ياشا مونك: عندما يكون الاقتصاد معتلا يصوت الناس للمعارضة

29 يونيو 2020 - 08:30

ولد المنظر السياسي الشاب ياشا مونك (Yascha Mounk) في مدينة ميونخ الألمانية سنة 1982. وبعد مسار دراسي متألق ونجاحات بحثية جمة، أصبح أحد أكبر الباحثين في قضايا الديمقراطية والاستبداد والشعبوية. واليوم يعمل أستاذا في جامعة جونز هوبكنز في ولاية ميرلاند الأمريكية. وخلافا لأصحاب توقعات أن ما بعد كورونا لن يكون كما قبله، يعتقد هذا الباحث أن التاريخ يظهر لنا جليا أن حياتنا لن تتغير كثيرا بسبب جائحة كوفيد-19. يظن هذا الخبير في الأنظمة الديمقراطية أن الجائحة ستثبت، أيضا، أن الشعبويين غير قادرين على حماية الشعب، ويستند في ذلك إلى تفشي الوباء في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب سوء التدبير. يعتقد أنه في حال فاز الرئيس الحالي، دونالد ترامب، في الانتخابات الأمريكية المقبلة (نونبر 2020)، فإن الديمقراطية الأمريكية ستكون في خطر. لكن صاحب كتاب «الشعب ضد الديمقراطية» (2018)، لا يستبعد أن تحسن الأحزاب المناهضة للدولة العميقة استغلال الإحباط الذي من المنتظر أن يتضخم حلال الركود الاقتصادي. لكنه يؤكد أن من حسنات الأزمة الحالية نَزع القناع عن الزعماء المعادين للعلم، وهي القناعة التي ستزداد لدى المواطنين مع ازدياد العدوى في البلدان التي يحكمها الشعبويون.

*************

يشرعن ترامب استعمال العنف ضد المتظاهرين والصحافيين في الاحتجاجات المناهضة للقمع البوليسي. هل تنهار الديمقراطية الأمريكية نهارا جهارا وأمام أعيننا؟

لقد رأينا الوجه القبيح لدونالد ترامب، والمتمثل في تشجيع الأمن على عدم الاكتراث بسلامة المشتبه بهم أثناء توقيفهم، وإصراره على إشعال فتيل التوترات، وعدم قدرته على الشعور أو إبداء التعاطف مع الفئات الهشة. فالطريقة التي يشجع بها ترامب القمع البشع ضد المتظاهرين، العنيفين أحيانا، غير مقبولة. مع ذلك، لا يبدو لي أن هذه الفترة تشكل تهديدا على الديمقراطية. مازال الرجل مجرد شعبوي استبدادي غير قادر على استيعاب الاختلاف المشروع، حيث يعتقد أنه وحده يمثل الشعب؛ وهذا يجعله في مسلسل تصادمي بطيء مع الديمقراطية. في الواقع، أنا متفائل، وأظن أنه ستكون هناك انتخابات حرة في الخريف المقبل، لكن، إذا أعيد انتخاب ترامب لولاية ثانية، واستمر في الحكم أربع سنوات أخرى، فإن العواقب ستكون على الأرجح مروعة.

على خلاف الكثير من الخبراء، تدافع عن فكرة أن حياتنا لن تتغير كثيرا بسبب كوفيد-19؟

من الخطأ القول إن حياتنا الاجتماعية ستتغير بشكل جذري؛ وأنه لن تكون هناك حانات ولا مطاعم ولا حفلات… ذلك غير صحيح، فإذا عدنا إلى أزمات وجائحات أخرى سابقة، سنلاحظ أنه لم يتغير الشيء الكثير، حيث سنجد أن الناس عادوا لتعيشوا حياتهم الاجتماعية العادية بشكل سريع جدا. فبعد الأنفلونزا الإسبانية، عاش العالم صخب عشرينيات القرن الماضي. وإذا نظرنا إلى المناطق التي ضربها الإرهاب مثل بغداد مع بداية القرن الحالي، أو العنف في ريو ديجانيرو اليوم، سنرى أن أماكن الترفيه والتسلية مازالت مليئة عن آخرها. إن الناس يواجهون المخاطر من أجل التواصل مع الآخر، هذا جزء من طبيعتنا الإنسانية. أما الافتراض العام الآخر فيقول إن الجائحة ستكون نهاية العولمة، وشخصيا، أظن أنه ستكون هناك تغييرات صغيرة، لكنها مهمة. ستستمر العولمة، لكننا سننتج بعض المنتجات الأساسية داخل حدودنا. من ناحية أخرى، ستتسارع بعض الاتجاهات التي كانت موجودة سابقا. مثلا، منذ سنوات ونحن نعاين أن نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية يتراجع مقابل ارتفاع النفوذ الصيني. وهناك اتجاه آخر يفرض نفسه بشكل متسارع، وهو العمل عن بعد.

ما هي تداعيات الجائحة على الأنظمة السياسية؟

في الحقيقة، تجسد الجائحة اختبارا حقيقيا لمعرفة الأنظمة القادرة على حماية مواطنيها وتلك التي لا تقدر على ذلك. لكن يجب، كذلك، معاينة ما الذي يجري في الديمقراطيات. هنا، ألاحظ اتجاهين متعارضين؛ من ناحية، يبدو أن هذه الجائحة تؤكد سردية الشعبويين؛ فكرة أن العالم خطير للغاية، وأن العولمة والهجرة سيئتان؛ ومن ناحية ثانية، نحن نعاين فشل الكثير من الشعبويين اليمينيين الذين يقولون إنهم قادرون وحدهم على حماية المواطنين، وإنهم أكثر ذكاء من السياسيين التقليديين، وإنهم يمكنهم خدمة مصالح ناخبيهم بشكل أفضل.

عفوا، إذا عدنا إلى تصنيف الدول الأكثر تسجيلا للإصابة، والذي تنجزه جامعة جونز هوبكنز، سنجد الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل وروسيا تتصدر القائمة؟

صحيح، فالجائحة ستغير تصور الناس تجاه الشعبويين. منذ سنوات ونحن نحذر من أن مشكل الشعبوية يكمن في أنه إذا لم تكن تثق في الخبراء، فلن تسمح بوجود المؤسسات المستقلة، وستسيس كل شيء. وفي نهاية المطاف، يكون لكل هذا تأثير سلبي للغاية على حيوات المواطنين. قبل ثلاثة أشهر، كان يمكن أن تقول أغلبية الأمريكيين إن حياتها لم تكن مختلفة مقارنة بما قبل وصول ترامب إلى الحكم، وإن توقعاتها السلبية حول ترامب لم تتحقق، لكن كل هذا تغير أخيرا بشكل تراجيدي. اليوم، تأثرت حياة كل أمريكي نظرا إلى أن الحكومة الفدرالية غير قادرة على نهج مخطط عمل منسق خلال هذه الجائحة. لدي أمل أن يستوعب الكثير من الناس حجم الضرر الكبير الذي تسببت فيه الشعبوية لجميع الفئات.

لكن، إذا نظرنا إلى الاقتصاد، والإحباط الذي يثيره هذا الركود، من البديهي أن يتحول الوضع إلى تربة خصبة للشعبوية؟

في العلوم السياسية ندرك أن الكثير من الناس يكونون قناعة سياسية من خلال النظر في الاقتصاد، ولو كانت تلك النظرة غير عقلانية. هناك دراسة تظهر أن معاناة الناس في ولاية نيو جيرسي بسبب هجوم سمك القرش سنة 1918، دفعتهم إلى عدم التصويت لصالح ويلسون رئيسا لولاية ثانية، لأن اقتصادهم عانى تراجع السياحة. ستعاني الكثير من الحكومات في العالم هذه الظاهرة؛ عندما يكون الاقتصاد معتلا، يصوت الناس للمعارضة.

تحول العلماء إلى هدف الكراهية الشعبوية. مثلا، في إسبانيا يهاجمون فيرناندو سيمون، مدير مركز تنسيق الإنذارات والطوارئ الصحية، ويتعرض لهجمات مماثلة علماء في دول أخرى. هل تحول العلماء إلى حصان طروادة شعبوي جديد؟

سيكون هناك، دوما ودائما، أشخاص لا يثقون في الحكومة، ولا في من يتخذون القرارات المهمة. قبل سنة، لم يكن العلماء مهمين للغاية في اتخاذ القرارات، لكن العلماء اليوم لديهم أهمية سياسية كبيرة، وليس من الغريب أن تسري عليهم هذه الكراهية والنظريات المجنونة حول الدولة العميقة. لكن آمل أن تخفف، قليلا، هذه الجائحة حدة النظريات الأكثر سخافة مثل رفض اللقاحات. جزء من هذا الرفض نابع من أننا لم نعان بأي حال من الأحوال مرضا خطيرا، وذلك بفضل اللقاحات. لقد عانى أجدادنا الويلات بسبب أمراض فتاكة، لكننا نحن لم نعش ذلك ولم نعانه. إذا أنتجنا لقاحا فعالا ضد كوفيد-19، فإن النظرة الحالية ستتغير، وستزداد الثقة في العلوم.

تؤكدون في كتابكم أنه يجب ألا نعتبر الديمقراطية أمرا مسلما به. هل الخطر اليوم كبير؟

الخطر كبير جدا وجاد، فالمجر لم تعد ديمقراطية، وهناك بلدان، مثل الهند والبرازيل، توجد فيها الديمقراطية في حالة خطر. فالجائحة الحالية تعطي فرصة للشعبويين المستبدين للاستئثار أكثر بالسلطة.

تؤكدون أن أفضل سلاح هو الصوت (من التصويت)؟

يجب محاربة الشعبويين عن طريق صناديق الاقتراع. يمكن ألا تكون البدائل مقنعة ولا ملهمة. الكثيرون في الولايات المتحدة الأمريكية لم يرغبوا في التصويت لهيلاري كلينتون. لقد اختاروا ترامب ليس لأنهم معجبون به، بل اضطروا إلى التصويت لصالحه لأنه كان البديل الوحيد المتاح. كانوا يتساءلون عن ماذا يمكن أن يخسروه بانتخابه. وجاءهم الفيروس الجديد بجواب واضح جدا.

عن إلباييس

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي