فاطمة أبو الوفا.. مغربية تخوض حربا معلنة ضد الفساد في أسلاك الشرطة

01 نوفمبر 2019 - 20:02

ربما في هولندا يجهل اسم فاطمة أبو الوفا، المواطنة ذات الأصول المغربية، التي كانت تشغل، حتى وقت قريب، منصب رئيس قسم شرطة في لاهاي، والتي تصدرت عناوين الصحف ونشرات الأخبار في بلاد الأراضي المنخفضة بعد تعمدها تكسير «جدار الصمت الأزرق»، وهو مصطلح يستخدم في الولايات المتحدة للدلالة على قاعدة غير رسمية منتشرة بين ضباط الشرطة، ويتعلق الأمر بعدم الإبلاغ عن خطأ أو سلوك زميل أو حتى الجرائم ووحشية عناصر الشرطة، ويصل الأمر أكثر من ذلك إلى إنكار كل ما قد يقترفه زميل أثناء استنطاق المحققين. يُطلق أيضا على هذا السلوك «كلمة السر الزرقاء» و»الدرع الأزرق». في حوار خاص بـ»أخبار اليوم»، هو الأول من نوعه لصحيفة ناطقة باللغة العربية، تعرض فاطمة أبو الوفا تجربتها في خوض حرب معلنة ضد الفساد في أسلاك الشرطة.

تبعا لما راج عن قصتك في الشهور القليلة الماضية، أخبرينا بداية إن كنت تعتقدين حقا أن المجتمع الهولندي يدعمك في قضيتك؟ وما الذي قيل لك في هذا الموضوع؟

السواد الأعظم من المواطنين يؤمنون بأنني امرأة شجاعة، تجرؤ على الوقوف ضد الظلم. لكن بالمقابل هناك أشخاص من داخل قوات الشرطة يكرهونني، ولهم موقف واضح مما أقوم به، إنهم يعتبرونني مجرد «عاهرة» متكبرة.

كتبت في السادس من يونيو 2019 على منصة إنستغرام تدوينة حول «كسر جدار الصمت الأزرق»، وتلقيت عدة شكاوى بعد ذلك، تعرض فيها عناصر الشرطة ما يجب وضعه في خانة ما هو نفسي وما هو بدني، وتعرضهم للتمييز أو تعرضهم لممارسات غير مسؤولة لرؤسائهم في أقسام الشرطة بسبب سوء استخدام السلطة، والتعرض أيضا للترهيب الجنسي. قال لي أحد رجال الشرطة من أصول مغربية «أنا مخلص للغاية لمؤسستي (الشرطة) وسأقدم حياتي لها، اعتقدت أنني سأعمل على مواجهة الممارسات غير القانونية، لكنني وجدت تمييزا ضد المسلمين وضد المغاربة، للأسف علاقتي مع الشرطة كانت علاقة حب من طرف واحد». أخبرني ضابط شرطة آخر وقال «عندما كشفت قضايا كالترهيب والعنصرية وإساءة استعمال السلطة لرئيستي، قالت إنه ليس في وسعها معاقبة كل الأسماء التي كنت أتحدث عنها، وذلك لأن قدرات فريقنا في الشرطة لا تحتمل معاقبة كل من ذكرت، لذلك تنازلت عن الموضوع». وسبق لي القيام بمحادثات مع زملائي في الموضوع، كثير منهم كانوا في مفترق طرق، البقاء أو مغادرة مؤسسة الشرطة. يشعرون جميعا أن المشرفين أو رؤساء القطاعات الأمنية أو رؤساء وحدات الشرطة، يعلمون بأن بينهم من ليسوا بما يكفي من الصراحة والصدق فيما بينهم، لأنهم يعلمون بعضهم بعضا جيدا. عملنا مكثف وبطبيعته يتطلب ولاء في ما بيننا، وهو أشبه ما يكون إلى نظام إخوة وأخوات، لكن الولاء يجب ألا يكون مطبقا على كل شيء وفي كل شيء، كما هو الحال عندما تكون هناك انتهاكات كبيرة تمارس داخل أقسام الشرطة لدينا. قلة قليلة تجرؤ على كسر «جدار الصمت الأزرق» مهما كانت مشروعية الدوافع لكسره، في نظري يجب أن يكون الولاء للقانون في المرتبة الأولى، إذا كان هناك مرتب خاص يُدفع لمن يسهر على تطبيق القانون واحترامه، وقام ذات الشخص بتقويض القانون داخليا، حينها يجب علينا أن نقف ونُسمع الناس صوتنا، إذا لم نفعل.. يعني أننا جزء من المشكلة.

هناك دعم كبير تلقيته عبر منصات التواصل الاجتماعي. احك لنا عن ذلك؟

نعم في الشهور القليلة الماضية تلقيت دعما كبيرا من شريحة واسعة من المناصرين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، قبل أسابيع قليلة أطلق بعض الزملاء صفحة في فيسبوك تحمل اسم «نحن ندعم فاطمة أبو الوفا» (We Support Fatima Aboulouafa)، وهي صفحة يتابعها آلاف الأشخاص. وهناك صفحة تدعمني أيضا في منصة تويتر، ومؤخرا تلقيت عددا كبيرا من المتابعين الذين يدعمونني عبر هذه الصفحة. ولدي دعم كبير في منصات إنستغرام ولينكدين، كل هؤلاء الأشخاص في منتهى اللطف، وهم سند حقيقي، إنه حقا لأمر مؤثر ويحركني في أعماقي.

انتقادك لما وصفته بتجاوزات داخل أقسام الشرطة خلق جوا مُكهربا في مؤسسة الشرطة، أرجح أنك كنت تتوقعين هذه النتيجة.. كيف كان رد الناشطين في مجال حقوق الإنسان إزاء كل التطورات اللاحقة؟

قالت المقررة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، «إن هناك مشكلا جديدا وهو ما يبدو أنه عنصرية مُمَأسسة في دوائر الشرطة الهولندية». هنا استُخدِمت عبارة «العنصرية المُمَأسسة» ورُبطت بالشرطة للدلالة على الفشل الجماعي لأجهزة الشرطة في توفير الحماية والعادلة بتجرد وتساو لكل المواطنين مهما كان عرقهم، وهو أمر مرده إلى الجهل والإهمال والتفكير بقوالب نمطية وعنصرية. كما أن بعض الأحيان يكون ضحايا العنصرية والتعسف من الأقليات العرقية في أجهزة الشرطة. المقررة الخاصة بصفتها خبيرة مستقلة في مجال حقوق الإنسان والمعينة من طرف مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، قامت بزيارة بعد فترة وجيزة من إثارة مُبلِغة موثوق فيها مخاوفها الجادة حيال ثقافة التمييز العنصري، وعدم وجود تعايش إثني داخل إدارة شرطة لاهاي. وبالمناسبة هذه ليست المرة الأولى التي تتم فيها عملية تبليغ عن مخالفات لأجهزة الشرطة في قضايا مرتبطة بالتعصب والعنصرية.. جديا يجب على الحكومة التعامل بشكل مستعجل، والتعاطي بحسم مع الهياكل والأفراد الذين يروجون العنف والتمييز داخل قوات الشرطة، ويتسامحون مع هذه الأفعال، كما يجب على الحكومة اتخاذ خطوات جادة لحماية كافية لأولئك الشجعان الذين يبلغون عن الممارسات غير المشروعة، لأنهم سبب قوي في بلوغ الحقيقة. وعلاقة بالمُبَلّغة التي أثارت موضوع الممارسات المشينة التي تمارسها أجهزة الشرطة، فقد تمت إزاحتها جانبا، وهو ما يثير في نظري قلقا كبيرا حول القلة الشجاعة ممن يبلغون عن الجرائم، والذين تتم معاقبتهم بدل حمايتهم، وبما أن التحقيق مازال مستمرا، يجب على تلك السيدة أن تنال ما تستحقه من احترام وحماية تستحقهما، ويجب أيضا التعامل جديا مع من يثبت أنهم مسؤولون عن تهيئة بيئة معادية للأقليات العرقية والإثنية داخل الشرطة.

قبل الشروع في الحديث بصوت مسموع عن الأفعال المشينة التي تمارس في مراكز الشرطة، كيف كانت ردود أفعالك حيال ما يقترفه زملاؤك في العمل؟

اسمح لي في البداية أن أخبرك بأن سيدة شرطية هي أجمل وظيفة والأكثر تشريفا في العالم، في هولندا يوجد 65 ألف موظف شرطة، ومعظمهم جادون ويكدون في عملهم، ويحاولون مساعدة المجتمع، إنهن وإنهم حقا نساء ورجال شرطة جيدون ويسعون إلى إحداث تغيير إيجابي، والتعامل مع المواطنين على قدم المساواة. اشتغلت في قوات الشرطة الهولندية مدة 25 عاما، خلال عقدين ونصف وقفت على ممارسات التمييز والعنصرية والترهيب والاعتداء على السلطة. أعتبر نفسي امرأة قوية وذكية، كنت أقوم دوما بما يتوجب علي القيام به قدر المستطاع، ولم أسمح لنفسي يوما بإطلاق كلمات سلبية ومشينة في حق الآخرين. كنت أعرف دوما ما أريد، وعملت في سبيل ذلك بجد لبناء مسار مهني في الشرطة الهولندية، وكنت أقف دوما ضد الظلم أو عدم المساواة، ولأنني شرطية، كنت أمام هذه القضايا وأتعامل معها بشكل مستمر. وفي الحقيقة، لا يعترف كل قادة الشرطة الهولندية بمشاكلهم الداخلية، لأن الأولوية في نظرهم هي تجنب الفضيحة، أنا أسمع هذه المبررات دوما من ضباط الشرطة، ولن أخفيك بأن أحدهم اتصل بي وقال «ما زال الشرطي الصادق لا يجد مكانا ليلجأ إليه، والتقدم بشكاوى دون أي خوف من ملاحقته بالاتهامات. سيبقى جدار الصمت الأزرق موجودا دائما لأن النظام يدعمه»، ويبقى كل الضباط الذين يثيرون المشاكل الهيكلية داخل مؤسسة الشرطة، ضباط بمشاكل عقلية أو عضوية!

هلّا شاركت معنا أمثلة عما كان يؤتى من أفعال؟

هناك مجموعة تقزم قيمة الشرطة، مثلا كانت هناك مجموعة صغيرة من عناصر الشرطة الذين أطلقوا على انفسهم «المجموعة النقية»، كانوا ينعتون غيرهم من موظفي الشرطة بالكلاب، وفي أحد الأقسام كانت هناك مجموعة أطلقت على نفسها اسم «إبادة الشعب المغربي»، كما أن هناك من يدلي بتصريحات معادية للمغاربة، كالمسؤول الرفيع في قوات الشرطة الذي قال إن الأمازيغ عدوانيون وبربريون بشكل وراثي وجيني (في إشارة إلى تصريحات رئيس ضباط شرطة لاهاي حاليا بول فان موسر في قناة هولندية سنة 2010). منذ إنطلاق قصتي في الإعلام الهولندي بعد تدوينتي في منصة إنستغرام، قرأت عددا كبيرا من القصص من مواطنين كثر، لكن الأمر لا يعني أن هذه الحالات الشاذة يجب أن تعمم على كل من يحمل شارة الشرطة في هولندا، هناك زملاء رائعون وملتزمون بواجباتهم على مدار الساعة وطيلة أيام الأسبوع، وهم حقا من يصنع الفرق الإيجابي كل يوم، وهم بذلك يتركون بصمة لطيفة في المجتمع.

أنت في الخدمة منذ 25 عاما، كيف كان يتم انتهاك أو لنقل التعامل بتمييز بين شرطي وآخر على أساس عرقي؟

بدأت حياتي المهنية في منطقة ليمبورغ في جنوب هولندا، خلال فترة طويلة كنت الشرطية المغربية الوحيدة في منطقة يهيمن عليها الرجال بشكل كبير، وكان من اللازم علي في هذه التجربة أن أثبت لكل زملائي أنني شرطية متمكنة من مهامها، كنت أخضع لاختبارات بشكل دائم، وفي النهاية كسبت احترام السواد الأعظم من الرجال، هناك مشكل رئيسي يكمن أحيانا في تعامل جهاز الشرطة مع الموظفين بمقياسين، أحدهما خاص بالبيض وآخر بغير البيض، الشعور السائد لدى العديد من الزملاء ذوي الأصول أو الخلفية غير الغربية، هو أن الموظف غير الغربي يعاقب بشكل أسرع من نظيرة الغربي بعد وقوع حادث داخلي ما. مثلا؛ كان لدي زميل من أصل مغربي، سرق هاتفا قديما كان موضوعا فوق المنضدة، ما الذي حدث؟ داهم فريق التحقيق منزل عائلته ووجد الهاتف.. تم طرده على الفور، في وحدة أخرى سرق موظف شرطة مخضرم وأبيض البشرة حمولة كاملة من أكواب القهوة البلاستيكية، كان عليه أن يكتب فقط رسالة عبر البريد الإلكتروني، يتحدث فيها عن الدروس التي استخلصها من فعلته تلك، ولم يُفصل عن عمله!

الجالية المغربية في هولندا جالية ضخمة.. كيف كان ردها حيال ما تخوضينه لجعل مهنة الشرطة أكثر شفافية؟

بكل صدق أرى أن الجالية المغربية فخورة بما أفعل، إن المغاربة في هولندا يكافحون من أجل حقوقهم ومصالحهم. باختصار، كفاحهم هو كفاحي أيضا..

بعد كل هذه الشهور، هل تتوقعين تحقيقا حكوميا يصل إلى ما تروجين له؟

يجب العودة إلى الفصل 30 من حقوق الإنسان للأمم المتحدة في إنفاذ القانون والتوصيف العرقي، الذي جاء في بيان نهاية المهمة للمقرر الخاص المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب، وما يتصل بذلك من تعصب في ختام مهمتها في لاهاي بتاريخ 7 أكتوبر 2019، الفصل يقول إن من تمت محاورتهم في القضية أثاروا مخاوف بشأن التنميط العرقي في تطبيق قوانين الهجرة، والتي ستتناولها المقررة الخاصة في تقريرها النهائي. أظن أن الفصل 30 واضح بما يكفي، استنادا على ذلك آمل أن تشرع الحكومة الهولندية في تحقيق جاد.

هل سنقرأ خبر عودة فاطمة أبو الوفا إلى مكتب الشرطة للعمل مجددا؟ كيف ترين مستقبلك مع الشرطة؟

أنا رئيسة وحدة شرطة تتكون من 130 موظفا، رغم كل ما قاله رؤسائي عني، أو حتى عن الخطأ الذي اقترفوه في حقي، سأسامحهم، أريد المساهمة في قوات شرطة أفضل وأكثر بهاءً، للتعامل مع كل الناس باحترام لهم ولكرامتهم، باعتباري قائدة شرطة وقبل ذلك إنسان، سأتشبث دوما بموقفي ضد الظلم واللاإنسانية. أحلم بجهاز يكون بهيا وجميلا في المستقبل القريب، أن يكون جذابا وآمنا وضاما للجميع، بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو الميولات الجنسية. أن تكون مؤسسة الشرطة في خدمة المواطنين والمجتمع والبلاد، وأن يكون كل من يشتغل فيها مهذبا وإنسانيا في تعامله مع كل إنسان. أما إذا قررت الشرطة عدم عودتي للجهاز بشكل نهائي، فأنا أؤمن بقوة بأن الله سيفتح لي أبوابا جديدة.

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي