إسماعيل حمودي يكتب: ما وراء تحالف الإمارات وإسرائيل

28 أغسطس 2020 - 18:40

 يعكس التحالف الإماراتي الإسرائيلي عدة أمور تحتاج إلى بيان؛ أولا، يؤكد الاتفاق صراحة وبصفة رسمية موت النظام العربي، فالجامعة العربية ابتلعت لسانها وكأن شيئا لم يحدث، بينما الاتفاق أتى على كل المبادرات والقرارات التي صدرت عنها دفاعا عن القضية الفلسطينية. في 1979، أقدمت الجامعة على تجميد عضوية مصر بسبب إبرامها اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، لكن تلك الخطوة يبدو أنها صارت مجرد ذكرى من الماضي، ولن تتكرر مع الإمارات أو غيرها، إذ لا يبدو أن الدول العربية الرئيسة مثل مصر والسعودية ستسمح بعقد اجتماع للجامعة العربية مثلا، للنظر في متطلبات الاتفاق، وهل يجب تعديل مبادرة السلام العربية أم يجب إلغاؤها. إنه العجز العربي. ثانيا، صحيح أن السعودية أعلنت تشبثها بمبادرة السلام العربية، لكنه يبدو موقفا شاردا في السياق السعودي الذي تغيّر كثيرا في السنوات الثلاث الماضية، كما تعبّر عن ذلك مواقف ولي العهد محمد بن سلمان ومجموعته. وعليه، قد يكون موقف الرياض من الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي ظرفيا مرتبطا بحسابات تتعلق بالانتخابات الأمريكية واحتمال صعود الديمقراطيين، بحيث قد تؤجل أي اتفاق مع إسرائيل لتقدمه ثمنا مناسبا لإدارة جو بايدن وجماعته؛ وقد يكون الموقف مرتبطا بالتوازنات داخل منظمة المؤتمر الإسلامي، حيث ترفض السعودية عقد اجتماع للمنظمة للنظر في سياسات الهند القمعية تجاه إقليم كشمير، ما جعل علاقاتها مع باكستان في تدهور مستمر، تستغله دول منافسة لها مثل تركيا وإيران لدحرها عن زعامة العالم الإسلامي. ثالثا، من الآن فصاعدا ستبحث كل دولة عربية عن حليف يحميها في الإقليم، وإذا كان النظام الإماراتي رأى في إسرائيل حليفا مفيدا له، فمن المرجح أن تلتحق به أنظمة أخرى، وقد يكون البديل المفضل لدى البعض الآخر هو إيران أو تركيا أو غيرهما. لم يعد التحالف مع السعودية أو مصر كافيا في نظر البعض، لأن مصر مثلا، التي لها مقومات القوة والقيادة العربية، يقودها نظام يفتقر للرؤية، ويقضي كل وقته في مقاومة الفشل. الأدهى من ذلك أن أمريكا نفسها لم تعد حليفا موثوقا به لدى هذه الأنظمة، بعدما تحولت أمريكا في عهد الرئيس ترامب إلى مجرد “زطاط” تقدم حمايتها لمن يدفع أكثر، وفي ظل وجود بدائل أخرى في الصين وروسيا.

إنها تحولات عاصفة تستدعي قراءة الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي في ضوئها، فالتوجه الإماراتي ينبغي فهمه لا اتهامه، إذ من السهل رميه بالخيانة، لكن الاتهامات لا تساعد أبدا على فهم الخلفيات والدوافع المحركة، خصوصا وأن الدور الإماراتي في المنطقة ليس جديدا، بل بات محركا أساسيا للأحداث منذ عقد ونصف تقريبا، ليس بفعل أموال النفط كما قد يتصور البعض، بل لاعتقاد حكامها بأن النموذج الذي يمثلونه يصلح للتعميم.

تعتقد الإمارات أنها قادرة على لعب دور الدولة الإقليمية في المنطقة، بدل تركيا وإيران، وتزعم أنها بإمكانها توظيف دول كبرى مثل السعودية ومصر في مشروعها، كما تدرك أيضا أن تقدم مشروعها في المنطقة رهين بالتحالف مع قوة إقليمية أساسية تقبل العمل معها من الخلف، وهو ما وجدته في إسرائيل، لماذا؟

ما يجمع الإمارات وإسرائيل هو تصورهما المشترك للتهديدات التي تواجههما. كلاهما يعتقد أن التهديد الرئيس في المنطقة مصدره إيران وتركيا والإسلام السياسي. ليست إسرائيل، وفق هذا المنظور، هي التهديد الرئيس باعتبارها قوة استعمارية إحلالية في فلسطين، بل حركة حماس وتنظيمات الإخوان المسلمين والعثمانيون الجدد في تركيا ونظام الملالي في إيران وأذرعه في العراق ولبنان واليمن وسوريا. وهو تصور أمني يميني متطرف، صُنع في دهاليز غربية وصهيونية، ويتم تسويقه منذ عقود على أنه الحقيقة، وهي منه براء.

وإذ تتبنى الإمارات هذا التصور، فهي تنطلق في ذلك من منظور ضيق جدا، يستحضر حصرا مصالح أمن النظام في الإمارات كما يتصورها حكامه هناك، دون مراعاة للأبعاد العربية أو الفلسطينية للموقف، مؤقتا على الأقل، ما جعل الإمارات تبدو وكأنها تنصلت من القضية الفلسطينية تماما، ومن التضامن العربي، كذلك.

ومن نتائج ذلك، أن ما اعتبره البعض جرأة في الموقف، يعد في الوقت عينه نقطة ضعفه الفادحة، التي قد تكلف الإمارات أكثر مما تتوقع ربحه. لأنها في النهاية، ومهما صمد هذا التحالف، ستجد نفسها قبالة إيران التي تجمعها بها الجغرافيا، وربما محاطة، أيضا، بقواعد عسكرية تركية في عمان واليمن وقطر، لأن تركيا تنتمي، كذلك، إلى التاريخ وإلى المنطقة عينها.

لذلك، لا يبدو أن التحالف الإماراتي الإسرائيلي بمقدوره تغيير أشياء كثيرة في واقع المنطقة، فلا هو قادر على هزيمة إيران أو تحييد تركيا، ولا هو قادر على تنحية الإسلاميين. وبالطبع، لا يمكنه تجاوز القضية الفلسطينية مهما كان حجم المناورات والمساومات، لأنها قضية إنسانية وعادلة. لكن من الراجح أن يؤدي التحالف الجديد إلى تعميق الانقسام والاستقطاب بين الأنظمة في المنطقة، بل وتوسيعه، خصوصا في شكله الحالي القائم منذ 2011، وربما يتعمق أكثر في ظل تنامي دور قوى دولية أخرى مثل روسيا والصين، والمؤسف أن كل ذلك سيكون على حساب حقوق الشعوب العربية في الديمقراطية والحرية والعدالة..

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواطن منذ 3 سنوات

هناك احتمال آخر و هو سعي مخمد بن زايد إلى الإستفراد أكثر بالسلطة على حساب الإمارات الأخرى و بالأخص إمارة دبي و (لما لا ؟) تغيير النظام الفيديرالي القائم بمملكة أو سلطنة "زايدية". و في هذه الحالة، تزكية امريكا يضمنها الحليف الإسرائيلي.

التالي