يونس الخراشي يكتب: حديقتنا الخربة

08 أغسطس 2020 - 18:00

ما حدث قبل مباراة المغرب التطواني والرجاء الرياضي، عن مؤجلات البطولة الوطنية لكرة القدم، يستحق وقفة. فقداختلف الناس حول الأصح، هل الإقرار أم التأجيل، دون أن يقفوا عند الأهم، وهو صحة اللاعبين الجسدية والنفسية،ومشاعرهم قبل وأثناء وبعد المباراة.

ما الذي حدث بالضبط؟

كل ما في الأمر أن المباراة، التي كان مبرمجا أن تجرى في ملعب سانية الرمل بتطوان، مساء الأربعاء 05 غشت، سبقهاالإخبار بإصابة لاعبين اثنين من لاعبي الفريق المستقبل بفيروس كورونا. ثم انطلقت المواقع، وصفحات «السوشلميديا»، ورسائل الواتساب، وحتى بعض الإذاعات الخاصة، في التسابق؛ حد التراشق، بالحديث، مرة عن الإلغاء،وأخرى عن الإقرار، وغيرها عن التأجيل، وفي مرة عن فرض الحجر الصحي على لاعبي المغرب التطواني، وهكذا، إلى أنأعلن الحكم بداية المواجهة.

ولكم أن تتخيلوا كيف عاش لاعبو الفريقين، ومسؤولوهما، خاصة لاعبي الفريق التطواني، تلك الساعات التي سبقتالمباراة، وسط أجواء قاسية، وصاعقة، وسط الترقب، والتهيؤ، والتخيل، وشد الأعصاب، والتوقع، في انتظار أي جديديخص صحتهم أولا، وصحة زميليهما، ثم مصير المباراة، التي لا شك أنها صارت، في تلك الأثناء، آخر همومهم. فهل يعقلأن ينشغل «المخالط» ومن سيلاعبه، مرغما، بشيء غير مصيره المحتوم؟

وقد كان مفهوما أن يتساءل الجمهور عن الخبر اليقين. فالمباراة مهمة جدا بالنسبة إلى الفريقين معا، إذ إن نتيجة إيجابيةللتطوانيين كانت ستجعلهم يتقدمون في الترتيب إلى الأعلى والأهم، ونتيجة إيجابية للرجاويين كانت ستمنحهم فرصةمزاحمة غريمهم الوداد في المقدمة (التصدر مؤقتا)، في انتظار ما ستؤول إليه النتائج المتبقية. غير أن الخبر في زمنكورونا لم يكن متاحا بسرعة وبدقة. والدليل يمكن الوقوف عليه بالرجوع إلى المنشورات الكثيرة على المواقع الإخباريةوصفحات «السوشل ميديا» والإذاعات الخاصة، حيث استمر القيل والقال إلى أن بدأ اللقاء. وأي لقاء هو؟

الذي لم يكن مفهوما بالمرة هو الانتهاء بالمباراة إلى تكرار مهزلة «القائدة في الملعب». فقد تبين، من خلال التضارب، أنهناك جهة تأخذ بعين الاعتبار تطور الوضع الوبائي في المغرب، وتريد بوضع لاعبي المغرب التطواني في الحجر الصحيأن تعطي صورة عن التعاطي الصارم مع التفشي، في وقت ترى جهة أخرى أن أي تأجيل أو إلغاء للمباراة من شأنه أنيهدم ما بنته من برمجة، وترتيبات، لإنهاء الموسم، وبالتالي، إعلان فشلها في تدبير الأمور؛ حتى وإن كان اللعب سيطرحتساؤلات كثيرة، لعل أبسطها: «ما الفارق بين مباراة تطوان ومباراة تمارة، حيث دخلت قائدة بالزي العسكري إلى الملعب،ومنعت إجراء المواجهة، حفاظا على صحة اللاعبين، والناس أجمعين؟».

يمكننا أن نهضم ما حدث مساء الأربعاء، بفعل وجود متدخلين كثيرين في الواقعة، فضلا عن تشابك وتعقد الظرفيةالمحيطة بالمباراة. غير أن الذي لا يمكن استيعابه، هو المخاطرة بصحة اللاعبين ومن معهم. ففي كل الأحوال، ثبت، رسميا،أن لاعبين اثنين من المغرب التطواني أصيبا بالفيروس، وصار زملاؤهما يعدون، نتيجة لذلك، من المخالطين الذين يجب أنيخضعوا للحجر. ولم يكن ممكنا، بأي حال، ضمان سلامة الباقين، في حال إجراء المواجهة، من العدوى.

والدليل المادي الملموس على ما سبق، أنه تقرر إجراء تحاليل مخبرية لكل اللاعبين حال نهاية المواجهة. وهو ما حدثبالفعل، إذ أجريت تحليلات للاعبي المغرب التطواني، بالملعب، في وقت أجريت تحليلات للاعبي الرجاء، بالفندق. ولكم أنتتخيلوا، مرة أخرى، كيف بات اللاعبون، ومن معهم، ليلتهم تلك. وأي هواجس مست مشاعرهم، وأي خدش أصابنفسياتهم، وهم ينتظرون النتيجة. وبالقطع، فجميعهم نسي نتيجة المباراة، لأنها لم تعد تهم في شيء. فالأهم هو البقاءعلى قيد الحياة، وبصحة جيدة. في وقت نسي أغلبنا مصير اللاعبين، ومن معهم، ومشاعرهم ونفسياتهم وصحتهم، وظليفكر في سبورة الترتيب، والنتائج المقبلة، ومن سيربح اللقب. يا للبؤس.

وبعيدا عن الأسئلة التي قد تطرحونها اللحظة وأنتم تقرؤون، وتخص كل هذا «العبث» المرتبط بإجراء مباراة في كرةالقدم، فإن الذي يتعين الانتهاء إليه شيء واحد، وهو إعادة النظر في الشأن الرياضي كله، بحيث يخضع لميثاق جديدينتظمه، ويكون فيه الأساس المتين هو صحة اللاعب (منظمة اليونسكو تستعمل مصطلح اللاعب عوض الرياضي). ذلكأن نظام السوق، الذي أرساه الأمريكيون، خاصة في رياضة «السوكر» (الكرة الأمريكية)، وأخذ به الباقون، لغرضجذب رؤوس الأموال، والفوز بالأسماء الموهوبة، وإرضاء الجماهير، أفضى إلى مآس فظيعة، قد لا ينتبه إليها الكثيرون،لكن الضمير الرياضي سيبقى محتفظا بها إلى الأبد.

الرياضة ليست مجرد تنافس للفوز بشيء ما. إنها أشبه بحديقة سحرية يدخلها الناس كي يستشفوا من أمراضهمالاجتماعية والنفسية، وليتعلموا حسن الأدب مع الغير، وصيانة النفس من الأذى. ولأن العالم صار يمشي على رأسه، فقدأصبحت الرياضة اليوم، ويا للأسف، أحوج من غيرها إلى أن تلج الحديقة؛ الأصل/المرآة، حتى تستشفى مما علق بها منأمراض الناس ومخلفاتهم البئيسة. هذه ضرورة ملحة، هنا والآن. غير ذلك، ستنزاح الرياضة، يوما بعد يوم، عن حقيقتها،لتصبح، بفعل الصراعات التي تدار حولها، مجرد «خربة» كانت يوما ما حديقة. وسيتحسر عليها الجميع، إلا الذينيفكرون في تحويلها إلى شيء ينفخ أرصدتهم، ويقولون لك بلا حياء: «من أجل الرياضة». 

أخيرا، فجماهير المقاهي، المحتشدة بلا مدرجات، وبلا تباعد، وبلا كمامات، وبلا تحاليل، تحييكم، وتنتظر بقية المبارياتعلى أحر من «الحجر».. لا أعادها الله.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

laymi,a منذ 3 سنوات

salam mr kharachi,big thanks from a friend of your youth days ,laymi from london,thanks again

التالي