سليمان الريسوني يكتب: لا حزب سوى حزب التامك

19 فبراير 2020 - 18:00

لماذا لا تستطيع الأحزاب السياسية في المغرب استيعاب الفاعلين والغاضبين الجدد في فايسبوك ويوتيوب، وحتى فيالشارع؟ فطيلة تسع سنوات من انطلاق حركة 20 فبراير، مازالت أبرز وجوه هذه الحركة وأغلب المنخرطين فيها، وحتى منأصبحوا، على امتداد هذه السنوات التي تلت 2011، يحملون شعاراتها ومطالبها في مناطقهم أو قطاعاتهم، خارجالفعل السياسي الحزبي.

في إسبانيا، التي توجد على مرمى حجر منا، بل توجد فوق أراضينا، انطلقت احتجاجات حركة «الغاضبين» (Los indignados)، المعادل الموضوعي لحركة 20 فبراير بالمغرب، في ماي 2011، وفي يناير 2014 تأسس، انطلاقامنها، حزب «بوديموس»، الذي يشارك، الآن، في حكم إسبانيا. لكن، عندنا في المغرب، كان الهامش أكبر مستقبِلللأغلبية الساحقة من الشباب الذين خرجوا محتجين في 20 فبراير 2011، كما كانت السجون مآل الجيل الجديد منمحتجي الريف وجرادة، وكذا المحتجين على الأوضاع الاجتماعية والسياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وإذا مااستثنينا قلة من شباب حركة 20 فبراير الذين ذابوا داخل أحزاب يسارية، فإن أهم عرض سياسي قُدِّم لشباب هذهالحركة، يبقى هو ذلك الذي حمله رشيد الطالبي العلمي إلى ثلاثة منهم، يقضي بوضعهم على رأس اللائحة الوطنيةلشباب التجمع الوطني للأحرار في انتخابات 2011 البرلمانية. وبالرغم من أن هذا العرض كان مثل السم في الدسم،وحاول استغلال الفقر المادي والمبدئي لعينة من شباب الحركة، نفخ فيها الإعلام لإظهار 20 فبراير مجرد حركة منالانتهازيين يبحث المنتمون إليها عن مصالح وتسلقات شخصية، فإنه (عرض الطالبي العلمي) يبقى أهم عرض قدمهحزب سياسي إلى شباب يحتج في الشارع، بالرغم من أن الصفقة لم تكتمل.

إن عدم قدرة الأحزاب على إقناع واستيعاب الشباب الغاضب والمبدع في فايسبوك ويوتيوب وفي الشارع، جعلنا أمامشبيبات حزبية فقدت القدرة على الإبداع والتميز السياسي الذي طبع شبيبات الأحزاب الديمقراطية، إلى حدود نهايةالتسعينيات. وإذا كان من الصعب علينا، في غياب دراسات سوسيولوجية، معرفة التحولات التي شهدتها شبيباتالأحزاب، والمحددات الاجتماعية للوافدين الجدد عليها ودوافعهم وانتظاراتهم، حتى تتسنى لنا معرفة هل كانت لهماهتمامات سياسية أم لا، فإنه من السهل علينا رصد التحولات التي طرأت على المسؤولين عن أبرز الشبيبات، من خلالمحطات محدَّدة ومحدِّدة، تناولتها الصحافة وأثارت جدلا: مسؤول الشبيبة الاتحادية الذي منعه رئيس حزبه من الالتحاقبعمله في البرلمان، حيث يشتغل ضمن فريق الحزب في مجلس النواب، لمجرد أنه اختلف مع إدريس لشكر في أمور تتعلقبالشبيبة.. مسؤول الشبيبة الاستقلالية السابق، الذي اعترض حمدي ولد الرشيد على وضعه وكيلا للائحة شباب الحزب،في انتخابات 2016، لأنه في نظره «حرطاني»، وهو ما لم ينفه الواصف والموصوف حينها.. مسؤولة شبيبة الأصالةوالمعاصرة التي منعها الأمين العام للحزب من أن تكون على رأس أو حتى ضمن اللائحة الوطنية للشباب أو النساء فيانتخابات 2016، فيما المطلوب هو أن تشرف هي على وضع لائحة الشباب، وأن تكون ضمن واضعي لائحة النساء.. مسؤول شبيبة الحزب الاشتراكي الموحد السابق الذي طرد من الحزب بعد اتهامه بخدمة أجندات مخزنية، ومع ذلك هاهي الشبيبة اليسارية تتخبط، إلى الآن، في صراعات لا حد لها بين تيارين يوصف أحدهما بالموالي لنبيلة منيب والآخربالمناوئ لها.. وأخيرا، مسؤول شبيبة البيجيدي الذي كان على يسار قيادة الحزب الحالية، والذي نودي عليه للاستوزار،فاستجاب دون حتى أن يخبر بنكيران الذي كان يُعتبر مقربا منه ومحسوبا على تياره.

وإذا استثنينا شبيبة الاشتراكي الموحد، التي لها زوائد مرضية في النقد، وشبيبة العدالة والتنمية التي لم تتخلص، كليا،من النموذج الانضباطي المعتمد داخل الجماعات الدعوية، فإن باقي الشبيبات الحزبية، التي يجمع بين قياداتهاوقواعدها انتماؤهم إلى جيل 20 فبراير، تفتقر إلى الروح النقدية لهذه الحركة، بل إنها تخلفت كثيرا حتى عن استقلاليةالقرار التنظيمي والقوة الاقتراحية اللتين سادتا، قبل ربع قرن، داخل تنظيم مثل الشبيبة الاتحادية. إن قيادات شبيبية،مثل التي تحدثنا عنها، لا يمكن أن تلهم شبابا يتمتع بحرية كبيرة في النقد والاقتراح، على صفحته بالفايسبوك أو فيقناته على اليوتيوب، للدخول إلى أحزاب لا يرى فيها، أصلا، سوى دكاكين سياسية، مع ما ترمز إليه «الدكاكين» من بيعوشراء ومرابحة.

إن المؤسسة الوحيدة التي تستقبل، إلى حدود الآن، الشباب المحتج في الشوارع وفي وسائل التواصل الاجتماعي،ويحمل اسمها شعار الإدماج، هيويا للمفارقةالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج. ومن السخريةالسوداء أن أستحضر، في ختام هذا المقال، ما دار بين رجل سلطة وأحد الشباب، في نقاش على هامش وقفة احتجاجية،حين استشهد الشاب بقولة لنبيل أحمجيق، فقاطعه رجل السلطة: «هذا يبدو أنه ينتمي إلى تنظيم يساري؟»، فأجابالشاب: «لا، إنه ينتمي إلى حزب محمد صالح التامك».

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي