الشنا: لماذا نتردد إلى الآن في تلقين أبنائنا التربية الجنسية

22 يونيو 2017 - 21:40

منذ عدة سنوات وأنت تشتغلين على قضية الأمهات العازبات، هل أصبح المجتمع المغربي أكثر تسامحا مع هذه الظاهرة؟

يمكن أن نقول إن المجتمع المغربي بدأ يفتح عينيه، وبدأ يتعامل بشيء ولو قليل من الإنسانية مع هذه الظاهرة، وبدأ الآباء يتجاوبون قليلا إذا طرقت أبواب بيوتهم. إذن، لا أقول إن بابا قد فتح، بل هي مجرد نافذة فتحت. وهذا أمر طبيعي، لا يمكن أن يغير المجتمع نظرته كليا، بل لا بد من التدرج. الآن أصبحت الأم العازبة تمنح اسمها للطفل وهذا لم يكن في الماضي، ففي السابق كان الطفل يسمى «لقيطا». الآن يتم منحه اسما عائليا ولو مستعارا، رغم أني لست متفقة على ذلك، وأفضل أن يمنح الأب الطبيعي اسمه لابنه، لكن إذا لم يكن بوسع الأب والأم أن يتزوجا فينبغي ألا تضيع حقوق الطفل. وحتى ذلك الزواج إن تم فهو يكون مهزوزا، لأنه بني على أساس غير متين، لكني أشدد دائما على ألا تهدر حقوق الطفل وألا تضيع حقوق المرأة لأن مجتمعنا قاس، والمرأة لا تستطيع أن تنسى أنها أجهضت وتبقى دائما تتذكر ذلك، فبالأحرى منح طفلها أو التخلي عنه، فهذه مشاعر إنسانية قوية. أنا أحاول أن أجر الناس إلى الإنسانية. أنا أعلم أن هناك العديد من صور القسوة والظلم، فالرجل الذي يغتصب ابنته يكون «كبير شانو» أو «صغير شانو» فهو رجل مغتصب، اعتدى على ابنته أو أخته أو ابنة عمه، وهو فعل مشين. الرجل الذي يكذب على بنات الناس، ويعد فتاة أو سيدة بالزواج ولا يفي بوعده، ويكون قد نجمت عن علاقته بها حمل ثم تخلى عنها فهو مذنب، والمجتمع كله مذنب لأنه لا يقوم بالتربية الجنسية في البيت ولا في المسجد ولا في المدرسة. الغريب في الأمر أنه في ديننا وفي القرآن الكثير من الآيات تتضمن قواعد للتربية الجنسية، فهذه الآية، مثلا، كلها تربية جنسية: «اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق»، ماذا يكون العلق هو تلك البويضة والحيوان المنوي الذي يعطي الجنين سواء في البشر أو في الحيوان. الأطفال يتقبلون كل شيء، فلمَ لا يتم تلقينهم هذه المضامين؟ لا أعرف لماذا يتردد مجتمعنا في تلقين التربية الجنسية لأطفاله.

 

بماذا يرتبط غياب هذه التربية، في نظرك، بطبيعة المجتمع أم بغياب إرادة سياسية؟

كـأن الجميع يخاف هذا الأمر، أو ربما يخافون الجوانب السلبية. يخافون أن الفتاة إذا كانت لها ثقافة جنسية ربما ستحمي نفسها، ونصبح كالغرب في العلاقات، وتصبح الفتاة تعلم كيف لا تقع في الحمل، وتصبح «السيبة» في المجتمع. لكني أعتقد أنه إذا ربيت ابنتك تربية جنسية فستعرف كيف تحافظ على نفسها. التربية الجنسية إذا قمنا بها على أساس صحيح فلن تؤدي إلى وقوع الفتاة في الخطأ، ولن تقبل أن يتجرأ عليها أحد، ولن تصدق كلام «بغيني نبغيك» حتى تصل الأمور إلى مستوى آخر، ولتقيم علاقة جنسية ستشترط أن يكون هناك عقد شرعي لحمايتها وحماية الطفل. أما الكذب على الفتيات وزواج الفاتحة، فيلبي رغبة الرجل الجنسية، وحينما تقع الفتاة في الحمل يتركها، وهذا فعل مشين ومرفوض.

 

كنت قد قلت إن نصف الأطفال المغاربة في أفق 2030 سيكونون أبناء علاقات جنسية خارج الزواج، أليست نسبة مرتفعة جدا؟

لقد قلت ذلك بـ«الغدايد»، وأردت أن أقول إن النسبة في ارتفاع لأن عدد السكان يتزايد، والخطأ إذا كان ولو بنسبة واحد في المائة فهو سيزداد، لأن الناس يتكاثرون.

 

ولماذا تتزايد هذه الظاهرة، في نظرك؟ هل لأن الأسر تتفكك، أم إن العلاقات «تتحرر»؟

هناك تفكك في الأسر، والرجل لم يعد مسؤولا، فهو «غادي وطالق زريعتو» من خلال ربطه علاقات متعددة مع نساء متعددات وفي أماكن متعددة. الرجل له خصوبة 365 يوما على 365 يوما، وإذا أقام علاقات مع عدة نساء في اليوم نفسه يمكن أن يقعن في الحمل، أما المرأة فلها وقت محدد، فيمكنها أن تقع في الحمل مرة واحدة في الشهر، ويجب أن تنتظر تسعة أشهر أخرى. يجب ألا تقع الفتيات في خطأ اعتقاد أن العلاقات الجنسية السطحية قد تجنبهن الحمل، لأني استقبلت فتيات وقعن في هذا الخطأ وحبلن رغم حفاظهن على عذريتهن، وكن غير مستعدات للمسؤولية.

 

أليس هناك تأثر بنماذج اجتماعية أخرى في بلدان أخرى؟

البنت إذا كانت أمها واعية ولقنت ابنتها تربية جنسية فهذا يحميها، وإذا لم تقم الأم بهذا الدور، فمن المفترض أن يقوم به الإعلام، وعلى المسجد والجمعيات والمدرسة أن تقوم بأدوارها كي تتم توعية النشء والمجتمع.

 

يبدو أن هناك تناقضا، فمرة تدينين الفصل 490 من القانون الجنائي، الذي يجرم العلاقات الجنسية الرضائية خارج إطار الزواج، وأحيانا تقولين إنك لست مع نموذج الغرب والتحرر الجنسي؟

ذلك الفصل، في الحقيقة، يجب ألا يكون، وإذا ربينا بناتنا لكي يحتطن ولا يقعن في الخطأ فلن نكون في حاجة إليه، وذلك الفصل هو أصله من أيام الاستعمار الفرنسي من زمن بونابرت، أما هم في الغرب فقد تغيروا وتقدموا في الجانب المتعلق بالقوانين. ونحن أيضا يجب أن نجيب عن سؤال: هل هذا هو القانون الذي يجب أن نشتغل به اليوم أم لا؟

أنا مع الوقاية من الخطأ، وحين يقع الإنسان فيه يجب أن يصحح خطأه لكي لا يستمر في مراكمة الأخطاء، ويجب أن تلعب الدولة، من جهتها، دورا من خلال برامجها التربوية للحؤول دون الوقوع في الخطأ، والخطب في الجمعة هي أيضا يجب أن تلعب هذا الدور. إذن، هناك طرق بناءة للخوض في هذا الموضوع بعيدا عن منطق الإثارة والفضائح الذي لا يعالج المشكل، بل يزيده تعقدا ويراكم المشاكل.

 

هل هناك تقدم من الناحية القانونية لحل هذه المشاكل؟

لو كان هناك تقدم لما توجهت إلي الأمهات العازبات، ونحن في الجمعية لا نلجأ إلى المحكمة. لقد حدث شيء إيجابي في الجانب القضائي مرة واحدة، وذلك في مدينة طنجة، حينما قام قاض بتطبيق الترسانة القانونية الموجودة بالمغرب، وغلب المصلحة الفضلى للطفل، وطبق على الرجل تحليل الجينات، وكان الحكم بتعويض المرأة ومنح الاسم للطفل.

 

لماذا تفضلون عدم اللجوء إلى المحاكم؟

نحن نتوجه إلى الأب مباشرة، ونعاني كثيرا في عملنا، وليس غرضنا الشهرة. نحن نريد أن نعالج المشكل ونصلحه، ونريد ألا يضيع الطفل وأن يعرف أصله.

 

هل تجاوز المجتمع تلك النظرة الاحتقارية إلى الطفل المولود خارج الزواج؟

في جيلنا كانت الأمور أكثر قسوة من الآن، وهذا لا ينفي استمرار هذه النظرة حاليا، لكن في ذلك الوقت لم يكن التسييس حاضرا كما هو واقع الحال اليوم.

 

كنت قد قلت في حديث لك إن من بين الأطفال الذين تكفلت بهم في جمعيتك يوجد أطفال برلمانيين؟

أنا لن أقول أسماءهم ولو انطبقت السماء على الأرض.

 

ألا تسهمين في التستر على فعلهم؟

حينما تلجأ إلي نساء لحل مشاكلهن، أحاول حلها، وإن لم أستطع فالغالب الله، أنا قلت ذلك لكي يتجنب الجميع التعامل السلبي مع هذه الظاهرة، فسواء تعلق الأمر بمسؤولين كبار أو مواطنين عاديين، الجميع عليه أن يتعاطف مع ذلك الطفل ويشعر بمأساته، ولم أقل ذلك بغية فضح أسرار أولئك الناس، بل من أجل حثهم على تغيير نظرتهم إلى الأمور.

 

ربما لا يتعلق الأمر بفضح أسرار، ولكن بفضح نفاق المجتمع والفاعلين السياسيين؟

أنا أفضح هذا النفاق على الصعيد الدولي، وهذا موجود في جميع الدول، فملك بلجيكا رفعت ابنته ضده دعوى قضائية. إذن، فهذا أمر واقع، وما أطلبه هو ألا ينكر المجتمع والسياسيون وجود ذلك الطفل الذي لم يطلب أن يأتي إلى الدنيا ولا أن يتحمل مسؤولية وضعه. «روح واحدة هي»، ويجب التعامل مع جميع الأطفال على قدم المساواة وعدم التمييز بينهم. أنا غرضي هو أن يستفيق الناس لرؤية واقعهم كما هو، والتعامل معه وليس إنكاره، وليس غرضي إثارة القلاقل، كما يفعل بعض الصحافيين الذين يسعون إلى إثارة الزوابع، وهذا عملهم، لكنني لن أجيبهم حين يسعون إلى إحراجي، ولن أشكوهم إلى محكمة الأرض، بل أرفع الدعوى ضدهم في محكمة الآخرة، وهي المحكمة الوحيدة التي أومن بها.

 

لماذا اخترت التوجه إلى المجتمع مباشرة، عوض اللجوء إلى أساليب أخرى للترافع عن هذه القضية؟

أنا أفضل أن أمشي مع المجتمع خطوة خطوة، والمجتمع فيه الوزير والطبيب والطبيب النفسي والصحافي والآباء… أنا لا أقول أشياء تفض المجمع العائلي، بل أتكلم مع الجميع لأوصل فكرتي، وأسهم في حل المشاكل من خلال الحديث عنها والعمل المباشر مع المجتمع. لو أردت فقط إثارة الزوابع لتوجهت أنا أيضا إلى العمل السياسي مع السياسيين، لكن ليس هذا هو اختياري، أنا لم أدرس السياسة ولا أفهمها. نعم أتوجه إلى السياسيين، وأطلب أن يسمعوا صوتنا ويأخذوه بعين الاعتبار في سياساتهم الاجتماعية، لكن السياسة ليست اختصاصي. أنا اخترت أن أطرق أبواب المجتمع مباشرة، وأطرق أيضا أبواب المسؤولين، ومن فتح لي الباب أشكره، وغالبا ما يتم استقبالي، باستثناء مرة واحدة في الدار البيضاء في سنوات البصري، حيث توجهت إلى عامل بالدار البيضاء من أجل إقامة مركز استماع إلى النساء ضحايا العنف، فقال لي: «ما كتشفع ليك غير نيتك» و«نتي غادا تبقاي تكوري فهاد الكورة حتى شي نهار يمعسوك»، وسخر مني وعاملني باحتقار وسط قاعة ممتلئة، وطردني، ولم أنشئ المركز. أنا اخترت طريقي وليقم السياسيون بدورهم.

 

هل كانت لهذا الخيار الصعب تأثيرات على حياتك الشخصية؟

ليلي ما ليل ونهاري ما نهار، آخر شيء هو ما تعرضت له حديثا في البرنامج الذي استدعيت إليه، وكنت أنتظر أن يسألوني عن تضحياتي وعما قاسيته، فإذا بي أجد نفسي إزاء أمور أخرى، لكني قلت في نفسي إنني سأصبر وسأجيب عن تلك الأسئلة، ولما خرجت عبرت عن عدم تقبلي لتلك الطريقة، وقلت إن هناك من المغاربة من يحب عائشة الشنا ولن يقبل ذلك، وذلك ما حدث بالفعل، فأنا لم أثر ضجة لكن أثارها الناس. فأن يُطرح على امرأة عمرها 76 سنة سؤال حميم وشخصي، فهذا أمر غير مقبول، والخوض في خصوصيات الناس أمر غير مقبول، لكني تمالكت نفسي وقلت إنني سأصبر وأجيب، والشعب المغربي سيشاهد ويحكم.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ابو مصعب منذ 6 سنوات

اولا غطي راسك .....او لبسي لبس محترم ...اقرءي القران الكريم واقتدي بسنة الرسول الكريم او من بعد عاد هدري....الله يهديك وي عفو عليك انت او جماعة االي مدورة بيك

القعقاع منذ 6 سنوات

سبحان الله هل اذا لقنا المجتمع ثقافة جنسية سوف تنحصر ظاهرة أبناء و بنات الزنا ؟؟ بالطبع لا و لكم في المجتمعات الغربية المثل الناصع !! هذه المرأة تحاول تحليل المحرمات قانونيا!! الامر اكبر من ذلك و اعقد !!! العفاف فضيلة لا يريده احد !! و الحلال كذالك فهتك محارم الله يؤدي الى ما نحن فيه و الكل مسؤول و بالأخص المسؤولون في هذه البلاد السعيدة!!

التالي