رشيد أوراز: ولا يمكن الرجوع إلى الوراء لتصحيح أخطاء الماضي في ملف المقالع -حوار

21 سبتمبر 2020 - 07:00

كيف يمكن بناء التوازن بين الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تنمية مستدامة قائمة على الحفاظ على الموارد الطبيعية والتوازنات البيئية؟

هذه إحدى أقدم المعضلات الاقتصادية؛ كيف يمكننا التوازن بين استهلاك الموارد وضمان استدامتها للأجيال المقبلة. منذ خمسينيات القرن الماضي بدأ الاقتصاديون التفكير جديا في الأمر، ويعتبر نموذج الاقتصادي لغاريت هاردين الموسوم بـ”تراجيديا الموارد المشتركة”، أهم الإسهامات العلمية في هذا المجال. ومنه بدأت الاقتصادية الأمريكية الينور أوستروم مسارها البحثي لتطور نظريتها الموسومة بـ”حكامة الموارد المشتركة من خلال الفعل التعاوني”، وكانت خلاصة أوستروم صادمة. إن الحكومة والسوق فشلا معا في تدبير الموارد الطبيعية، فكلا المقاربتين أديتا في نهاية المطاف إلى استنزاف الموارد، ومن خلال أعمالها أكدت أن العمل التعاوني (على شكل تعاونيات غير ربحية)، هو وحده القادر على ضمان الاستدامة والحفاظ على الموارد، لقد جعل هذا العمل من أوستروم أول امرأة تنال جائزة نوبل في الاقتصاد في تاريخ الاقتصاد السياسي سنة 2009. لكن أعمال أوستروم لم تغير من الواقع شيئا، ولا شك أنها لن تغير شيئا في المنظور القريب، وخصوصا في البلدان النامية، حيث لا يمكن للمواطن محاسبة الحكومات المتحالفة مع رأسماليات المحاباة الريعية التي تبذر الموارد من أجل ربح سريع ومضمون. إنها إذن معضلة مركبة، وستدفع الأجيال المقبلة ثمن هذا التهور واللامسؤولية.

يمثل نشاط جرف رمال البحر مخاطر كبيرة ومباشرة على التوازن الإيكولوجي للأحياء البحرية، وبصفة مباشرة مخاطر اقتصادية واجتماعية على أزيد من مليون مغربي يشتغلون في الصيد الساحلي والصيد التقليدي، ما هي قراءتكم لتحول اقتصاد الريع من عائق للتنمية الاقتصادية إلى مهدد للتوازنات الاجتماعية؟

لست مختصا في هذا المجال، ولا يوجد لدي، بالتالي، ما يكفي من المعطيات حوله، أقصد “استغلال رمال البحر”، لكن ما أقرأ من تقارير في الصحافة المغربية يؤكد أن الأمور لا تسير كما ينبغي في هذا المجال. والأمر ينطبق على استغلال موارد طبيعية أخرى. وبالإضافة إلى الأضرار الإيكولوجية لهذا الاستنزاف، فمن المؤكد أنه سيضر بالحقوق البيئية للأجيال المقبلة وفي ظني، وكما أكدت أعمال أوستروم التي تحدثت عنها، فالدولة ستكون عاجزة عن إيقاف هذا النزيف. كما أن السوق سيكون هاجسه الربح فقط، خصوصا في ظل الوضعية الريعية الحالية التي تنفلت من الامتثال للقانون. بإمكاني أن أقترح أن يكون السكان جزءا من تدبير هذه الموارد، في إطار شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني والخبراء المختصين، وأظن أنها التوليفة الوحيدة القادرة على ضمان استغلال أمثل لهذه الموارد، أما دون ذلك، فهذا النزيف سيبقى مستمرا.

أظهر التقرير نصف السنوي الذي تصدره جامعتي ييل وكولومبيا الأمريكيتين، بتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي، أن المغرب خسر 46 مركزا في مؤشر الأداء البيئي EPI، إذ انتقل من المرتبة 55 عالميا سنة 2018 إلى المرتبة 100 في النصف الأول من سنة 2020؟ ما هي التأثيرات المحتملة لهذه التقارير ذات الصلة بالأداء البيئي للمغرب على جاذبيته الاقتصادية وعلى مناخ الأعمال بصفة عامة؟

أصبح هناك اهتمام متزايد بأسئلة البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية ضمن استراتيجيات التنمية خلال السنوات الأخيرة، فقبل سنة مثلا (2018)، تم توشيح ويليام نوردهاوس بجائزة نوبل نظير مجهوداته في “دمج تغير المناخ في التحليل الاقتصادي الكلي على المدى الطويل”. وأعماله الأكاديمية وأعمال آخرين يهتمون بدراسة تأثر البيئة بالنشاط الإنساني، تفرض الآن على تقارير مراكز الأبحاث والمؤسسات المانحة إيلاء أهمية لموضوع البيئة، والحكومات التي لا تحافظ على البيئة مثل تلك التي لا تهتم بحقوق الإنسان، لن يصدقها أحد وستخرج من لائحة البلدان الجذابة للاستثمار وللسياحة في المستقبل القريب. يمكن للمتتبع أن يرى مثلا كيف ساهم تنظيم مؤتمر المناخ كوب 22 في مراكش في إشعاع المغرب، حيث بين مدى انخراط المغرب في نقاش عالمي حول الحفاظ على البيئة، ولا شك أن ذلك حسن من جاذبية البلد، لكن السياسة التي لا تأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى لا شك أنها ستؤثر سلبا على جاذبية البلد وعلى تطوره الاقتصادي في نهاية المطاف.

كيف تنعكس المخاطر البيئية على الأداء الاقتصادي للدول؟

هناك أولا مسألة تتعلق باستهلاك كل الموارد اليوم قبل الغد، وسنحرم بالتالي الآلة الإنتاجية للأجيال القادمة، ربما، من موارد مهمة للعيش. ثم هناك ما يتعلق بموضوع التغير المناخي، وهو موضوع مثير للجدل ولا إجماع حوله لحدود اليوم بين من يؤكدون وقوعه وبين من ينفون ذلك، لكن لنفترض أن تلك الفرضية صحت فعلا، آنذاك لا يمكن الرجوع إلى الوراء لتصحيح أخطاء الماضي. وهناك ما يتعلق بالاستهلاك المفرط للغطاء الغابوي، ويؤثر ذلك على التوازن الإيكولوجي في الأرض وعلى صحة الأفراد ربما بشكل من الأشكال. لا بد من وعي بهذه المخاطر، لكن في تقديري تغول التدبير الحكومي عبر العالم، وأعني به أن تحشر الحكومات أنوفها في كل مناحي الحياة المجتمعية، ساهم في تدهور البيئة. على مر التاريخ طورت المجتمعات البشرية علاقة وطيدة بالبيئة، لكن منذ قرنين بدأنا نعيش تدهورا بيئيا، وهذا لا يرجع فقط إلى تطور التصنيع، ولكن في المقام الأول إلى وجود حكومات مركزية تسهل على بعض اللوبيات الاستغلال المفرط للموارد البيئية. وقد حقق هذا نبوءة قديمة للفيلسوف الإنجليزي ديفيد هيوم (عاش بين 1711 و1776) لما قال: “الملكية العامة خربت الأرض مـــن خلال الاستخدام المفرط؛ لأنه لا أحد يحقق استــفادة تجــارية مـــن الحــفاظ عليها على الأمد البعيد”.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي