منير أبو المعالي: ليس من أجل رأس واحد

09 يوليو 2020 - 18:00

فجأة، توقف صداع الرأس حول حكومة التقنوقراط، وعلى ما يبدو، فقد تبين أن أي أفراد، كيفما كانت خلفياتهم، ليس بمقدورهم إدارة أزمة تسببت فيها الجائحة، كما تبعاتها، بطريقة أفضل مما يفعل المسؤولون الحكوميون الحاليون. ولسوف يظهر أن الدولة نفسها أكثر معقولية من أولئك الذين حاولوا تصوير حكومة تقنوقراط وكأنها ملاذ أخير. ولقد حسمت وزارة الداخلية نفسها، وهي، على كل حال، تركيز تقنوقراطي، في «التأصيل الشرعي» لحكومة التقنوقراط، ولم تمنحها أنبوب الأوكسجين المطلوب، وقد كان مقدرا أن يستمر عامين إضافيين. إن تمسك الداخلية، بصفتها واجهة للدولة نفسها، بالترتيبات الزمنية المحددة للانتخابات، وضع نقطة نهاية لكل الآمال الصغيرة التي كبُرت فجأة في أبريل الفائت.

كانت الدعوى الرئيسة للمنادين بحكومة تقنوقراط هي تشكيل فريق أكثر مهارة لإدارة الأزمة الاقتصادية. لكن، هل تحتاج هذه القضية إلى مهارة عظيمة تنقص المسؤولين الحاليين؟ من الواضح أن الجواب بسيط، فالحكومات ليست مثالا في حد ذاتها، لكن فعاليتها تتعزز بالرقابة، وبالأدوار المتعددة لمؤسسات الحكامة. وبشكل غريب، كان أولئك الذين يجعلون من حكومة التقنوقراط هبة من السماء، هم أنفسهم من يجعل من التشكيك في حكامة الإجراءات المتخذة في غضون الأزمة، تخاذلا مسموما إزاء الشعور الوطني. وهم أنفسهم، كذلك، من كانوا الأكثر يقينا من أن رئيس هذه الحكومة هو الأقل شأنا في ترتيبات إدارة الأزمة على مستوى الدولة؛ وهم أيضا، وبكل خسة، من كانوا يجعلون من وزراء حزب التجمع الوطني للأحرار -وحدهم- المسؤولين الأكثر جدارة في تلك الظروف.

وفي الواقع، وكما تظهر النتائج الآن، فإن إدارة أزمة الجائحة لم تكن بحاجة إلى عقول عظيمة. كانت بحاجة إلى مسؤولين عاديين يطبقون القرارات بحذافيرها فحسب، فيما كان المقررون يحاولون تجنب كارثة. بين هؤلاء المقررين كان حسني بنسليمان، قائد الدرك الملكي سابقا، وقد «نودي عليه»، وعمل دون أي ضجيج، بمعية لجنة القيادة التي شُكلت لإدارة الأزمة. إن أولئك الذين يدفعوننا إلى الاعتقاد بأننا إزاء حكومة مكبلة، أو دون مهارات، إنما هم، في الواقع، يحذفون الدروس الرئيسة للبناء المؤسساتي من مقرر الدولة المغربية كما هي، ويطلبون منك بشكل فج، أن تخضع للفكرة البسيطة حيث يصبح مركز رئيس الحكومة هو الهدف النهائي في أي معادلات تغيير.

لا يذرف هؤلاء دموعا حقيقية في نهاية المطاف، بل يشبهون نائبا تحدث باسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قبل يومين في البرلمان، وكال الشتائم لمنظمة العفو الدولية. وهي المنظمة نفسها التي ذرف عبد الرحمان اليوسفي دموعه حينما لم يقو على تنفيذ وعده بأن تقيم مؤتمرها السنوي آنذاك في المغرب. إن مستقبل البلاد لا يمكن أن يودع لدى هؤلاء الذين فقدوا، في الغالب، بوصلتهم الأخلاقية، حتى إنه، كما يقال، ربما يتعذر عليهم العثور على الطريق المؤدي إلى «منازلهم». إن الدولة تخشى معارضيها دون شك، وقد فقدت المعارضة كل بريقها في العشرين عاما الأخيرة، لكنها أيضا تحذَر أكثر أولئك الذين يزينون لها طرقا وعرة، ويصورنها كطرق سيارة تقود مباشرة إلى الخلاص السياسي. المتلونون مثل حرباء تشعرك بالخطر، يصبحون مثل مؤسسة مخابرات غير كفأة؛ ستدفعك إلى أن تتخذ القرارات غير المناسبة فحسب.

في كل هذه المعمعة، كان الهدف واضحا؛ على حزب العدالة والتنمية أن يدفع الثمن! يجد المصوبون بكل دقة على هذا الكيان، صعوبات كثيرة في الصبر، وتحمل عام إضافي يمنحه الدستور للحكومات دون أن يجري إسقاطها وكأنها ورق جاف. ولسوف يقلبون الدستور بحثا للعثور على ما يريدون، كي يقال، في نهاية المطاف، إن للملك الحق في أن يفعل ما يشاء. يا له من اختراع! في حقيقة الأمر، يحمل الحقد السياسي عادة بذور هلاكه، لكن لا يجب أن يُمنح الهواء كي يؤذي أي جهة إضافية. إن أولئك الذين يطمحون إلى رؤية حكومة تقنوقراط، وهي تتأثث بشخصيات شبه تقنوقراطية وقد طُليت بعلامة التجمع الوطني للأحرار، ليس هدفهم تحسين كفاءة حكومة، ولا تعزيز الأداء المؤسساتي إزاء أزمة. كان الهم الوحيد هو تقويض البيجيدي ورميه خارجا. جرى تصوير ذلك، بمنتهى البساطة، وكأن المشكلة سوف تحل بشكل فوري.

إن نقمة الناس على البيجيدي لا يمكن إخفاؤها على كل حال، لكنها أيضا ليست معيارا لقياس منسوب تدهور شعبيته. لم يفكر المعلقون السياسيون -قليلو العدد لحسن الحظ- في ما إن كان تحويل البيجيدي إلى عطلة قسرية من حكومته سيقويه أكثر، وقد مُنح عطلة من سنتين من كل الأعباء، لاستعادة زخمه. بعض الأخطاء تتكرر بطريقة غريبة. يكشف الإسلاميون دائما عن قدرة غير محدودة على تحويل أنفسهم إلى مظلومين، وبمقدورهم أن يوخزوا ضمائر الناس بفعل ذلك. وإذا ما استمرت اللعبة نفسها، فإن النتائج عام 2021، في غالب الأحوال، ستكون لمصلحة البيجيدي مجددا. وفي الوقت الذي يلعب فيه مناهضوهم على خطوط الدعاية، فإن الإسلاميين يفتحون ماكينة الحساب ويشرعون في العد. إن الانتخابات ليست حملات انتخابية متأخرة، أو خطابا مزخرفا أُعدته بعناية شركة تواصل، ولكنها قواعد حساب صلبة تُطبق بدقة.

والمدهش أن البيجيدي يقدم وكأنه مشكلة في البلاد، وفي ذلك استغلال بشع لإكليشيهات استُحدثت في الماضي، ويجري إحياؤها باستمرار وكأنها السند السياسي لأي لعبة متهورة ضد الإسلاميين. لم يظهر البيجيدي أي مقاومة كبيرة في توازن السلط الجاري به العمل في البلاد، وبالكاد تشعر بوجود فارق بين فترة حكمه وبين فترات من سبقوه. وإذا ما شعر خصومه بالضجر، فإنهم يلجؤون إلى ما هو هامشي. على سبيل المثال، قُدمت التوظيفات في المناصب التي أُسندت إلى أعضاء من البيجيدي، وكأنها خيانة. لقد نسي الجميع كيف لون حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي مناصب العمل في القطاعات التي أداروها بأصباغهما. كذلك، تُشن حملات كثيفة مبنية على معلومات زائفة، وتستهدف مسؤولين إسلاميين. وبالطبع، يجري استغلال كل هذه العناصر في حملة مضادة من لدن البيجيدي نفسه.

وعلى نحو نادر، وكما يجب أن يكون، يجري استغلال المطابقة في تعريض البيجيدي للمحاسبة. إذا ما أخذت برنامج الحزب في حملته الانتخابية، ثم برنامجه الحكومي وقد شكل تحالفه، وقارنتهما بما جرى تنفيذه، ستجد أن الفارق مذهل فعلا. لكن، يبدو أن هذه اللعبة لا تستهوي أحدا تقريبا. إن أي إدانة لنتائج حكومة يقودها البيجيدي، هي كذلك، رصاصة موجهة بشكل مباشر إلى حلفائه. وفي هذه التركيبة تبرز اللعبة السياسية الأكثر قدما، حيث يتبرأ الحلفاء من بعضهم البعض بمجرد أن يقترب موعد الانتخابات. اللعب الماكر أيضا لم يعد اختراعا ذا جاذبية.  في المحصلة الأخيرة، فإن هذه الحكومة ليست أفضل ما نطمح إليه، لكنها أيضا ليست على قدر السوء الذي يجري تسويقه في علب مبتسرة. إن تقويض البيجيدي لا يقود كذلك إلى ازدهار خصومه، وفي النهاية، سوف نكون مجبرين على اللجوء إلى خيار الترميم بعدما ينهار كل شيء على الرؤوس. ولا تحدثوني عن بديل، إننا سنحصل فقط، من الآن حتى فترة طويلة، على بدلاء تحت الخدمة مثل البيجيدي تماما.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي