بلال التليدي: أحذر من بروز "ظاهرة لشكر" في العدالة والتنمية - حوار

17 سبتمبر 2020 - 22:00

مع اقتراب موعد الانتخابات، بدأت تظهر مواقف داخل حزب العدالة والتنمية تنتقد مسار الحزب، خاصة خلال فترة ولاية سعد الدين العثماني، منها ما عبر عنه بلال التليدي، عضو المجلس الوطني، في مقال سبق أن نشرته “أخبار اليوم”. في هذا الحوار يشرح بلال خلفيات وأبعاد موقفه..

 

أثار مقالكم المنشور مؤخرا في جريدة “أخبار اليوم”، حول وضعية حزب العدالة والتنمية، غضب بعض قيادات الحزب، خاصة وأنك عضو بالمجلس الوطني. ما دواعي التعرض بالنقد الشديد للحزب في هذه الظرفية؟ هل هو مجرد رأي؟ أم إعلان عن دينامية محسوبة على تيار سياسي داخل الحزب؟

منذ مدة وأنا بعيد أو ربما مبعد عما يدور داخل الأجهزة القيادية للحزب من نقاشات ومواقف وتمثلات وردود أفعال، وما كان لي أن أخوض في هذا الموضوع لولا الرأي الذي حاولت بعض القيادات تسريبه إلى الإعلام خارج التقاليد المؤسسية الحزبية بخصوص “التقليص الذاتي” لحجم المشاركة في الانتخابات، وصمت للقيادة امتد طويلا، قبل أن تضطر بفعل ضغط الداخل الحزبي إلى الإعلان عن موقف بهذا الخصوص. هذا الرأي صراحة هو الذي حفزني على الكتابة، لأنه يمثل في نظري النتيجة التي انتهى إليها الاجتهاد السياسي الذي أطر مرحلة ما بعد إعفاء الأستاذ بنكيران، إذ بدل أن تكون اللحظة محطة لإبراز النتائج التي انتهى اليها هذا الاجتهاد، وهل نجح في الخروج من واقع الانسداد الذي مثلته لحظة البلوكاج السياسي، أم أنه نتج واقعا أسوأ، أجهز حتى على شروط المقاومة التي كان الحزب يواجه بها لحظة البلوكاج، وتداعي القوى السياسية لعزل العدالة والتنمية وإفشال تجربة الإصلاح الديمقراطي. كما أن الأجواء التي تطبع المشاورات حول القوانين الانتخابية، وهيمنة روح الكتمان على مواقف الحزب من جهة، وتكتيكات النخب الأخرى من جهة أخرى، أعطى الحافز الثاني لفتح هذا النقاش السياسي، الذي أفترض أنه طبيعي وحيوي داخل حزب ديمقراطي، يعتبر الحرية في الرأي، والمسؤولية في النقد، أداتين من أدوات تطوير وترشيد الخط السياسي. لا أعرف إن كان المقال أحدث موجة غضب من قيادة الحزب، وإن كان بعضهم عبر لي بصريح العبارة عن أن المسؤول عن الأزمة إن وجدت، فهو الأستاذ عبد الإله بنكيران، وأن مؤسسة الخطيب تتسع لمشاركة مفكري الحزب، بما يفيد انتقاده للتعبير العلني عن رأيي، لكن، إذا كان هذا هو الواقع، فإن الانزعاج من قبل البعض يؤشر على تحول في الحزب، وأن البعض يريد للحرية أن تضيق مساحتها داخله، حتى لا يسمع إلا الرأي السائد الذي تروجه القيادة. ولذلك، وحتى أكون واضحا، فما عبرت عنه، يبقى وجهة نظر شخصية، ولم يحصل لي أن دخلت في نقاش مع أحد حول الأفكار التي عبرت عنها، ثم إن القيادات، في كل مستويات الحزب ووحداته، يعلمون أن مشكلتي، إن كانت حقيقة مشكلة، أنني أرفض أن أكون تحت جلباب أي أحد.

من هذا القيادي الذي قال لك إن بنكيران هو الذي يتحمل مسؤولية الأزمة؟ وهل هذا صحيح؟

أتحفظ عن ذكر اسمه، وأنا لا أحب الدخول في لعبة الاصطفاف، فإذا كانت للرجل حساسية ما مع الأستاذ عبد الإله بنكيران فليخرج للتعبير عنها، فمساحة الحرية داخل الحزب الذي أعرفه تتسع لنقده ونقد غيره، أما بالنسبة إلي، فلا أخشى أن أعبر عن ٍرأيي بكل صراحة عن جذور الأزمة وبدايتها، لأن ما يهمني هو الفهم الذي يفضي في النهاية إلى البحث عن مخرج للانسداد الذي يعرفه الخط الفكري والسياسي للحزب. ولذلك، تحدثت عن أزمات سابقة مر منها الحزب، تفجرت أولاها مع أحداث 16 ماي الإرهابية، وما أعقبها من استهداف سياسي للحزب، إذ حصل قدر كبير من الاختلاف حول تدبير المرحلة، وكان من بين لوازم هذا التدبير السياسي الدعوة إلى التقليص من حجم المشاركة السياسية للحزب، الذي فجر خلافات في عدد من الدوائر التي كانت تصر على المشاركة في الوقت الذي صدر قرار بعدم المشاركة أو المشاركة في نصف الدوائر، ثم حصلت الأزمة أيضا مع نتائج انتخابات 2007، التي كانت محطة لتقييم الخط السياسي، والاجتهاد الفكري، والمسلكية التنظيمية، وتقديم جواب جماعي في حوار داخلي بإنتاج “أطروحة النضال الديمقراطي”، وفي الوقت ذاته، انتخاب قيادة سياسية قادرة على تنزيل مفرداتها في خط سياسي واضح. ثم جاءت لحظة الربيع العربي، وتبين بأن أطروحة النضال الديمقراطي تحتاج مكملات أو اجتهاد سياسي عملي، يرفع سقف التطلع السياسي، ويفاوض بالحراك للضغط من أجل إقرار إصلاحات دستورية وسياسية استباقية، فظهرت المفردات الإصلاحية الثلاث: الملكية، والاستقرار، والإصلاح. وتمت صياغة المعادلة الإصلاحية: “الإصلاح في ظل الاستقرار”، ثم وجد الحزب نفسه بعد تصدره للانتخابات، وقيادته للحكومة، في وضعية سياسية معضلة، تحتاج اجتهادا سياسيا آخر، نحته الأستاذ عبد الإله بنكيران مع القيادة الجماعية للحزب، من خلال المزاوجة بين خط تنزيل الإصلاحات بشراكة مع السلطة، وبين خط مواجهة القوة الثالثة، بخطاب سياسي وتواصلي يجعل الجمهور في قلب المعركة معها، ثم جاءت أزمة أخرى، ربما كانت هي الأشد على الحزب، وربما كانت سببا لما بعدها، وهي المتعلقة، بالجواب عن سؤال انسداد الصيغة الإصلاحية، وذلك قبيل انتخابات 2016، بعد ظهور مؤشرات على وجود إرادة لإنهاء تجربة الحزب في قيادة الحكومة، وبروز تكتيكات لإبعاد بنكيران عن قيادة الحزب.

كيف تعامل الحزب مع هذه الأزمات؟

أستطيع أن أجزم أنه في كل الأزمات الماضية التي مرت على الحزب، كانت الأطروحة والآلية الديمقراطية هي الجواب الجماعي الذي مكن الحزب من الخروج من حالة الانسداد، وأن اللحظة الوحيدة التي لم يتم فيها اللجوء إلى هذا الخيار، هي لحظة بروز تلك المؤشرات، ويرجع ذلك إلى إكراهات اللحظة الانتخابية، التي لم تتح إلا حوارا قياديا مستمرا، أنتج في حده الأقصى تكتيك المقاومة، عبر التمديد في ولاية الأستاذ عبد الإله بنكيران سنة كاملة، وذلك حتى تواجه تكتيكات عزله من جهة، ويوفر الحزب شرط الوحدة الداخلية لخوض الاستحقاق الانتخابي.

ولذلك، كان هذا الجواب المقاوم محدودا في الزمن، إذ ما أن حقق الحزب الفوز في الانتخابات، وتم ترتيب المتعين دستوريا بقيادته للحكومة، دخلت عناصر مشوشة على جواب المقاومة، إذ رغم تكتيكات المقاومة التي أنتجها رئيس الحكومة المعين في إدارته للتحالفات، إلا أن الجواب الحزبي في الأخير بقي محدودا، بسبب اللجوء للآلية الدستورية من جهة، وبسبب بروز تعبيرات من طرف قيادات في الحزب تضعف تكتيك القيادة في تشكيل التحالفات، وربما أيضا بسبب عدم الجاهزية الفكرية والسياسية للتعامل مع قرار الإعفاء واستحقاقاته.

تقول إن فترة ولاية سعد الدين العثماني تميزت بعطالة الاجتهاد السياسي، وتوقف العقل النظري، ومسايرة مبادرات الدولة، أليس في ذلك تجنيا على قيادة الحزب؟

لا أكترث كثيرا بالأوصاف التي يمكن أن يقرأ بها التحليل الذي قدمته، فما يهمني بالدرجة الأولى هو مطابقة الواقع من عدمه، فما ألاحظه طيلة هذه الولاية، هو نوع من الارتباك والدهشة التي أنتجت انتظارية شديدة، أفضت في النهاية إلى الوقوع تحت الضغط، وفقدان المبادرة، والاكتفاء بمسايرة مبادرات الدولة، وهو ما سبق للخطاب الملكي أن انتقده على الأحزاب، إذ أنها لا تواجه المشكلات، ولا تقتحمها بمبادراتها الحيوية، وتتملكها رهبة من الفعل الاستباقي، خوفا من أن يفهم فعلها على أساس أنه تغطية على الدولة ومبادرتها. الذين ينزعجون من تحليلي ما عليهم إلا أن يقدموا الدليل بالمؤشرات على وجود مبادرات حيوية، أنتجها الحزب في هذه الولاية، بشكل مستقل عن الفاعلين، فهذا وحده ما يثري النقاش، ويدفع به نحو تطوير أداء الحزب وتجويده. أما أن تتم قراءة تحليلي في ضوء خلفيات سياسية مفترضة، أي أن أتهم بالطعن في القيادة، ومحاولة نزع مشروعيتها، لمجرد أني أدليت بهذا الرأي، فليست لدي أي مشكلة مع المشروعية الديمقراطية لهذه القيادة، إنما مشكلتي مع تدبيرها السياسي، وهذا حق محفوظ لكل مناضل داخل الحزب، فبالأحرى من كرس حياته للبحث في مسار الحركة الإسلامية ودراسة تحولاتها، ثم إن اللحظة السياسية، هي لحظة إعدادية لاستحقاق تنظيمي مفصلي، تفترض بالضرورة أن يتحمل المناضلون مسؤوليتهم في النقاش السياسي، الذي سيحرر إرادة الحزب ويدفعه نحو معالجة أزماته والخروج منها.

دعوت إلى صعود قيادة جديدة، لكن أحد أعضاء الأمانة العامة انتقد في تدوينة على الفيسبوك وجهة نظرك، ولمح إلى أن رؤيتك حالمة؟

لا أنزعج بالمطلق من الانتقادات التي تطال آرائي مع ما يعرف عني من عناد شديد في الحجاج، وأكون مسرورا جدا إن تمت صياغة الانتقادات الموجة إلى كتاباتي بالأدب اللازم، وأقر أن عددا من الإخوة يقدرون طريقتي في صياغة الأفكار، وابتعادي عن المس بالأشخاص والطعن في النيات والمؤسسات، وأقر أيضا أن أكثرهم يبادلني الاحترام اللازم في الرد على آرائي، مع نصيحة بعضهم لي بتخفيف النقد على الحزب، لكن، ما لاحظته أن الأخ محمد أمحجور، الذي ربما تقصده في سؤالك، لم ينقل بأمانة ما ورد في مقالي، وهو ما يتنافى ومقتضيات النقاش السياسي. فما قلته هو أن الأزمة الحالية ليست مثيلة لسابقتها (2007)، وأنه إذا كان الخروج من الأزمة في المرحلة السابقة تم عبر الجواب الجماعي، والآلية الديمقراطية، فإن الأزمة الحالية لا يكفي فيها ذلك، وأن الأمر يتطلب خطوة إضافية، هي أن تتجه القيادة الجديدة، المفرزة ديمقراطيا، إلى معالجة الداخل الحزبي، بما يقطع مع النفوذ الذي نحتته بعض النخب والشبكات التي نسجتها للحفاظ على مواقعها.

تستعمل عبارة قاسية حين تتحدث عن النخب والشبكات التي نسجتها للحفاظ على مواقعها داخل الحزب، وكأن الحزب تحول إلى لوبيات داخلية تدافع عن مواقعها، فهل تلمح إلى أن حزب العدالة والتنمية بات مهددا بما وصله الاتحاد الاشتراكي اليوم؟

ليست قسوة العبارة مهمة إن كان التشخيص صحيحا، فلست طارئا على الحزب، ولست أجهل التحولات التي يمر بها، والتركيبة السوسيولوجية التي انتهى إليها. ولدي أسئلة إن طرحتها سيكون من الصعب الجواب عنها دون الإقرار بتغير في الطبيعة السوسيولوجية للحزب، ونشوء نخب جديدة أضحت مهتمة أكثر ببناء النفوذ من خدمة المشروع الإصلاحي. يكفي أن يتم التساؤل عن الخلافيات التنظيمية الحادة التي نشأت بكثافة في عدد كبير من الفروع حول موقع “الكاتب الإقليمي” أو “الكاتب بالجهوي”، والتي تؤشر على هذا التحول. فالجميع يعلم أن هذه المواقع، في ظل عدم تقييد الانتدابات بولايتين، أضحت حاسمة بشكل كبير في تحديد التمثيل الانتدابي في المؤسسات المنتخبة، وأن حزب العدالة والتنمية لم يعد مختلفا في شيء عن الأحزاب التي عمر فيها بعض المنتخبين داخل المؤسسات المنتخبة عقودا من الزمن، بسبب عدم رغبة القيادة السياسية في تقييد مدة الانتدابات، ويمكن للقيادة أن تقدم توضيحا عن حالة القنيطرة، التي تفجر فيها خلاف النخب بشكل مأساوي حتى تكررت الاستحقاقات التنظيمية فيها أكثر من مرة بسبب المواقع، وأيضا بسبب صراع الأجيال، والشعور بأن بعض القوانين الداخلية أضحت أداة لصناعة النفوذ. لا أريد أن أستطرد أكثر، لأني أستطيع بما أملك من أسئلة متناسلة أن أدخل في محاججة علمية أثبت فيها ما هو أقسى من النتيجة التي عبرت عنا بلغة فيها كثير من اللياقة.

بهذا التشخيص، هل تتوقع أن يكون مصير العدالة والتنمية مثل مصير الاتحاد الاشتراكي؟

القوانين والسنن لا تحابي أحدا، فالصحابة رضوان الله عليهم جرت عليهم هذه السنن عند الاختلاف، وأتصور أن الحزب لم يصل بعد إلى الدرجة التي يعجز فيها عن الاستدراك واستعادة المبادرة، ما يلزمه في هذه المرحلة هو العودة إلى أساسياته المرجعية والقيمية، والدعوة إلى نقاش جماعي حر ومسؤول، يغيب فيه منطق الغلبة والتغلب، وتحرير القرار الحزبي، وتحقيق الاستقلالية من تدخل أو إيحاء أي فاعل سياسي، وإعطاء إشارة واضحة في الاستحقاق التنظيمي المقبل، على محورية الشباب في القيادة، وخلق صيغة لحفظ مكانة القيادة التاريخية، والتوجه بجرأة إلى سن قوانين تقلص من امتداد نفوذ الأشخاص على حساب المشروع الإصلاحي، ولو كان الثمن أن يقع تراجع انتخابي. فالفرق الرياضية التي تلجأ إلى التشبيب، غالبا ما تواجه هذه المصير بشكل ظرفي، لكنها تؤسس لمستقبلها، وتعطي الإشارة للأجيال القادمة إلى إمكانية أن يعيش الحزب ويمتد. ما عدا ذلك، أو عكس ذلك، سيجعل الحزب يواجه مصيرا أسوأ من مصير الاتحاد الاشتراكي، وربما سيتخلق في أحشاء المستقبل ما هو أسوأ من ظاهرة لشكر في الإمساك بالتنظيم والهيمنة عليه وخنقه، ثم بيعه بأبخس الأثمان لمن أعيتهم الوسيلة دون تحقيق أمانيهم في سقوطه.

 

لا علاقة لي بالمذكرة المجهولة الموجهة إلى المجلس الوطني

ما علاقتكم بالوثيقة المجهولة التي وجهت إلى مكتب المجلس الوطني للحزب، والتي تدعو إلى عقد مؤتمر استثنائي للحزب، وتحمل نقدا لاذعا لمسار الحزب؟ )عند إجراء الحوار، لم تكن المبادرة خرجت إلى العلن، فتمت إضافة السؤال في الأخير(..

لا علاقة لي بهذه المبادرة. أولا، هذه المبادرة، التي أتعرف عليها أول مرة عبركم، لم تذيل بأسماء مقدميها، وأنا لست من الذين يخفون وجوههم، ويعبرون عن آرائهم بهذه الطريقة. ثانيا، هذه المذكرة تنتقد قيادة الحزب وقيادة الشبيبة، ولم يعهد عني أني كتبت أنتقد الشبيبة، رغم أني غيبت أكثر من مرة بشكل غير مفهوم وعلى غير المعتاد عن نشاطاتها، وثالثا، اللغة التي كتبت بها بعيدة جدا عن طريقتي في التفكير والصياغة. ثم إني مجرد داعية أفكار، ولم يثبت أني في يوم من الأيام تبنيت أي مبادرة ذات طبيعة تنظيمية. أغلب الظن، من خلال استقراء لغة المبادرة، أنها صادرة من شباب بلغ به الغضب درجة عالية، فعبر بتلكم الطريقة التي تحتاج أن تستوعب رسالتها. وإذا حدثت أي مصادفة في التوقيت، فهذا يرجع إلى النفس العام السائد، الذي يحرك أسئلة حول أداء القيادة في هذه المرحلة ومدى الحاجة الملحة للاستدراك.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي