لعبة إسقاط الأقنعة.. مدخل إلى مشروع الرواية السياسية -الحلقة6

08 يوليو 2019 - 23:21

ماذا يجب على كتاب الرواية السياسية أن يفعلوه كي يصبحوا أكثر إثارة للاهتمام؟ هذا الفن ليس سهلا، فهو يحمل رسالته في ذاته. رسالة ممتعة بقدر ما هي خطرة. في هذه السلسلة، يحاول الكاتب أن يؤسس لتصور حول مشروع للطريقة التي ينبغي أن تكون عليها الرواية السياسية.

يقول الروائي عبد الرحمن منيف: « لا بد أن تقرأ الأجيال القادمة التاريخ الذي نعيشه الآن وغداً ليس من كتب التاريخ المصقولة، إنّما من روايات هذا الجيل والأجيال القادمة، ذلك أن الرواية هي الجنس الأدبي القادر الآن على تمثيل الواقع العربي وإعادة قراءة التاريخ، تاريخنا الفردي والجمعي في مرآة الحاضر من أجل استشراف المستقبل ». إن الرواية السياسية تشكل بحق ديوانا للعرب وسجلا لأحداثهم وتاريخهم الاجتماعي والسياسي، ورغم حداثة الرواية العربية، إلا أنها استطاعت أن تحدث صدى واسعا في منظومة الثقافة العربية، وتحدث تحولا معرفيا، ارتكز في الماضي على الثقافة الشفوية (ثقافة الأذن والسماع) وتحوله إلى ثقافة جديدة قائمة على النص المكتوب (ثقافة المرئي والمشاهد). فالروائيون بوصفهم نخبة من المثقفين يلجؤون إلى فنون السرد لحكاية الأوجاع والآلام، وسرد الأحوال والأشجان، واستشراف الأحلام، والآمال، وتنويع أشكال التجريب لتشكيل تجارب تحاكي الواقع المعاش وهو ما نجده في روايات وأعمال الأدباء الكبار مثل: نجيب محفوظ، رشيد بوجدرة، الطيب صالح، عبد الرحمن منيف، غسان كنفاني، محمد شكري، نبيل سليمان، مؤنس الرزاز… وغيرهم.

والرواية في تعريفها المبسط هي تجربة أدبية، يعبر عنها بأسلوب النثر سردا وحوارا، من خلال تصوير حياة مجموعة أفراد (شخصيات)، يتحركون في إطار نسق اجتماعي سياسي محدد الزمان والمكان، ولها امتداد كمي معين، يحدد كونها رواية. وهناك من يرى بان الرواية بحكم حداثتها النسبية في تاريخ الآداب العالمية لم تعرف سوى مذهبين أساسيين، هما: الرومانسية والواقعية. وهناك من يقسمها تقسيمات نوعية تساعد على التصنيف، لذلك نجد التسميات التالية: رواية تاريخية، اجتماعية، بوليسية، عاطفية، سياسية، ملحمية، درامية، نفسية، فلسفية، رمزية، واقعية، تسجيلية، الشخصية، الحدث، السيرة الذاتية، تيار الشعور… فهذه التصنيفات قائمة على طبيعة المضمون، وليس على الشكل والأدوات الفنية الموصلة إليه. وهناك من يرى بأن غلبة الموضوع على القالب الفني للرواية يضعفها. ففي الوقت الذي نبحث فيه كقراء عن الروائي ينتصب أمامنا الموضوع (التاريخ، العاطفة، التحليل النفسي، الفلسفة، السياسي…).

وانطلاقا من المقولة التي مفادها أن الرواية السياسية في الفترة الراهنة أصبحت ديوانا للعرب، وسجلا لمعيشهم بكل الحيثيات، سنركز الحديث هنا عليها كنمط يجعل من الأحداث السياسية موضوعا لها في قالب فني.

ويعرف الناقد الأمريكي ايرفينغ هاو الرواية السياسية في كتابه « السياسة والرواية »، بأنها: « هي الرواية التي تلعب فيها الأفكار السياسية الدور الغالب أو التحكمي، وهي ذلك النوع من الرواية الذي تنفصل فيه الأفكار عن مجرد أعمال المجتمع التي لا يسأل عنها، والتي وصلت إلى لاشعور الشخصيات بكل مظاهرها العميقة المثيرة للمشاكل، لدرجة أنها تلاحظ في تصرفاتهم، وهذه الشخصيات نفسها دائما واعية بالانتماء السياسي أو الأيديولوجي المتناغم، وهي تفكر على أساس تأييد أو مجابهة المجتمع، وتفعل باسم وتحت إلحاح الأيديولوجية ».

إن الرواية السياسية عبارة عن السرود يسعى الروائي من خلالها إلى إحداث تواشج بين السياسة والكتابة الروائية، من منطلقات الإخصاب والإغناء وإضفاء نوع من « الواقعية » في سرد الأحداث. إننا إزاء منجز يرفد من السياسة في مزاوجة مع فن الرواية، هي إذا « سجل روائي »، يمزج السياسي بالتخييلي في أفق بناء عمل سردي مؤسس على حقائق واقعية، غير أنه لا يمكن الفصل بينهما، أثناء ممارستنا لفعل القراءة والتحليل. وهناك من يرى في هذا النوع تأطيرا سياسيا مقصودا، أكثر من قصد الإمتاع والتسلية، فهناك مجموعة من الكتاب المناضلين أو الحداثيين أو الطليعيين (وكلها تسميات لها مغزى سياسي معين)، الذين لا يرضون بالواقع، ويريدون مواجهته وتغييره، ورفض كل أشكال الخنوع والخضوع، والذل، وكأنها رغبة قصدية وملتزمة ملحة في التنوير السياسي، وإخراج العامة من واقع السبات إلى دائرة الوعي.

فالكتاب عاصرو الكثير من الأحداث السياسية الجسيمة على المستوى الكوني (العالمي)، والقومي، والقطري (المحلي)، ففي مرحلة أولى كانت هناك المواجهة مع الاستعمار العالمي ثم الصراع العربي الإسرائيلي، وفي الحاضر تعيش الأوطان العربية تحت وطأة انحسار الديمقراطية. وفي إطار تشابك خيوط اللعبة السياسية (باعتبارها اللحمة التي تشد النسق السياسي)، شكلت الرواية السياسية في هذا الخضم متنفسا من الآلام، والأوجاع، والمنقذ من الضياع، والضلال، وباعتبارها الرسالة الفنية الهادفة إلى تغيير الواقع، وتعديل المفاهيم، والتطلع إلى مستقبل أفضل.

وهذه الرؤى السياسية ما هي إلا توجهات نقدية لتعرية الفساد السياسي، والفساد الاجتماعي، و الفساد الاقتصادي، و الاستلاب الثقافي، ومحاربة البيروقراطية، والفساد الإداري، والفساد الأخلاقي، والتنديد بالتسلط والاستبداد، والدعوة إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي