مصطفى بوكرن يكتب: قادة البيجيدي أيام زمان -1-

16 يناير 2021 - 07:00

هاتفني الشاعر والأستاذ المحترم فيصل أمين البقالي، في نونبر 2016، وهو مسؤول الإنتاج الفكري في حركة التوحيد والإصلاح، يطلب مني التفرغ لإنجاز عمل بحثي يتعلق بتاريخ الحركة الإسلامية المغربية. لم أكن أتوقع هذا الاتصال، فضلا عن أن أتوقع هذا الطلب. كان الأستاذ الفاضل يحفزني على قبول هذا العرض، لكنني كنت مترددا، لأنني غير متخصص في الموضوع، ولا أشعر بشغف الكتابة فيه. اهتماماتي العلمية والثقافية بعيدة كل البعد عن هذا النوع من الكتابة. لكن الرجل كان مصرا على إقناعي، واستطاع باقتدار أن يُبسِّط لي موضوع البحث، فهو موجز لتاريخ الحركة الإسلامية المغربية، هدفه التعريف بأهم المحطات في تاريخها، ولا يرمي إلى التدقيق والتحقيق في الأخبار الواردة بشأن شخصياتها، أو الأحداث ذات الجدل المستمر إلى الآن.

كانت حماستي تجاه الموضوع ضعيفة، وقبلت على مضض، وإن كان هذا عملا مقابل أجر، وفق عقد واضح. شغف الكتابة لم يتملك عقلي. فكرت في الموضوع، ووضعت تصميما أوليا. رحت أبحث عن المراجع التي تؤرخ الحركة الإسلامية المغربية، وأغلب هذا التاريخ موجود في الصدور لا في السطور، خاصة تاريخ النشأة. وجدت بين يدي مؤلفات الباحث الجاد بلال التليدي، الذي قام بمجهود متميز، في إجراء حوارات مع قادة الحركة، فأصدر هذا المجهود في أربعة أجزاء، تلقاه جمهور القراء بالقبول، لكنه لم يسلم من النقد والنقض، لأن هذا المجهود واجهته تحديات كثيرة، منها إقناع قادة الحركة بالحوار، فرفض بعضهم. ومن قَبِل، روى الأحداث من زاوية نظره، مسترجعا ما تختزنه ذاكرته، وآفة الحكي والنسيان، ما يعني أن الحقيقة لن تكون مكتملة، بل هي منقوصة، إن لم تسلم من التحريف.

أعدت كتابة تلك الحوارات، بترتيب ما جاء فيها ترتيبا تاريخيا، فآخذ، مثلا، «قصة النشأة»، وأجمع ما قاله هؤلاء القادة فيها، ثم أقارن؛ هل هناك اتفاق أم اختلاف؟ لكن، أحيانا، لا يقول القادة شيئا في حدث تاريخي معين، إما أنهم لا علم لهم، أو أن بعضهم يتحفظ، ويلوذ بالصمت. بدأت أرى الموضوع يتطلب مجهودا جبارا، في البحث عن الوثائق والاتصال بالشخصيات، وهذا يتطلب المزيد من العمل. بصراحة، كان الأستاذ فيصل يوفر لي كل ما أطلبه. ومِن الطُّرِف التي وقعت في مسار البحث، أن حاسوبي الشخصي تقاعد عن العمل، ووجدت نفسي في ورطة، فأخبرت فيصل، وقال لي بوضوح: هل نشتري لك حاسوبا؟ فرفضت، واخترت كتابة العمل في الأوراق، وساعدني صديق عزيز، حيث ترك لي حاسوبه مدة طويلة.

رقنت ما كتبته في الأوراق على الحاسوب، ثم أرسلت النسخة النهائية في يناير 2018، وجاءني الرد في مارس من السنة نفسها، أن لجنة التحكيم رفضت البحث، لأنه لم يلتزم بدفتر التحملات. لم أنزعج مطلقا من القرار، وحمدت الله، أن فيصل لم يشتر الحاسوب، وحمدت الله، أنني لم آخذ سنتيما واحدا. كل عمل، لا يراودك شغف كتابته في البداية، فاتركه، وإلا فالنتيجة ستكون مخيبة للآمال. دفعتُ دفعا إلى كتابة هذا العمل، وأتأسف لأنني لم أكن في مستوى توقعات الصديق العزيز فيصل.

هذه التجربة الفاشلة تضمنت في طياتها شغفا عظيما، كنت أريد نقله إلى القارئ في البحث، فرفضت اللجنة. هذا الشغف، تولد بمطالعتي اثني عشر مجلدا من أرشيف جرائد: الإصلاح، العصر، الراية، العدالة والتنمية. كان الأرشيف مثيرا لأنه يتضمن وثائق مهمة عن قيادات الإسلاميين الإصلاحيين، تؤرخ تصريحاتهم وحواراتهم ومقالاتهم. كنت أندهش، عندما أقرأ وصيتين لشابين مغربيين، ذهبا للجهاد في أفغانستان؛ الوصية الأولى، لأبي الطيب المغربي منشورة في جريدة الإصلاح في شتنبر 1989، والوصية الثانية لأبي الحسن المغربي منشورة في جريدة الراية في شتنبر 1991. دعم الجهاد في أفغانستان، ماديا وبشريا ومعنويا، كان في ذلك التاريخ عملا مشروعا، تحت سمع وبصر الدولة، ولعب الإسلاميون دورا مهما في هذا السياق. كان حشد الشباب لقتال الاتحاد السوفياتي عملا مطلوبا، وبعد مرور السنوات، اكتشف الناس حقائق أخرى، استعمل فيها «الجهاد» لأغراض لا علاقة لها بنصرة الإسلام.

أرى أن الجيل الذي عاش مع حزب العدالة والتنمية، منذ سنة 2011، لا يعرف الكثير عن قادة هذا الحزب. لا يعرف تطورهم السياسي في علاقتهم بالإسلام، حيث أكدوا أول مرة، عند ظهورهم، أنهم جاؤوا للدعوة إلى الله. ليس الغرض من هذه السلسلة المحاكمة ولا السخرية ولا الإدانة، إنما الهدف هو التأكيد أن خطاب الإسلام السياسي يؤثر فيه الواقع لا النص، وأن هذه الظاهرة ليست فوق تعقيدات التاريخ. يبدو أن توقيع العثماني على عودة «التطبيع مع إسرائيل» حدث مهم لإطلاع هذا الجيل على خطاب قادة البيجيدي أيام زمان، تجاه اليهود والكيان الصهيوني. هذا ما سنبدأ به، في الحلقة المقبلة، بإذن الله.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواطن منذ 3 سنوات

إغلاق المنبر جد وارد لكل الأسباب المُمكنة و المُمكن "إخراجها" و لو بتلفيقات واهية و تعليلات غير مُقنعة - و قد سبق. لكن قطعا لا في الحالة الإستثنائية التالية : نقد "البواجدة" و كل ما يُمكن "تعريتهم" موضوعياً.

م س منذ 3 سنوات

جمييييييل !

العربي زايؤ منذ 3 سنوات

بادرة محمودة إن كتب لها النشر.ولربما ستكون ذريعة لاغلاق هذا المنبر الحر الاخير...!!!؟؟؟

التالي