في مدح تعليم البنات

30 نوفمبر 2017 - 13:06

في كل أرجاء العالم يكتسي النقاش، حول مصير النساء، زخما متزايدا في كل أبعاده، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية. ولكن هناك بعدا يحظى باهتمام أقل بكثير من كل الأخرى، رغم أنه هو الذي يحدد مصيرها كلها: ألا وهو تعليم البنات. إذ تشكل الإناث اليوم الغالبية ضمن الـ800 مليون أمي في العالم. فعدد من يترددن على المدرسة منهن أقل بكثير من عدد الذكور. وحتى عندما يذهبن إليها، يقضين فيها فترة أقل بكثير، وغالبا ما يكون تعليمهن في مؤسسات أقل جودة. ومع ذلك، فليس هناك ما هو أهم، بالنسبة إلى مستقبل البشرية، من تعليمهن.
أولا، أثبتت كل الدراسات أن تعليم البنات هو أفضل استثمار اقتصادي واجتماعي لأي بلد. إذ كلما ذهبن إلى المدرسة، ارتفع مدى حياة الأمهات والرضع، وزادت فرص حصول الأطفال بانتظام على الماء الشروب وتعلم السلوكات الصحية لنظافتهم، وتقلصت الأمراض المنقولة جنسيا.
كذلك، كلما زاد تعليم البنات، تراجعت فرص إنجابهن للأطفال. فأربع سنوات إضافية من التعليم تساوي طفلا أقل. وأخيرا، كلما ترددن على المدرسة، زادت نسب نجاح أطفالهن في مسارهم الدراسي. فتعليم فتاة يعني تعليم أبنائها، بينما تعليم ولد يعنيه وحده. إذ من المرجح أن هذا الفتى، لما يصبح راشدا، سيتكلف بتعليم ذريته.
وتؤكد كثير من الدراسات الكمية هذه التحاليل في كل القارات. مثلا، هناك تحقيق أجراه البنك الدولي بإفريقيا أظهر أن أبناء النساء اللواتي حظين بخمس سنوات من التعليم يتوفرون على 40 في المائة إضافية، من فرص تجنب الموت في طفولتهم الأولى، مقارنة مع أبناء النساء الأقل تعليما.
إن تطوير تعليم البنات، يعني، كذلك، تمكينهن من الوسائل التي تخول لهن سلطة أكثر داخل المجتمع. والحال أن النساء دائما أكثر انشغالا بالمستقبل مقارنة بالرجال، لأن الأمهات، وفي كل الحضارات، ينشغلن أكثر من الأباء بمستقبل الأبناء. كما أنهن يجدن سعادتهن في تلك التي يمنحن لأبنائهن، ويستوعبن، قبل الرجال، المتعة الكامنة في الإيثار الذي يتوقف عليه مستقبل البشرية. والأبحاث تؤكد هذا الأمر مرة أخرى: حيث تحظى النساء بمكانة مهمة، يكون المجتمع إيجابيا أكثر، أي إنها تخصص أموالا أكثر للاستثمارات، وتلجأ بدرجة أقل إلى القروض، وتهتم أكثر بالبيئة.

لقد حان الوقت لينتبه الرجال، في كل بقاع العالم، إلى أنهم لن يخسروا شيئا: النساء لن يأخذن أماكنهم، بل سيخلقن أخرى، سيبتكرن مهنا جديدة، حاجات جديدة، خدمات جديدة.
كذلك يجب الذهاب بعيدا، أي تجنب خوض حرب بين الجنسين، بل الانخراط في معركة لتغيير العقليات. لا شك أن الأمر سيحتاج إلى قرن من الزمن على الأقل حتى ينتبه كل رجل إلى أنه أنثى مثل أي أنثى أخرى. وإذا لم نحقق هذا الهدف، فإن النساء، سيلجأن- لتحقيق النجاح- إلى الوسائل ذاتها التي يعتمد عليها الرجال: سيتخلين تدريجيا عن إكراهات الأمومة، وسيتحول الكوكب إلى سلسلة من الأفراد بدون هوية جنسية، الذين جعلوا من الفحولة تلك “اليوتوبيا” التي يتوقون إليها.
في الوقت الحالي، ما يجري ليس نزاعا بين الجنسين، بل هو تحول فوضوي ومعقد- لدى كل كائن بشري بغض النظر عن جنسه- صوب القيم الإيجابية النابعة من احترام الحياة.
ترجمة
مبارك مرابط
عن “ليكسبريس”

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي