الجورشي: المغرب أقرب دولة لإقرار المساواة في الإرث

07 سبتمبر 2018 - 11:20

صلاح الدين الجورشي، هو مفكر إسلامي تونسي، يتوجس من العمل السياسي في بعده التدبيري. اختار طريقا مختلفا، حتى بات يلقب التيار الذي كان أحد منظريه باليسار الإسلامي. فالدين بالنسبة إليه هو القيم التي يحملها، أي مقاصده الكبرى. لهذا انتصر الرجل للإنسان.  هو، أيضا، إعلامي وعضو بلجنة الحريات الفردية والمساواة التي أسست من قبل الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، انطلاقا من غشت من السنة الماضية، حيث كانت مهمتها هي إعداد تقرير عن الإصلاحات التشريعية المتعلقة بالحريات الفردية والمساواة على ضوء دستور يناير 2014 والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. قدمت اللجنة تقريرها لرئيس الجمهورية التونسية في 8 يونيو الماضي، الذي تضمن توصيات مثيرة للجدل، على رأسها إلغاء تجريم المثلية الجنسية، والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وإقرار المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة. وعن المساواة في الإرث، الدعوة التي قسمت المجتمع التونسي إلى مؤيد ومعارض، ودورها في إحداث تحولات قيمية في المنطقة العربية، وخاصة المغرب، يحدثنا الجورشي في الحوار التالي.

 خلقت الدعوة إلى إقرار المساواة في الإرث بتونس جدلا كبيرا وصل صداه إلى كل الدول العربية، أين وصل النقاش حاليا حول هذا الموضوع؟

هناك حاليا مساران، المسار الإجرائي والسياسي، إذ إن رئاسة الجمهورية التونسية بصدد صياغة مشروعها الذي ستقدمه للبرلمان قريبا، واختارت أن تعمق الاستشارة مع بعض الأطراف الحزبية من جهة، لكي تضمن الحد الأدنى من الدعم لهذا المشروع، ومن جهة ثانية، أرادت تجنب أي إشكالات من شأنها تعطيل هذا المشروع على مستوى البرلمان.

أما المسار الثاني، فهو مسار المجتمع المدني. فهناك حاليا العديد من الندوات واللقاءات التي تتميز بنقاشات حادة ومسؤولة. هناك أيضا هجمة فيسبوكية كبيرة ضد رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة وضد أعضائها، الأمر الذي كان منتظرا، ويشكل عاملا من العوامل التي سلطت الضوء على هذه اللجنة ومبادرتها، وأعطت فرصة للناس أن يفهموا بشكل تدريجي ماذا يحصل؟ وما هي أبعاد الموضوع؟ وفي انتظار التصويت على المشروع داخل البرلمان، يمكننا أن نكتشف ميزان القوى، هل يكون لصالح هذه المبادرة أم لا.

هل يعتبر التوجه لإقرار المساواة في الإرث مهددا بسبب الأصوات المعارضة له داخل المجتمع؟

في رأيي، وحسب ما عبرت عنه الفرق البرلمانية، والعديد من البرلمانيين المستقلين، يبدو أن هذه المبادرة ستمر ولو بأغلبية بسيطة. لأن هذه الفرق البرلمانية لا تستطيع، حسب ثقافتها السياسية، بأن تقف ضد هذه المبادرة، ليست لأنها صادرة عن رئيس الجمهورية، ولكن لأن مضمونها هو في صالح حقوق المرأة ومبدأ المساواة.

الإشكال القائم حاليا هو داخل الوسط الإسلامي، وخاصة داخل « حركة النهضة »، إذ خاضت نقاشا كبيرا بين كوادرها وداخل مؤسساتها لاتخاذ موقف، وهو لحد الآن ليس رافضا بالمطلق، لكن قيل من طرف قيادتها إنه سيكون متفاعلا بشكل إيجابي مع المبادرة في حدود ما يقتضيه الدستور.

وفي اعتقادي هناك دينامية تخترق « حركة النهضة » تجعلها ستكون أكثر مرونة في التعاطي مع هذا المشروع، لسببين رئيسين: حرص قيادة الحركة على عدم إحداث قطيعة سياسية مع رئيس الجمهورية، ثم تجنب أن تبدو في هذه المرحلة أنها معادية للحريات وللمساواة، الشيء الذي قد يؤثر على سمعتها على الصعيد الدولي، والذي اشتغلت عليه كثيرا خلال المرحلة السابقة.

ما هي أهم الخلاصات التي وصلتم إليها في موضوع المساواة في الإرث خلال عملكم على إنجاز تقرير اللجنة؟ 

قدمت اللجنة ثلاثة اقتراحات بهذا الخصوص، وذلك تفاديا لحصول خلاف داخلها، ولأنها تعلم، أيضا، بأن الموقف سيكون صعبا إذا ما تم رفض مقترح ما، الشيء الذي جعلها تعدد اقتراحاتها بهذا الشأن. المقترح الأول، كان هو إعادة النظر بشكل جذري في نظام الإرث بشكل عام، وهذا تجنبته اللجنة لأن الصدام سيكون أكبر بكثير حينها، وأيضا لأن إعادة النظر في هذا النظام يحتاج إلى وقت قد يطول.

لهذا اختارت اللجنة المقترح الثاني، والذي ينص على المحافظة على ما يقره القرآن في سورة « النساء » بهذا الشأن، وفي الوقت نفسه أن تعطي الفرصة للمورث بأن يختار المساواة، أي إنه سيجد نفسه أمام اختيارين: النظام الشرعي والوضعي. وهناك قانون سيصدر بهذا الصدد لتحديد مجال الاختيار لدى المواطن.

اللجنة رأت أن هذا المقترح هو الأفضل، لأنه يعطي الحرية للمواطن، خاصة أن تونس تمر بمرحلة ديمقراطية الفرد وحرية الاختيار، وهي مهمة جدا داخلها.

أما الاقتراح الثالث، الذي لا تدعمه الظروف الحالية، وهو إعطاء المرأة المستفيدة من الميراث بعد وفاة المورث، فرصة تقديم طلب للحصول على المساواة في الميراث مع باقي الورثة الذكور، والمحكمة يمكنها حينها النظر في طلبها بشكل آلي. ولكن هذا يلزم المرأة بتحمل المسؤولية هي نفسها وتقديم الطلب بشكل شخصي.  والأوساط المدافعة عن حقوق الإنسان وخاصة الأوساط النسائية، لم تتحمس كثيرا لهذا المقترح، لأنه سيحمل جزءا كبيرا من النساء التونسيات مسؤولية كبيرة، ربما، هي غير مستعدة لكي تتحملها في الوقت الراهن.

هل تعتقد بأن إقرار المساواة في الإرث داخل تونس قد يدفع القوى التقدمية بالمغرب والمنطقة ككل إلى إحياء هذا المطلب من جديد؟

في الحقيقة، وبدون نزعة دفاعية عن بلدي، أعتقد بأن تونس كانت تاريخيا سباقة في تقديم مبادرات، وإذا ما انتقلت هذه المبادرات من مجال الفكر إلى الجانب السياسي والتشريعي سيكون لها تأثير بالفعل على المنطقة. فهذه الأخيرة قابلة لمثل هذا التغير. ثانيا، الذي أعطى أهمية كبرى لهذه المبادرة هي أنها جاءت من رئيس الدولة، الشيء الذي بدأ يخلق ردود فعل من الآن، وبدأت بعض الأطراف في المجتمع المدني داخل العديد من الدول العربية بالتحرك لتقتدي بهذه الخــطوة التونسية، وفي رأيـــي هنـــاك جــزء كبيــر مـن المشهــد مرشح ليشهــد تغيرا بعد 10 أو 15 سنة.

وبالنسبة إلى المغرب، قد يكون أكثر دولة ستتفاعل بشكل إيجابي مع هذه المبادرة التونسية. أولا، لأن الموضوع مطروح للنقاش منذ فترة داخل المملكة، ولأن هناك نخبة، بما فيها جزء من النخبة الدينية، لديها استعداد لكي تناقش هذا الموضوع. وأنا أتابع باهتمام النقاش المتواصل داخل المجتمع المدني المغربي حول هذه المسألة، وفي لحظة من اللحظات حزب « العدالة والتنمية » يمكن أن يفكر في قبول مثل هذه الدعوات ولو بصيغ وبشروط معينة.  وأقول مجددا إن المغرب يمكن أن يكون أقرب الدول العربية للتفاعل بشكل إيجابي مع التجربة التونسية.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مغربي منذ 5 سنوات

دع مروقك من الدين وحقدك على الشريعة الإسلامية في بلدك.

التالي