-->

الطوزي: الملك غير مسؤول أمام المغاربة..مسؤول فقط أمام الله والتاريخ

20 أغسطس 2017 - 13:01

قال محمد الطوزي، الباحث السياسي، إن المنتخبين في ثقافتنا السياسية لا يريدون تقديم الحساب ويختبؤون تحت مظلة القصر، لافتا إلى أن هناك إستراتيجية لا شعورية تجعلهم يقدّرون أنهم مسؤولون أمام الملك وليس أمام المغاربة، ويتعرضون على إثرها إما للرضا أو الغضب.

ووأضح الطوزي، في حوار مع مجلة « تيل كيل »، أن الشرخ بين المنتخبين والساكنة يوجد في الدوائر السياسية العليا، مشيرا إلى أن القيادات العامة للأحزاب لم تنسج روابط مع الساكنة، عدا العدالة والتنمية إلى حد ما.

-انتقد الملك في خطاب عيد العرش الطبقة السياسية والإدارة. ما تحليلكم لهذا الخطاب؟

هذا الخطاب متأثر جدا بمجريات السنة الماضية، منذ انتخابات أكتوبر 2016. هو خطاب يتفاعل مع الحصيلة والمستجدات التي تهمين عليها أعطاب التشكيلة الحكومية وأحداث الحسيمة. في الوقت ذاته، يدخل هذا الخطاب في إطار استمرارية آخر خطاب للعرش. هناك اتجاه، فكرة متواصلة، بأن الإدارة تطرح مشاكل. بصفة خاصة انعدام النجاعة. هذه المساءلة ابنة عصرها. الخلاصة الهامة التي تنجم عنها هي أن كثيرا من خبراء التيار الأساسي في البلاد يرون أن المقاربة المقاولاتية هي الأمثل للحكم. ما يفتح الباب أمام نقل الأدوات والتصورات والمعجم المقاولاتي نحو الإدارة بهدف تحقيق نجاعتها. الملك لم يخترع هذا التوجه. هذا توجه يخترق عدة دول ونجده أيضا في سياق آخر حاضرا في فكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما كان حاضرا قبله لدى طوني بلير ببريطانيا.
ما أصل هذا التوجه الذي يرى أن على القطاع العام الاقتداء بالقطاع الخاص؟
تيار التدبير العمومي يقوم على فكرة أنه يجب تفكيك الدولة، تقليصها، ليس في مهامها السيادية، لكن في أشكال حضورها، وبالتالي تحويل الحكامة إلى الطريقة المقاولاتية. إنها تعبيرات متأخرة لـ »إجماع واشنطن » والإيديولوجية النيوليبرالية. حاليا، هذا التوجه يغزو المغرب. لا أقول إنه أمر جيد أو سيء. إنه توصيف لما يجري. هناك انحياز ضد نوع من التسيير العمومي، وهذا ما ينتهي إلى تكليف التقنيين والخبراء بتولي زمام الأمور. نشهد ذلك في فرنسا، حيث باتت تتظافر نماذج المنتخب والإدارة والمسير في تشكيل بروفايل جديد لسياسي يجمع بين المدرسة العامة للإدارة، ومعهد العلوم السياسية، والمدرسة العليا للتجارة، ويعمل كرب مقاولة ناشئة. إنها ظاهرة سوسيولوجية تصل إلى المغرب وتظهر بشكل ضمني في الخطاب الملكي الأخير.

– ما هي الانعكاسات المتوقعة لهذا التحول التسييري على السياسة المغربية؟

أولا، يساهم هذا الخطاب النيوليرالي في ضرب مصداقية السياسة التقليدية التي تتشكل وتتم انطلاقا من آراء ومواقف إيديولوجية. ثانيا، هذا الفكر، الذي يعد بدوره إيديولوجيا، يغير تعريف المنتخب. حيث لا يعود المنتخب هو من يؤدي وظيفة التمثيل وإنما من يقدم خدمة. تمثيل الشعب سيحصل إذن بطريقة مباشرة عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. إنها مسألة عميقة لأنها تسائل فائدة الديمقراطية: أية أشكال للديمقراطية؟ هل يجب أن توجد فضاءات التداول بالبرلمان أم خارجه؟(…)

-الملك في خطابه تحدث عن مسؤولية البعض والبعض الآخر دون الحديث عن مسؤوليته…
المسؤولية تحمل معنى مزدوجا. نحن مسؤولون على ومسؤولون تُجاه. في منطق النظام وحسب الدستور، الملك غير مسؤول أمام المغاربة، ولكنه مسؤول أمام الله والتاريخ. السياسيون حسب الدستور مسؤولون أمام المغاربة لأنهم منتخبون. هذا هو توزيع المسؤوليات الوارد في الوثيقة الدستورية التي وافق عليها المغاربة وأنشدوها. المشكل يحصل حين يختار من هم مسؤولون أمام الشعب الاختباء تحت المظلة الملكية. هناك استراتيجية لا شعورية تجعلهم يقدّرون أنهم مسؤولون أمام الملك وليس أمام المغاربة، ويتعرضون على إثرها إما للرضا أو الغضب.

-يفهم من كلامكم إذن أنكم تحمّلون الحكومة المسؤولية..
هناك نظام للمسؤولية محدد دستوريا. والأمر المُرضي أن الملك يؤكد تشبثه بهذا التحديد الدستوري. الضبط السياسي للمسؤولية تجاه المغاربة يتم بالعطف عبر البرلمان. هناك ترسانة تجبر المنتخبين على تقديم الحساب. ما أقوله هو أن المنتخبين في ثقافتنا السياسية لا يريدون تقديم الحساب ويختبؤون تحت مظلة القصر. خطاب « التماسيح » وما شاكله دليل على ذلك. أكيد هناك سلطة مؤثرة، لكن يجب تحمل المسؤوليات. تقنيا، لا يمكن لكافة القرارات أن تأتي من فوق، إنه أمر مستحيل. لا يمكن لرئيس حكومة أن يقول اليوم إنه أخذ علما بقرارات كبرى من التلفزة. كانت لديه الوسائل للاستعلام عنها.
ألا ترى من تناقض في إلحاح الملك على المحاسبة فيما هو مستثنى منها؟
لا يوجد تناقض كبير بين الإلحاح على المحاسبة وألا يكون خاضعا لها هو نفسه. بالنسبة إلى ملك مؤمن، إنه التزام أكثر كلفة. أن تكون مسؤولا أمام الله رهان أكثر خطورة وأهمية: أن تكون على هامش التاريخ أو أن تكون معرضا لدخول جهنم هما أفقان مروعان. السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه هو هل نجح الدستور في تنظيم توزيع المسؤوليات.
كيف تفسر إذن استمرار لجوء المغاربة إلى الملك، كما أشار إلى ذلك بنفسه؟
تصل المظالم إلى الملك لأن الثقافة السياسية للفاعلين تمنعهم من بناء النوع الثاني من المسؤولية كما حددها الدستور. يتعلق الأمر بالمسؤولية السياسية التي يجب أن تكون العقوبة الوحيدة فيها قادمة من صناديق الاقتراع.

-رغم ذلك، بعض المغاربة يشعرون أنهم غير مُمَثلين، لا من طرف الحكومة ولا من طرف المنتخبين..
غير صحيح. هذا ما يقوله لنا صدى ما يحصل في الريف، صدى حركة، لكنه غير صحيح. الجماعات تشتغل كل يوم. الناس يرون منتخبيهم يوميا حين يقومون بعملهم. يعرفون ممثلهم، خاصة في العالم القروي، حيث توجد تمثيلية حقيقية. لا يعني ذلك أنهم ممَثلون بشكل جيد، لكنهم مُمَثلون. إنهم شبابيك يتوجه إليها المغاربة لأسباب مختلفة. في سلالم دنيا، هناك تمثيلية سياسية بمعنى الشأن العمومي. الشرخ بين المنتخبين والساكنة يوجد في الدوائر السياسية العليا. القيادات العامة للأحزاب لم تنسج روابط مع الساكنة، عدا العدالة والتنمية إلى حد ما. لا يوجد ما يكفي من الاستثمار للربط بين إيديولوجيا سياسية وترجمتها على أرض الواقع.

– مناضلو الحراك مثلا يقولون بعكس ما تذهب إليه..
إنها مسألة لصيقة بساكنة الريف، حيث قضية أناس الداخل وأناس الخارج قضية مركزية. لكن الأمر يتعلق أكثر بمرور ثمانية أشهر من الاحتجاجات، حيث صنعت الساكنة لنفسها ممثلين جدد. أين كان الفاعلون السياسيون الآخرون خلال كل هذه المدة؟ هذا الحراك أبرز قيادات نزعت الشرعية عن الفاعلين السابقين وأزاحتهم.

– ما هي طبيعة العلاقة التي يجب أن تسود بين الجهاز التنفيذي الملكي والجهاز التنفيذي الحكومي؟
لدينا جهاز تنفيذي برأسين. لذا، فالعلاقات بينهما ليست دائما علاقات تعاون، وهذا أمر مثير للاهتمام في الحقيقة. هناك ثلاثة أشكال يمكن لهذه العلاقات أن تتخذها: إما أن تكون علاقات تراتبية، ونرجو ألا يكون الأمر كذلك حتى ولو كان رئيس الحكومة يريد ذلك، وهو ما يخالف روح الدستور. وإما علاقات تعاون، وإما أخيرا علاقات تنافس. هناك إذن توازن ينبغي إيجاده. الملك والحكومة يمارسان سلطتين متمايزتين، ليس لهما المصدر ذاته، ولا الشرعية نفسها، ولا حتى المسؤولية. صحيح أن لهما وزنين غير متساويين ويفضل أن تسود علاقات قوة وتنافس ليكون هناك بالفعل تعاون. ما يجب إقصاؤه هي علاقات الخضوع. الدستور ينص بشكل واضح على أن السيادة للأمة وتمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها. إذن، دور من يملك الشرعية الشعبية مهم. ليس من مصلحة الملك إلا أن يحترم هذه الشرعية لتفادي خطر الهشاشة.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

متتبع منذ 6 سنوات

لا استغرب هذا التصريح من الطوزي كونه التحق بكوكبة مفكري المخزن منذ 2011

التالي