تحديات محمد السادس

20 أغسطس 2017 - 16:00

تتضمن الأجندة الرسمية للأسابيع الجارية احتفالات متواصلة بعيد العرش وتخليد ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب. احتفالات عديدة تأتي في ظرفية حساسة، بالنظر لتداعيات أحداث الحسيمة ولما تضمنه الخطاب الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش من انتقادات، حيث عبر الملك، كما فعل خلال مجلس الوزراء المنعقد في 25 يونيو الماضي، عن انشغاله واستيائه، موضحا أسباب هذا الاستياء والانشغال. ولم يستثن الاستياء الملكي أحدا، سواء إدارات أو أحزاب أو منتخبين. قدم الخطاب حصيلة سلبية عن الوضع الحالي وعن مسؤوليات مختلف المعنيين والفاعلين في الحياة المؤسساتية والسياسية الوطنية.
فبعد 18 سنة من الحكم، لا يمكن القبول بحصيلة مماثلة. من جهة، مغرب الأوراش الكبرى والإصلاحات الهيكلية يتحرك ويحقق إنجازات في البنية التحتية والتجهيزات، ويتميز بمشروع مجتمعي حداثي ديمقراطي وتضامني. ومن جهة أخرى، هناك سؤال مؤرق عن ظروف عيش واشتغال فئات واسعة من الساكنة المتروكة على الهامش، في مناطق معزولة، والتي تعاني من تظافر عدة عوامل، منها عدم نجاعة السياسات العمومية، تهميش وإقصاء يُنتج “مغربا سفليا” بلا أمل. وهنا تتعرض الرؤية الملكية للاختبار. محمد السادس هو ملك المغاربة ويحرص على أن يكون دوما كذلك. الراحل الحسن الثاني كان ينظر للمملكة على أنها جماعة عضوية غير متمايزة، وبذل جهودا كبيرة لرفع مرتبتها في الساحة الدولية. أكيد أن الملك الراحل كان يولي أهمية للجانب الاجتماعي، لكن هذا الجانب كان يحتل مكانة ثانوية. على هذا المستوى، قام الملك محمد السادس بمراجعة جذرية في النهوض بأوضاع المواطنين، والاهتمام بمظاهر العيش والسكن والصحة والتعليم الخاص بهم. إنه الإنصات للفقراء، إحساس بظروف عيش المهمشين، وعناية مميزة تجاه المقصيين والأشخاص في وضعية صعبة. الوتر الاجتماعي الأصلي: فقد كان علامة مميزة لمحمد السادس وهو لا يزال وليا للعهد، وما كان من شأنه إلا أن يتأكد هذا الوتر الإنساني ويترسخ ببعد أكبر خلال توليه العرش منذ 18 سنة.
الملكية تريد أن تكون ملكية اجتماعية. الدستور الجديد للمملكة عزز هذا التوجه. لكن أجرأة هذا التوجه هو ما لا يزال يطرح مشكلا. ما الذي يتوجب فعله للتعويض عن حصيلة مؤسفة جدا؟ فبغض النظر عن الاتهامات بالتقصير التي وجهها الملك لهذه الأطراف أو تلك في خطابه الملكي، ربما يجب الذهاب أبعد وطرح هذا السؤال المبدئي: ما هو المسار الذي أنتج وضعا مماثلا؟ فما لم يتم إيجاد حل لهذا الوضع، هناك احتمال كبير بمواصلة تقديم تشخيص من المنوال ذاته، لأنه لم يُواكب بوصفة علاجية.
ما العمل إذن؟ معاقبة المسؤوليين المقصرّين؟ نعم بلا شك. تعويضهم بوجوه جديدة؟ ممكن. لكن بعد ذلك، ألا يجب الانكباب على معالجة إشكالية الحكامة بشكل واضح. فما هي هذه الحكامة التي يبدو أن الجميع يتغنى بها؟ إنها المسؤولية والشفافية ودولة القانون والمشاركة وتدبير للموارد بهدف التنمية يحترم مصالح أصحاب الحقوق (مقاولات، أجراء، مرتفقين..). الحكامة تستدعي تفعيل كامل لترسانة القوانين والقواعد والاتفاقيات والعقود التي تضمن تنسيق عمل مختلف الفاعلين والنهوض بنجاعة السياسات العمومية. دستور 2011 يتبنى هذا التصور، حيث يحيل بشكل واضح في فصله الأول على “الديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة “.
لكن بعد مرور ست سنوات، ما الذي يحول دون الأجرأة العملية لمبادئ مماثلة؟ ألا يرجع ذلك لأن السلسلة المؤسساتية والسياسية برمتها لم تشتغل في ظروف مواتية؟ الكل مسؤول إذن، وهناك خشية أن الأمر لن يتغير في السنوات المقبلة إذا لم يتم إرساء نظام جديد للحكامة.
لكن من بإمكانه أن يطلق الدفعة الحاسمة القادرة على قلب هذا الواقع؟ هل هو البرلمان، خاصة عن طريق لجنة مراقبة السياسات العمومية؟ أم المجلس الأعلى للحسابات الذي يقوم بعمل متميز في الافتحاص وكشف الاختلالات التي تشوب صرف المال العمومي؟ أم من القضاء الذي من مهامه معاقبة مقترفي الجنح والجرائم المالية؟ هل سيكون ذلك كافيا؟ لا أحد يعتقد فعلا أن تدخل هذه الأجهزة سيكون كافيا. لذا يجب قول ذلك بكل قوة: وحده الملك يملك السلطة والشرعية لوضع بصمة جديدة على نظام جديد للحكامة. كيف؟ لجوء المواطنين مباشرة إلى الملك دليل واضح على أن الملك يعد آخر باب مفتوح يمكن التوجه إليه لرفع المظالم. هذا السلوك لا يمكن إلا أن يستمر لأنه يقدم ضمانا بأن شكايات المواطنين يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار. وهذا يستدعي إرساء نظام لليقظة والتتبع في قمة الدولة. أليست حالة تستحق الدراسة أن يتم توقيع اتفاقيات أمام الملك في 17 أكتوبر 2015 بطنجة في إطار برنامج منارة المتوسط دون أن تجد طريقها للتطبيق المطلوب؟ هل كان سير إنجاز هذه الاتفاقيات ليكون أكثر تقدما اليوم لو لم يقع حادث الموت المأساوي لمحسن فكري في 28 أكتوبر 2016؟.
رغم ذلك، فالحكامة لا تقف فقط عند هذا الملمح. إنها تتصل بمجموعة من المتدخلين. في الوضع الحالي، دفع “النظام” بفاعلين سيئين إلى السوق الاجتماعي. يجب إذن العمل بدءا على تغيير المساطر والآليات بصفة جذرية. وهذا عمل يحتاج لوقت ولا يمكن أن ينحصر في إجراءات متفرقة هنا وهناك ذات أثر إعلامي زائل ليس أكثر.
هل يشكل الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب منعطفا حاسما في تحديد وتفعيل نظام بديل للحكامة؟ بعد 18 سنة من الحكم، لا أحد يشك في الحاجة إلى بث نفَس جديد في هذا المجال. نشهد اليوم نهاية دورة استنفذت آثارها، الملك نفسه يتحدث بأسف عن هذه الحالة. الخروج من المأزق الذي تطرحه هذه الحالة هو التحدي، ودفتر التحملات الذي يواجه محمد السادس، ملك المغرب.. ملك المغاربة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي