اسماعيل حمودي يكتب.. خلفيات خروج PPS من الحكومة

04 أكتوبر 2019 - 18:00

ليس من السهل أن يقرر حزب سياسي، مثل التقدم والاشتراكية، الخروج من الحكومة، لأسباب كثيرة؛ أولها، أن التوجه العام داخل الأحزاب المغربية هو عدم البقاء في «المعارضة»، بل إنها تسعى بكل وسيلة ممكنة إلى الحصول على موقع في الحكومة. ولفهم هذا المعطى جيدا، يمكن إعادة قراءة سلوك الاتحاد الاشتراكي، على سبيل المثال، بخصوص الطريقة التي انضم بها إلى الحكومة الحالية، حتى إن قيادته كانت تقول: «إن لم نشارك في الحكومة، سيموت الاتحاد».

وثانيها، أن حزب التقدم والاشتراكية قضى 20 سنة في الموقع الحكومي، أي منذ سنة 1998، وهي مدة طويلة نسبيا، لا شك أنها أسعفت الحزب في بناء مصالح وتحصين مواقع، وليس سهلا ترك كل ذلك إلا لأسباب أقوى من إرادة الاستمرار في الحكومة.

في حين يتعلق السبب الثالث بالوضعية العامة للأحزاب في المغرب، وفي العالم أيضا، والتي نتج عنها تبلور توجه عام في سلوك الناخبين يرمي إلى تجاوز البنيات التقليدية للديمقراطية، والبحث عن نخب جديدة ووسائط جديدة بين الدولة والمجتمع. ويمكن أن نضيف سببا رابعا، يتعلق بحزب التقدم والاشتراكية نفسه، أي موقعه في ميزان القوى الحزبي والسياسي، فهو، في النهاية، حزب نخبوي، ولا يبدو أنه يملك الميكانيزمات الضرورية للتجذر في المجتمع، وإعادة تأهيل نفسه للتموقع من جديد، حتى يكون ذلك مبررا للخروج من الحكومة إلى المعارضة.

لكن، رغم كل هذه الاعتبارات المنطقية والواقعية، فقد قرّرت قيادة حزب التقدم والاشتراكية الخروج من الحكومة، وقدّمت بين يدي ذلك عدة حجج: أولا، أن الحكومة الحالية تفتقر إلى «أي نفس سياسي حقيقي»؛ ثانيا، أن العلاقات بين مكوناتها يطبعها «الصراع والتجاذب السلبي، وممارسات سياسية مرفوضة»؛ ثالثا، أنها حكومة لا تحظى بالتأييد الشعبي، وتفتقر إلى المشروعية بالنظر إلى طبيعة ولادتها، وهذا يعمق «حالة التذمر والإحباط لدى فئات واسعة من جماهير شعبنا»؛ ورابعا، أن منهجية رئيس الحكومة في إجراء التعديل منهجية تقنية ظلت «حبيسة منطق المناصب الوزارية، وعددها، والمحاصصة في توزيعها»، دون النفاذ إلى جوهر الموضوع، «حيث لا إصلاح دون المدخل السياسي الواضح». وهذه الوضعية مرشحة لمزيد من «التفاقم في أفق 2021»، ما «سيحول دون اضطلاع الحكومة بالمهام الجسام التي تنتظرها، وتجاوبها بالقدر اللازم مع التوجيهات الملكية».

تبدو هذه الحجج معقولة، ليس داخل حزب التقدم والاشتراكية فحسب، بل تروّجها الأحزاب المشاركة في الحكومة كذلك، كل بلغته وخطابه السياسي، وتُقال منذ تشكيل العثماني حكومته في أبريل 2017، بل إننا نسمعها بلغة أكثر قوة وحزما داخل حزب العدالة والتنمية نفسه، لذلك، لا يبدو أنها مقنعة تماما لتفسير خلفيات قرار الانسحاب، ما يقتضي البحث عن أسباب أخرى. ويمكن الإشارة، في هذا السياق، إلى حجتين؛ الأولى تربط قرار الخروج من الحكومة بالضربات والضغوط التي يتعرض لها الحزب، وبالتالي، فإن قرار المغادرة هو استجابة متأخرة لطلب من جهة ما داخل الدولة بضرورة قطع الصلة بحزب العدالة والتنمية.

لقد سبق للأمين العام للحزب، نبيل بنعبد لله، أن صرّح، في أكتوبر 2016، للإعلام قائلا: «قالوا لي خلي بينا وبين بنكيران»، وهذه القراءة يمكن تلمسها بسهولة من خلال العناوين التي تصدرت الصحف، يوم أمس، حول قرار حزب الكتاب. لكن، لا يبدو أن هذه الحجة تكتسي راهنية اليوم لسببين؛ الأول، أن حزب العدالة والتنمية بات بيد العثماني، بعدما اختار بنكيران التراجع إلى الخلف، ما سهّل عزله عن مؤيديه داخل الحزب وخارجه. والثاني، أن حزب التقدم والاشتراكية استمر في الحكومة الحالية، ولم تعترض أي جهة على ذلك، بل منحه العثماني حقائب مهمة في النسخة الأولى من حكومته.

قد يشير البعض، في هذا السياق، إلى الضربات التي تلقاها الحزب في انتخابات 7 أكتوبر 2016، ثم بسبب ملف «الحسيمة: منارة المتوسط»، لكنها ضربات لم تشمله وحده، وربما كان نصيبه منها أقل مما تعرض له الآخرون.

ماذا بقي إذن؟ الراجح أن رفاق بنعبد لله يُساومون بقرارهم جهة ما في الدولة على الآتي: الخروج من الحكومة مقابل التوقف عن استهداف بعض قادة الحزب، الذين يجري الحديث عن احتمال ملاحقتهم قضائيا، بسبب اختلالات جسيمة كانت وراء إبعاد بعضهم عن المسؤولية. ولعل هذا ما دفع مستشارا لرئيس الحكومة الحالي إلى التعليق باستغراب على بلاغ الخروج من الحكومة بقوله: «يا ليت ما يدبج في بلاغات الأحزاب السياسية بلغة جميلة ومضامين راقية ودقة عالية ينعكس على طريقتها في التدبير وعلى مسؤوليها السامين وسلوكاتهم».

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي