاقية تقدِّم «ما يجب أن يكون» على «ما هو كائن»، في حين جاء البام إليها من منظومة معاكسة. لكنه بدلا من الانطلاق مما «هو كائن»، والذي سماه «تمغربيت»، والدعوة إلى تحصينه بتعزيز الديمقراطية والمؤسسات واستقلالية القرار الحزبي، وقف في صف واحد مع السلطة لمواجهة الإسلاميين (في كثير من الأحيان بأساليب لاأخلاقية)، دون أن ينتبه إلى أنه يواجه، في الحقيقة، الديمقراطية، لذلك، وجد الحزب نفسه في مواجهة اليسار الديمقراطي قبل الإسلاميين؛ وفي هذا السياق يمكن فهم ما قالته نبيلة منيب، خلال الحملة الانتخابية لـ7 أكتوبر، عن أن البام «قطب المافيا الذي يحظى بدعم الدولة وأموال المخدرات».

والحالة هذه، كيف سيكون البام مستقبلا؟ أراهن أنه سيتحول، بعد الانتخابات المقبلة، إلى مجرد حزب صغير، أصغر من الاتحاد الدستوري، بعد نقل كثير من عناصر قوته الانتخابية إلى التجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال وغيرهما. لكن، قبل 2021، سوف يرحل الكثير من أدمغته ومليارديراته الجشعين عنه. أراهن.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي