تفاصيل اختلاس 6 مليارات سنتيم من قباضة الجمارك في مراكش

31 يوليو 2020 - 09:40

تفاصيل مثيرة عن اختلاس حوالي 6 مليارات سنتيم من مالية إدارة الجمارك بمراكش تكشف عنها وثائق ملف قابض الجمارك السابق بالمدينة، الذي قضت ضده غرفة الجنايات الابتدائية، بتاريخ الأربعاء 22 يوليوز الجاري، بـ 12 سنة سجنا نافذا وغرامة نافذة قدرها 100 ألف درهم (10 ملايين سنتيم)، وبإرجاعه مبلغا متهما باختلاسه يصل إلى 59.590.025.02 درهم (أكثر من 5 مليارات و959 مليون سنتيم) لخزينة الدولة المغربية، وبأدائه تعويضا مدنيا لفائدتها قدره 5 ملايين درهم (500 مليون سنتيم)، بعدما توبع بجناية “اختلاس أموال عامة وخاصة موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته”، وبجنح تتعلق بـ”التزوير في وثائق تصدرها إدارة عامة إضرارا بالخزينة العامة واستعمالها، والتزوير في وثائق المعلوميات إضرارا بالغير واستعمالها”.

استنتاجات قضائية

خلص قاضي التحقيق بغرفة جرائم الأموال باستئنافية مراكش، يوسف الزيتوني، إلى أن التحقيق الإعدادي أنتج أدلة كافية على ارتكاب المتهم لجناية “اختلاس أموال عامة”، موضحا أنه ورغم نفيه اختلاس المبلغ المحدد من طرف إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، فإنه أقرّ، في المقابل، بأن العمليات المحاسباتية الممسوكة بأرشيف إدارة الجمارك لم تكن مطابقة لتلك المقدمة للخزينة الجهوية، واعتبر القاضي الزيتوني، في الأمر الصادر عنه بإحالة المتهم على المحاكمة، بأن هذه الأفعال كانت تتم من أجل التغطية والتستر على المبالغ المالية التي كان يختلسها، إذ إن الوثائق المحاسباتية التي كانت تتسلمها إدارة الجمارك كانت تتضمن بيانات صحيحة، فضلا عن اعترافاته التي تزكيها التقارير المنجزة من طرف لجان التفتيش المركزية التابعة للإدارة نفسها.

وتابع قاضي التحقيق بأن المتهم كان يستعمل المفتاح PKI (المتعلق بتقنيات المعاملات المالية على الأنترنيت) الخاص بأمين الصندوق، والذي يبقى مثبتا بجهاز الحاسوب على مستوى صندوق القباضة، في عمليات الاختلاس.

ومن أجل إخفاء هذه العمليات، أكد قرار قاضي التحقيق أن المتهم كان يعمد إلى تأخير دفع بيان العشرية الثالثة من شهر دجنبر، وانتظار تحصيل إيرادات شهري يناير وفبراير المواليين لتغطية النقص الحاصل في الأموال التي يختلسها، كما كان يقوم بالأداء على مستوى النظام المعلوماتي للإدارة بواسطة شيكات وهمية لتبرير المبالغ المالية المسحوبة.

وطالت عمليات الاختلاس حتى الأموال بالعملة الصعبة، التي تكون عادة مودعة بوكالة بنك المغرب باسم القابض، إذ عمد المتهم إلى سحبها والاستيلاء عليها، ويتعلق الأمر بمبلغ 850 ألف أورو محجوز في قضية اتجار دولي في المخدرات، و800 ألف أورو محجوز في قضية مخالفة قانون الصرف، و900 ألف أورو لم يحدد قاضي التحقيق الملف موضوع حجزه.

شكايات إدارة الجمارك

قضية الاختلاس تفجرت إداريا في البداية، فبعدما قضى حوالي 17 سنة قابضا بالدائرة الجمركية في مراكش، انتقل المتهم إلى مدينة آسفي في إطار الحركة الإدارية، ولم تكد تمر سوى أيام قليلة بعد ذلك وتعيين قابض جديد مكانه، حتى تقدم المدير الجهوي للوسط الجنوبي، نيابة عن المدير العام لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، بشكاية إلى الوكيل العام للملك لدى استئنافية مراكش، بتاريخ 31 يناير 2017، جاء فيها أنه وبناءً على بحث إداري شُرع فيه، ابتداءً من اليوم السابق للشكاية، من لدن كل من المدير الجهوي للجمارك بمراكش ورئيس الدائرة الجمركية، بمقتضى إخبارية من قابض الجمارك الجديد، تم الوقوف على “مجموعة من الاختلالات والتلاعبات المحاسباتية الخطيرة تسبب فيها قابض الجمارك السابق”، وقدّر التحقيق الأولى المبلغ المبدّد في مليون درهم (100 مليون سنتيم)، ولفتت الشكاية إلى أن لجنة تدقيق مركزية ستتولى تعميق البحث الإداري وتحديد المبلغ النهائي المختلس.

كما أشارت الشكاية إلى أن القابض السابق توارى عن الأنظار أثناء التحقيق الإداري معه، بشكل يبدو معه الأمر متعمدا، ونظرا لخطورة الأفعال المرتكبة، وما قد تشكله من جريمة “اختلاس أموال عمومية”، فقد طالبت النيابة العامة بإصدار أمر بالإغلاق الفوري للحدود في وجهه، من أجل منعه من مغادرة التراب الوطني، كإجراء احترازي في انتظار استكمال التحقيقات الإدارية وحصر قائمة المخالفات المحتملة المنسوبة إليه، وتحديد المبالغ النهائية المختلسة.

شكاية ثانية وجّهتها الإدارة عينها، بتاريخ 13 مارس 2017، إلى الوكيل العام بمراكش في شأن “اختلاس أموال عامة من طرف موظف عمومي”، موضحة فيها بأن القابض الجمركي السابق، “ح.م” (44 سنة)، الموقوف مؤقتا عن العمل، كان يزاول مهنته كقابض للجمارك بمراكش لأكثر من 16 سنة متواصلة، بين فاتح يناير 2000 و30 شتنبر 2016، قبل أن ينتقل للعمل بقباضة آسفي في إطار الحركة الإدارية.

هكذا كانت تُختلس أموال الجمارك في مراكش

أخبر قابض الجمارك الجديد رؤساءه بوجود اختلالات واختلاس لأموال عمومية ضبطها خلال تقديمه لحساب نهاية السنة المالية، برسم 2016، إلى الخزينة الإقليمية، التي أشعرته باختفاء مبلغ 36.591.904 دراهم (أكثر من 3 مليارات و659 مليون سنتيم).

لم تنتظر إدارة الجمارك طويلا، فقد أوفدت لجان تفتيش تابعة للإدارة المركزية لإجراء تحقيقات إدارية، وأسفرت المهمة التفتيشية الأولى، خلال الفترة الممتدة من 2 إلى 6 فبراير 2017، عن تحديد المبلغ المختلس، خلال الفترة الممتدة من فاتح يناير 2009 حتى 30 شتنبر من 2016، في 36.734.037 درهما (أكثر من 3 مليارات و673 مليون سنتيم)، مشيرة إلى أن البحث المحاسباتي لازال متواصلا من طرف المصالح المركزية لإدارة الجمارك لتحديد المبلغ النهائي المختلس، وللمسؤوليات المحتملة عن هذه الاختلاسات.

وكشفت لجنة التفتيش المركزية ما وصفته في تقريرها بـ “الأساليب الإجرامية التي كان يسلكها القابض السابق في اختلاس الأموال العمومية”، موضحة بأنه كان يمسك محاسبتين اثنتين، واحدة صحيحة يحتفظ بها في القباضة مطابقة للعمليات المسجلة في ذاكرة الناظم المعلوماتي لإدارة الجمارك، المسمى “بدر”، والثانية مغلوطة، يقوم المتهم ببتر وتشطيب سطور منها تتعلق بالمبالغ المختلسة، إما نقدا أو عبر الشيكات البنكية التي كان لا يحولها إلى وكالة بنك المغرب، كما تنص على ذلك المحاسبة العمومية.

وتابع تقرير لجنة التفتيش بأن القابض السابق كان يختلس مبالغ مالية بالعملة الصعبة المحجوزة في قضايا مختلفة، التي يُحتفظ بها لدى بنك المغرب في حساب مفتوح لهذا الغرض في اسم قابض الجمارك، الذي له حق التصرف فيه بالإيداع أو السحب للمبالغ المالية جملة أو مجزأة وفق المسطرة القانونية المعمول بها في هذا الشأن.

وبتاريخ 27 شتنبر من 2019، أصدر مدير الحسابات العمومية، نيابة عن وزير المالية، قرارا يحدد المبلغ النهائي المختلس في 59.590.025 درهما (أكثر من 5 مليارات و950 مليون سنتيم)، معتبرة القابض المتهم مدينا تجاه خزينة الدولة بهذا المبلغ.

شكاية تكميلية

تقدمت إدارة الجمارك والضرائب بشكاية تكميلية ضد أمين الصندوق بقباضة الجمارك في مراكش، “ع.ز” (54 سنة)، موضحة بأن المشتكى به الثاني كانت تكلفه القباضة بدفع الشيكات إلى بنك المغرب ووثائق المحاسبة إلى الخزينة الإقليمية، متهمة إياه بأنه لم يبلّغ الإدارة عن العمليات التدليسية لرئيسه في العمل، رغم أنه كان على علم بأن بعض العمليات التي يقوم هذا الأخير لم تكن مطابقة للحقيقة، ناهيك عن أنه استخلص هو نفسه مبلغا ماليا من صندوق القباضة لفائدته مقابل شيك بنكي شخصي، وهو فعل قالت الشكاية إنه ممنوع بمقتضى ظهير المحاسبة العمومية.

واستمعت الضابطة القضائية، خلال مرحلة البحث التمهيدي، إلى أمين الصندوق، الذي بدأ حياته المهنية كجمركي وعمره يبلغ بالكاد 20 سنة، كما استنطقه قاضي التحقيق ابتدائيا وتفصيليا، قبل أن يقرر هذا الأخير عدم متابعته من أجل جناية “المشاركة في اختلاس أموال عامة وخاصة موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته”، وجنح “المشاركة في التزوير في وثائق تصدرها إدارة عامة إضرارا بالخزينة العامة واستعمالها، والمشاركة في التزوير في وثائق المعلوميات إضرارا بالغير واستعمالها”، وبحفظ الملف في شأنه بكتابة ضبط التحقيق إلى حين ظهور أدلة جديدة، معللا قراره بنفي المتهم في كافة مراحل البحث والتحقيق التهم، فضلا عن إفادة الشهود، خاصة رئيس الدائرة الجمركية، الذي أفاد بأنه أمين الصندوق، وإن كان ارتكب بعض الأخطاء الإدارية من قبيل تركه مفتاحه مثبتا بالصندوق، فليس هناك ما يثبت بأنه كان يشارك القابض السابق في عمليات الاختلاس، فيما أكد ثلاثة موظفين، في شهادتهم أمام قاضي التحقيق، بأنهم كانوا يعاينون القابض السابق يدخل إلى مكتب أمين الصندوق يستعمل مفتاحه الخاص المثبت بجهاز الحاسوب، أما بخصوص الشيك المسحوب باسمه بمبلغ 1500 درهم، فقد اعتبر قاضي التحقيق العملية “لم تمس المالية العامة لإدارة الجمارك، بقدر ما هي مخالفة لقانون المحاسبة الإدارية”، مستندا في ذلك إلى إفادة لرئيس الدائرة الجمركية.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي