فاضل: لا تستطيع السعودية التخلي عن المغرب خصوصا في ظل عزلتها الكبيرة

18 فبراير 2019 - 00:00

علي فاضلي : باحث في العلاقات الدولية

 

كيف تقرأ أزمة العلاقات السعودية المغربية؟ 

الأزمة التي تشهدها العلاقات المغربية السعودية، هي عنوان على بلوغ التوتر بين البلدين مستوى غير مسبوق، فعلى مر سنوات طويلة لم تشهد العلاقات البينية بين البلدين هذا المستوى من التوتر، بحيث كانت مواقف البلدين جد متقاربة في مختلف القضايا الدولية والإقليمية، لكن مع بروز محمد بن سلمان وإشرافه المباشر على السياسات السعودية داخليا وخارجيا، بدأت العلاقات تتجه بشكل مضطرد نحو التأزم، نتيجة تداخل مجموعة من العوامل المتراكمة، ويأتي في مقدمتها تبني حكام السعودية لخيار المواجهة المفتوحة مع مخرجات الربيع العربي، ومنها تصدر الحركات الإسلامية للمشهد السياسي في الدول العربية، وعدم تفرقتهم بين هذه الحركات الإسلامية وخصوصياتها المحلية التي تختلف من بلد لآخر.

يضاف إلى ذلك، الموقف المغربي من حصار قطر ومبادرة الملك محمد السادس بإرسال إمدادات من الأغذية لقطر مباشرة بعد بداية الحصار، وقيامه بزيارة خليجية شملت قطر واستثنت السعودية، وهو أمر فاجأ السعودية، التي كانت تنتظر دعما مطلقا من المغرب لإجراءاتها بحق قطر، وقد عبرت السعودية عن غضبها من الموقف المغربي من خلال رفض مساندة الملف المغربي لاحتضان كأس العالم، وربط  “تركي ال الشيخ”، المستشار في الديوان الملكي بين الموقف السعودي الرافض لدعم المغرب، وبين موقف هذا الأخير من حصار قطر، وإلغاء الملك السعودي لعطلته الصيفية بمدينة طنجة، وبث قناة “العربية” لتقرير استفزازي حول مغربية الصحراء، ثم جاءت حادثة رفض المغرب استقبال محمد بن سلمان خلال جولته بدول شمال إفريقيا، وامتناعه عن مساندة السعودية بعد اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، لتتأكد الأزمة الصامتة التي تمر منها العلاقات بين البلدين، وهي الأزمة التي تطورت بشكل كبير بعد إعادة قناة “العربية” بث تقرير استفزازي جديد حول مغربية الصحراء، ليتم استدعاء السفير المغربي في السعودية، كعنوان على إرادة المغرب توجيه رسالة غضب مباشرة لحكام السعودية.

رغم التعبير عن الغضب والاستياء من قبل المغرب من خلال استدعاء السفير، التزمت السعودية الصمت ولم ترد، لماذا؟

التزام السعودية الصمت يُفسر بالدرجة الأولى بعدم توقعها قيام المغرب باستدعاء سفيره في الرياض، وهي خطوة تعني في الأعراف الدبلوماسية وجود توتر في العلاقات، بحيث كانت تتوقع أن لا يرد المغرب على استفزاز قناة “العربية” بالإقدام على خطوة من حجم استدعاء السفير، كما أن الصمت السعودي هو لتفادي ارتفاع منسوب التوتر في العلاقة بين البلدين لمستويات أكثر حدة، ولهذا سارعت جريدة “الرياض” السعودية لنشر مقال ينتصر فيه لمغربية الصحراء، ويثني على الدبلوماسية الملكية في هذا الملف.

هل يمكن تفسير ما يحدث بصعود الجيل الجديد في السلطة بالسعودية؟

من الملاحظات المهمة التي يجب الوقوف عليها، هي أن قضية مشاركة الإسلاميين في الحكم والعمل السياسي المغربي، لم يسبق أن شكلت أزمة في العلاقة بين المغرب والسعودية، وذلك بحكم وعي حكام السعودية السابقين لطبيعة النظام السياسي المغربي، ففي سنة 2013 عندما أعلنت السعودية والإمارات المواجهة المفتوحة مع الحركة الإسلامية المتصدرة للمشهد السياسي بالدول العربية، استمرت العلاقة بين المغرب والسعودية بشكل طبيعي، بل إن حزب العدالة والتنمية استمر في ترؤس الحكومة، في فترة شهدت دعما سعوديا معلنا للانقلاب العسكري في مصر، وقرار حركة النهضة التونسية التخلي عن رئاسة الحكومة، وقد كان بالإمكان إفشال العدالة والتنمية في الاستمرار في ترؤس الحكومة بعد خروج حزب الاستقلال.

لكن مع تولي محمد بن سلمان ولاية العهد وإقصائه للجيل القديم من المسؤولين السعوديين، بدأ الجيل الجديد المتحكم في السلطة بالسعودية بالاشتغال بمنطق الهواة في تدبير الشؤون الخارجية للمملكة، ومنها العلاقة مع المغرب، وذلك نتيجة عدم إلمامهم وإدراكهم لطبيعة النظام السياسي المغربي، ومركزية المؤسسة الملكية، ولموقع الحركة الإسلامية داخله، ونتيجية لعدم إدراكهم للمنطلقات المحددة للسياسة الخاريجة المغربية، والمتمثلة في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والأكثر من ذلك، عدم إدراكهم لحساسية المغاربة من قضية الصحراء، وهي قضية تؤثر بشكل كبير على علاقات المغرب الخارجية، والتي بلغت حد قطع العلاقة مع إيران، وتوقيف تداريب مشتركة مع الجيش الأمريكي بعد مطالبة إدارة الرئيس أوباما توسيع مهام بعثة المينورسو لشتمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء المغربية، وقيام المغرب باستدعاء سفيره بالسنغال سنة 2007 بعد تصريحات لقيادي بالحزب الاشتراكي السنغالي يثني فيها على جبهة البوليساريو خلال مشاركته في مؤتمر الجبهة بالمنطقة العازلة.

هل تستطيع السعودية التخلي عن المغرب؟

لا تستطيع السعودية التخلي عن المغرب، خصوصا في ظل العزلة الكبيرة التي تمر منها، وهي عزلة لم يسبق أن عانت منها حتى بعد أحداث 11 شتنبر، فباستثناء الإمارات والبحرين، فالعلاقات السعودية مع غالبية البلدان العربية، إما هي علاقة صراع وأزمة (اليمن، سوريا، العراق، لبنان، قطر) أو تشهد بين الفينة والأخرى توترا (مصر، الأردن، الكويت، عمان، الجزائر)، ويبقى المغرب هو البلد الوحيد في شمال إفريقيا الذي تربطه علاقات استراتيجية مع السعودية، فحتى مصر لم تساند التدخل السعودي في اليمن بالشكل الذي ساند به المغرب هذا التدخل، بحيث رفضت مصر إرسال قوات عسكرية إلى اليمن، واستمرت في استقبال وفود الحوثيين؛ بالإضافة إلى العزلة الدولية التي تعيشها السعودية بسبب حرب اليمن وتبعات اغتيال خاشقجي، لذلك فالسعودية محتاجة إلى المغرب وإلى مكانته المتميزة بإفريقيا وإلى علاقاته الجيدة مع دول الاتحاد الأوروبي، ولا تستطيع التفريط في علاقات استراتيجية تم بناؤها منذ عقود.

ما تداعيات الأزمة على علاقات المغرب مع قطر وتركيا وإيران؟

العلاقات المغربية التركية هي علاقات جيدة، وغير مرتبطة بالأزمة مع السعودية، فقد كان المغرب ثاني دولة تدين محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، على خلاف الموقف السعودي-الإماراتي، الذي رحب من خلال وسائل إعلامه بمحاولة الانقلاب وروج لنجاحها، غير أن استمرار الأزمة بين المغرب والسعودية سيدفع نحو تمثين العلاقات المغربية مع تركيا، خصوصا وأن العلاقات بين السعودية وتركيا تمر هي الأخرى بأزمة حادة نتيجة تبعات اغتيال خاشقجي، وللاختلاف الجوهري بين مواقف البلدين في الكثير من القضايا الإقليمية.

أما بالنسبة إلى العلاقات المغربية الإيرانية، فهي مرتبطة بالاستجابة لملاحظات المغرب من دعم وتدريب حزب الله لعناصر من جبهة البوليساريو، ومن الملاحظات في هذا الشأن هي أن المغرب أعلن عن عودة العلاقات بين البلدين سنة 2015، بعد قطيعة استمرت ست سنوات، وهي عودة تمت في ظل موجة العداء بين السعودية وإيران. لذلك، فإن ما سيحكم المغرب في علاقاته مع إيران وتركيا هو حماية مصالحه الاستراتيجية، بغض النظر عن الموقف السعودي من هذين البلدين، وبغض النظر عن الأزمة التي تمر منها العلاقات المغربية السعودية.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي