الألماني كوهلر يتسلم ملف الصحراء وسط تحفظات أطراف النزاع

18 أغسطس 2017 - 23:06

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أول أمس، بشكل رسمي عن تعيين مبعوث شخصي جديد مكلف بملف النزاع حول الصحراء، هو الألماني هورست كوهلر، مهمته الرئيسية لعب دور الوساطة في تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع من أجل التواصل إلى حل سياسي متوافق بشأنه.

ويأتي هذا الإعلان أربعة أشهر من الإعلان عن اسم كوهلر، وفي هذا الصدد قال مصدر مطلع إن “تحفظات من جانب المغرب، ومن جانب البوليساريو، واتفاقات على أعلى المستويات في عواصم مختلفة كانت وراء تجميد الملف حتى اقتراب موعد الدخول السياسي المقبل”.

وتزامن بيان الأمم المتحدة الخاص بإعلان تعيين كوهلر، مع صدور بلاغ مماثل صدر عن السفارة الألمانية في الرباط، قالت فيه إن كوهلر “سيتعاون مع جميع الأطراف للوصول إلى حل سياسي عادل، مستدام ويحظى بقبول الطرفين”، مؤكدا أن المبعوث الجديد “يحظى بتقدير الأمم المتحدة جراء التزامه بالقضايا التي تهم القارة الإفريقية”.

وأثارت خطوة السفارة الألمانية تساؤلات حول خلفياتها، وقال عبدالمجيد بلغزال، حقوقي بارز: “إن السيد كوهلر اليوم، هو موظف أممي، فهل إعلان السفارة الألمانية عن خبر تعيينه بشكل رسمي، معناه أنه سيكون لألمانيا دور في النزاع. وهل سيعود كوهلر إلى برلين بدل الأمين العام للأمم المتحدة كلما اعترضه عارض؟”، محذرا من “السقوط مرة أخرى في سقطات سلفه الأمريكي كريستوفر روس” لأنها “تنزع بالفعل ما تبقى من شرعية أخلاقية للأمم المتحدة”.

هذا، وقال الأمين العام للأمم المتحدة إن مبعوثته الجديد “يتوفر على تجربة لأزيد من 35 عاما من الخبرة في القطاع الحكومي، وفي المنظمات الدولية، لا سيما كرئيس لجمهورية ألمانيا الاتحادية (2004-2010)”. في إشارة إلى كفاءاته في تدبير الملفات الأكثر تعقيدا.

وتتركز الأنظار على كوهلر، ليس لكفاءته وخبراته فقط، خصوصا وأنه عايش تجربة وحدة ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية بعد نهاية الحرب الباردة، بل لاعتقاد البعض أن ألمانيا تتمتع بالمسافة نفسها بين أطراف النزاع، على خلاف الوضع الذي كان عليه الأمر مع الأمريكي كريستوفر روس.

لكن خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية، يعتبر أن “الشخص مَهْمَا كانت كفاءته وخبراته، فإن الحاسم في حل نزاع معين أو استمراره يعود إلى الظروف والمواقف المحيطة به”، وتابع قائلا: “صحيح أن بروفايل السيد كوهلر يكشف عن خبرة متعددة ومتنوعة، لكن لم أجد من بينها بأنه قام بأي دور في حل نزاع سياسي في العالم الثالث، قد يكون قام بحل مشكلات مالية وتنموية خلال مروره كخبير ومسؤول في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لكن ذلك يعتبر شيئا، في ما القيام بدور فعال وناجح في حلّ أزمات معقدة من قبيل نزاع الصحراء هو شيء آخر”. واعتبر شيات أن أمام كوهلر مدخلين لإحداث تحول أو تغيير في ملف نزاع الصحراء: الأول مرتبط بدور ومواقف القوى الرئيسية في المنطقة، خاصة المغرب والجزائر، وعلاقتها وارتباطاتها على المستوى الإقليمي والدولي، هناك معادلات سياسية وجيوسياسية معقدة، ويتطلب تجاوزها ظروفا دولية مناسبة تسمح للجزائر مثلا بتعديل طموحاتها؛ المدخل الثاني، مرتبط بالعمل على القضية ذاتها، إذ بإمكان المبعوث الجديد إحداث حلحلة في أوضاع سكان المخيمات في تندوف، والذين يعيشون أوضاعا صعبة وقاسية، ويقتاتون على المساعدات الدولية، هؤلاء يمكن العمل على تغيير أوضاعهم، ومنها حريتهم في العودة إلى بلداتهم الأصلية، ولا أظن أن المغرب لديه إشكال أو اعتراض على عودتهم”.

أما عبدالمجيد بلغزال، حقوقي بارز، فقد أكد أنه “لا يمكن أن نراهن على السيد كوهلر من أجل إحداث اختراق كبير في النزاع حول الصحراء لسبب بسيط هو أن النزاع يتجاوزه، وصلاحياته كوسيط لا تسعفه، وتنحصر أساسا في مساعدة الأطراف على الوصول إلى حل عبر التفاوض، علما أن القاعدة البديهية في عملية التفاوض تتمثل في أننا لا نتفق على أي شيء إلا بعد أن نتفق على كل شيء، وهذا ما يجعل إمكانية التراجع، بعد زرع الأفخاخ، ممكنا وقائما مهما بدا التقدم الحاصل مشجعا”.

لكن بلغزال يعتبر أن المغرب “أمام فرصة جديدة، قد أقول إنها فرصة تاريخية لإحراز تقدم: من جهة، لدينا أمين عام للأمم المتحدة ينتمي إلى الفضاء المتوسطي، وبالتالي فهو أكثر اطلاعا ومعرفة على تفاصيل النزاع، وعلى أبعاده الجيوسياسية، بل ويستطيع أن يتصور بشكل أفضل مخاطر استمراره ومآلاته على الأمن والسلم جنوب المتوسط؛ ومن جهة ثانية لدينا وسيط يتمتع بخبرات مميزة، منها أنه يجر وراءه خلفيات وثقافة المعسكر الشرقي، ولعب دورا كبيرا في توحيد ألمانيا، كما أنه من كبار الاقتصاديين الذين اشتغلوا على مشاريع التنمية وعلاقتها بالديمقراطية، وهي مؤهلات تجعل الرجل مؤهلا لاستيعاب أبعاد النزاع وتعقيداته، وقد يستطيع تقريب وجهات النظر”.

بيد أن بلغزال يعود إلى التأكيد أن “التحدي الأكبر مرتبط بالذات المغربية، ومدى استعدادها للمضي قدما في خيار الحكم الذاتي، وهو الخيار الذي لا يمكن تنزيله بدون ديمقراطية”، مؤكدا أن المشكل يوجد “في أعطاب الدولة المغربية، التي لم تحسم خياراتها بعد، ويبدو لي أن الثقة التي كسبتها لسنوات بدأت تفقدها تدريجيا”، مشيرا إلى أن “أزمة الريف عرّت كل شيء”.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي