وهبي: «الإسلام السياسي» مجرد عملية نصب قام بها «البام»

29 يناير 2020 - 22:00

يعود عبد اللطيف وهبي، المترشح لزعامة حزب الأصالة والمعاصرة، إلى اللغط الدائر حول تصريحاته بخصوص الكيفية التي ينظر بها إلى الملكية وإمارة المؤمنين، وأيضا إلى حزب العدالة والتنمية. وهو، على ما يبدو، مقتنع بصواب أفكاره، ومصمم على التمسك بها مهما كلفه ذلك من أمر أو ثمن.

  في البداية، دعني أسألك بخصوص ترشحك لمنصب الأمين العام للحزب، أليس مستغربا أن يكون الترشح الوحيد الذي يثير غضب أعضاء بحزبكم وفق منشوراتهم على الشبكات الاجتماعية؟

من الطبيعي أن يحدث ذلك. هناك مفاهيم تروج داخل الحزب لا تفهم دلالتها، كما أن هنالك قضايا تتعلق بالفكر يحاول البعض توظيفها لمصلحته، أو يفسرونها بطريقة معينة بهدف تصفية الحسابات. لكن، لاحظ معي: لم يقدم أي أحد ورقة مكتوبة حول تصور العمل في الحزب كما فعلت أنا. وأزيدك، لدي مشروع الأرضية السياسية جاهز للنشر، وسأصدره هذا الأسبوع. هذه الأرضية بمثابة دليل عمل داخل حزب الأصالة والمعاصرة.

(مقاطعا) هل تقصد أن هناك وثيقة سياسية أخرى لديك ستعرضها بجانب الوثيقة السياسية التي ستقدمها اللجنة التحضيرية؟

نعم، لقد أعدت اللجنة التحضيرية ورقتها، لكني أطرح وثيقتي الخاصة للمناقشة في المؤتمر كذلك، وإذا قبل بها، فإنها ستكون هي المعتمدة.

قلت إن ردود الفعل كانت طبيعية.. حتى ولو كانت بتلك الحدة؟

من الطبيعي أن تكون هناك ردود فعل، لكني أشعر بالدهشة من وجود وجهة نظر سطحية في ردود الفعل هذه لا تنطوي على أي مستوى ثقافي. هناك بعض الأعضاء ممن قدموا رؤى جديرة بالاحترام، لكن، في الغالب، ما قيل لا يستحق الالتفات إليه، بل يجب أن يشعر أصحابه بالخزي. إن كل ما في جعبة هؤلاء هو القدرة الفائقة على الشتم.. شتمي أنا خصوصا.

لكن تصريحك بشأن إمارة المؤمنين وجعلها «إسلاما سياسيا» تسبب في حشد كبير ضدك داخل الحزب، حتى إن الأمين العام للحزب نفسه أصدر بيانا يدينك بواسطته؟

عندما تحدثت عن أن إمارة المؤمنين جزء من الإسلام السياسي، فإني تحدثت عن توصيف أنا مقتنع به. الفصل 41 من الدستور ينص على أن المجال الديني محصور لدى جلالة الملك، الذي لديه سلطات يمارسها من خلال موقعه أميرا للمؤمنين. وعندما وصل جلالة الملك إلى السلطة، فإن أول إجراء قام به كان إجراء دينيا بغرض قيامه بوظيفته السياسية، أي البيعة، والبيعة تصرف ديني إسلامي، مصداقا لقوله تعالي: «إن الذين يبايعونك إنما يبايعون لله يد لله فوق أيديهم». ومازلت أتذكر أن أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، قال، في تصريح، إن مشروعية إمارة المؤمنين تقوم على عقد مكتوب منذ قرون يسمى البيعة، وشرح ذلك قائلا: «هناك نظرية متكاملة مستقاة من تقاليدنا ورصيدنا في ممارسة الدين وفهم الدين، وأول هذه العناصر هو اعتبار إمارة المؤمنين نظاما سياسيا دينيا هو وحده المقبول في الضمير الإسلامي، وهو متحقق عندنا في المغرب». لست أنا وحدي من يخترع المفاهيم إذن.

وإذا كان المجال الديني محصورا للملك، فإن المجال السياسي مفتوح أمام الجميع. إنني، وفقا لهذا التحليل، لا أرى أن حزب العدالة والتنمية جزء من الإسلام السياسي، فهو طيلة الفترة التي كان فيها -إن جاز القول- موضعا للاختبار، سواء في الممارسة البرلمانية أو في الوظيفة الحكومية، لم يقدم لنا يوما موقفا سياسيا إزاء مشروع قانون أو قرار بالاستناد إلى قواعد فقهية موجودة عند أحمد بن حنبل أو عند الإمام الشافعي. لقد كانوا يناقشون الإجراءات المالية المتعلقة بالضرائب على الخمور، على سبيل المثال، ولم يطالبوا بتحريمها يوما.

لقد خلق توظيف الإسلام السياسي في المغرب توظيفا سياسيا سلبيا ثقافة سطحية يدار بها الصراع السياسي. لماذا، إذن، لا يمكن أن تكون الملكية وإمارة المؤمنين جزءا من الإسلام السياسي، مادام محمد السادس، بصفته ملكا وأميرا للمؤمنين وفقا لمنطوق الفصلين 41 و42 من الدستور، يقود الدولة باعتباره رجل دين، كما يسيرها بصفته رجلا مدنيا. إن مثل هذا التساؤل ينبغي الحصول على جواب عنه من لدن مفكرين قادرين على تفكيك المفهوم، مثل عبد لله العروي. هذه المناقشة عسيرة، وهي تطرح سؤالا عريضا حول مفهوم الملكية نفسه. إن الملكية مبنية على تصرفين أساسيين في الدين الإسلامي؛ البيعة والدعوات في المساجد. ومن له البيعة والدعوة في المساجد، فهو ملك بقوة الأشياء التي تمنح الصفة لمن يقود البلد بشكل سياسي، لكن بخلفية سياسية. كما يجب ألا نغفل أن أحد المصادر الرئيسة لتشريع القانون هو الدين الإسلامي نفسه.

تبعا لذلك، فإنني عندما اطلعت عرضا على بعض التعقيبات بخصوص الرأي الذي عبرت عنه بشكل ملخص في ندوة تقديمي لترشحي، لم أر سوى الإساءة المتعمدة للمناقشات العلمية. لم أر أي شيء يمكن تلمس رائحة الفكر فيه. إنني لا أريد أن يقال إن الإسلام السياسي محصور في القوى الحزبية، أو موضوع محدود بالصراع السياسي. الإسلام السياسي حالة فكرية، وحالة سياسية تنظيمية، ثم حالة مؤسساتية، وهو أيضا حالة تاريخية في المغرب. لكن غالب المناقشات، التي سادت بعد تعبيري عن رأيي، كانت مغرقة في السطحية وتحركها نوايا تصفية الحسابات.

منتقدو رأيك بهذا الخصوص مصممون على القول إن هذا الرأي ليس نابعا من الثقافة السياسية الموجودة في حزب الأصالة والمعاصرة، وإنما هو تعبير عن ثقافة حزب آخر، أي حزب العدالة والتنمية؟

صدقني، لا يهمني حزب العدالة والتنمية. ليس كل مرة أتحدث فيها حول الدين -وهو حقي المطلق- أكون متحدثا باسم حزب العدالة والتنمية. هذا الحزب لا يحتكر الدين، ولن يقدر على ذلك، مثله في ذلك مثل أي أحد آخر. إن المشكلة الرئيسة هي كالآتي: لقد غُرست فكرة في عقول أعضاء الحزب تنص على أن وجودنا مرتبط بالصراع مع الإسلام السياسي. لقد خلق لنا ذلك أزمة. وعندما حاولنا تفكيك هذه العملية، وجدنا أن القضية برمتها ليست سوى عملية نصب كبيرة جرت أطوارها في التاريخ السياسي المغربي.

ما هو مثير للانتباه في تصريحاتك التي أثارت اللغط، هو وجود ارتباط بين نسق تحليل الملكية باعتبارها جزءا من الإسلام السياسي، ونسق تحليل يتعلق بكشف حساب بشأن صلة حزبكم بالدولة؟

لم يكن كشف حساب، بل هي عملية تقييم. لا مجال للنفاق في هذا الصدد. كان هناك توظيف للحزب ولمواقعه للقيام بممارسات خدمة للسلطة، كما كان يعتقد البعض. لدينا نماذج كثيرة، ودعني أشير إلى مظاهرة الدار البيضاء الشهيرة (ولد زروال)، فهي جزء من هذه المسلكيات. إننا في الحزب، وفي مرحلة معينة، كنا قد أظهرنا القدر الكافي من الاستقواء بالسلطة، وكان ذلك خطأ، ولم يكن على السلطة أن تقبله، كما لم يكن للواقع نفسه أن يقبله. علينا أن نعيد الأمور إلى نصابها. نحن حزب مستقل عن السلطة، ويجب أن تكون لدينا المسافة نفسها، كما لجميع الأحزاب، إزاء كافة المؤسسات الأخرى، بما فيها الملكية والدولة. لقد قيل إنني لم أقدم هذا النقد في الوقت المناسب عندما كنت مسؤولا في تلك المرحلة. وأجيبكم: لقد قدمت الانتقادات الكافية بهذا الخصوص في ذلك الوقت عندما كنت ألاحظ هذه الأشياء، وفي 2013، أعلنت صراحة أننا نريد أن نكون حزبا عاديا. وكثير من مواقفي آنذاك كانت مناقضة لمواقف حزب الأصالة والمعاصرة، وكنت أرفض أن يقتربوا من السلطة عبر جهازها الإداري. كنت دوما من الداعين إلى صيانة الاحترام الواجب للأحزاب الأخرى، وهذه عملية لا يمكن أن تتحقق سوى بالابتعاد عن تلك العلاقات مع الدولة. كنت أدعو إلى ضرورة حماية الحزب من التورط في تلك العلاقات.

مع ذلك، يبدو أن حالة من الإنكار الواسعة لوجود هذه الصلة بين الأصالة والمعاصرة والسلطة تسود داخل الحزب، وقد جرى التعبير عن ذلك بواسطة مناشير كثيرة لاستنكار تصريحاتكم بهذا الخصوص. لقد تسببتم في حالة من الإحراج؟

الإحراج الوحيد هو الذي أصاب أولئك الذين كانوا يستفيدون من ذلك الوضع، فيما لم يشعر أولئك الذين لم تكن لديهم صلة بذلك الوضع بأي إحراج. على سبيل المثال، الفريق النيابي للحزب في حالة صحية سليمة، ولم تبدر عنه أي ملاحظة بخصوص ما قلت عن الاستقواء بالسلطة. لكن تلك الجماعة قليلة العدد هي التي شعرت بالإحراج. ليس هناك سبب للشعور بالحرج من قول الحقيقة كما هي.

لقد كان لدينا في الحزب أشخاص يعتبرون أنفسهم فوق القانون، لكننا الآن في وضع أفضل.

هل مازال هؤلاء الأشخاص في الحزب أم غادروه؟

بقيت هناك فلول.

هل يمكن أن يمثلوا مشكلة مستقبلا؟

بصفة شخصية، فإني سأقوم بمواجهتهم إن قدت الحزب. لن أقبل بتوظيف مؤسسات الدولة داخل الحزب. إذا كان أعضاء الحزب يريدونني رئيسا، فإنني سأعمل على أن يكون الجميع سواسية، وأما إذا كانوا يفكرون في خلاف ذلك، فإنني لست من يبحثون عنه.

بصيغة أخرى، هل قلت مظاهر الاستقواء بالسلطة بعد مغادرة إلياس العماري؟

كثيرا، دعني أقول لك إن الأمر قل بشكل مذهل. لقد عشنا صراعا مريرا في الحزب، ولم يتدخل أحد من خارج الحزب. إننا اليوم، وعلى أبواب المؤتمر، نحاول جمع المال الضروري لتمويل عقده، أي إننا لم نتلق أي أموال خارج ما ينص عليه قانون الأحزاب، ولم نتلق كذلك أي تعليمات بخصوص أي شيء طيلة هذه الفترة.

وفي هذه النقطة سأقدم تفصيلا أكثر دقة: هل كانت بالفعل هنالك تعليمات من السلطة إلى الحزب في وقت مضى، أم إن الأمر لم يكن يعدو أن يكون وهما بتلقي تعليمات؟ هذه صيغة استشكالية لما أريد أن أوضحه. وعندما أقارن الوضع الحالي بما كان عليه الأمر في الماضي، أطرح التساؤل المشروع: هل كان هناك بيع لوهم السلطة داخل حزب الأصالة والمعاصرة؟ يبدو لي ذلك، كما يظهر أن من فعل ذلك قد نجح في خدعته، حتى بات الناس يتصورن «البام» حزب سلطة. وفي اعتقادي، أن بعض الأشخاص في الإدارة قدموا خدمات أو تسهيلات لبعض الأشخاص في الحزب تحت وطأة مفعول هذا الوهم. تحاول القيادة السياسية بشكل مستمر زرع وهم تدخل السلطة وتلقي التعليمات لكي تحافظ على طريقة معينة في تجميع المصالح.

لقد سوقنا هذا الوهم أيضا للناس، وللناخبين، وقد تسبب ذلك في نتائج عكسية، وخسرنا الانتخابات. إذا نجحنا في تغيير الصورة المرسومة عنا، فإننا بشكل مؤكد سنحصل على تأييد الناس.

أليس مبالغة القول إن القوة التي كان عليها حزب الأصالة والمعاصرة طيلة عشر سنوات، لم يكن مصدرها سوى وهم جرى بيعه؟

قد يكون وهما، وقد يكون حقيقة. لم يكن بمقدوري التحقق من ذلك بشكل دقيق، فقد كان يجري إبعادي باستمرار من مواقع الحزب. لكني سأقول لك ما يلي: المخزن لديه قدرة على الجذب الأسطوري كما أسميه. فهو لا يمانع في الاستقواء به وإن لم يأمر بذلك، لأن ذلك يقوي هيبته وسلطته ومكانته في عقول الناس. وهذه الحالة شديدة التأثير على القادة السياسيين، لكن ينبغي عليهم مقاومتها. إن الاحترام الضروري للمخزن ليس عيبا، غير أنه ليس من المقبول توظيف أي سلطة في العملية الديمقراطية. هذا عبث.

وفي ولاية بنشماش القصيرة هذه، ألم تلحظ وجود مظاهر للاستقواء بالسلطة، أو همسا بوجود تعليمات؟

لم يذكر لي بنشماش مثل هذه الأشياء على الإطلاق. لم ينبس يوما بعبارة التعليمات في مواجهتي.

ألم تحس أيضا بأن هناك عموما تعليمات يجري تصريفها بطرق أخرى؟

من الصعب علي قول ذلك. أنا لست مطاردا للأشباح، أو الإيحاءات، أو متتبعا لأثر الوحي. لقد كنا نجتمع بشكل طبيعي، ونتخذ القرار المناسب بمعزل عن أي تأثيرات غريبة. لكني، مع ذلك، لم أقض فترة طويلة بجانب بنشماش، فقد افترقنا سريعا بسبب ذلك الصراع الذي حدث. ولم تضعني القيادة يوما في صورة هذه التعليمات. لقد أصبحت كل مرة أسمع فيها كلمة «تعليمات» أشعر بأن الأمر يتعلق بكذب يراد تسويقه. وبالفعل، كانت كلمة «التعليمات» تقال بخصوص مناقشة أشياء غريبة وهامشية وثانوية لم تكن هنالك حاجة إلى قرار فوقي لتحديدها. لقد كانت لعبة التعليمات تتحرك فقط لخدمة مصلحة شخص ما في موقع ما.

شخص داخل الحزب أم خارجه؟

داخل الحزب وخارجه. على كل حال، لا أريد أن أضيف أي تفصيل في هذا الموضوع. لقد كان ذلك يثير غضبي دائما. لقد كنا على قدر من النضوج لاتخاذ القرار السياسي المناسب، ولم نكن في حاجة على مرشد أعلى. إن فكرتي كانت دوما أننا عندما نتخذ القرار بشكل مستقل، فإننا نعزز قوة الدولة. لقد تشكلت داخل الحزب كتلة بشرية تعتاش من وهم التعليمات، وعندما أعلنت صراحة أني سأقطع هذه الصلة المزعومة، شرعوا في الهجوم علي بشكل بغيض. لو كنت أرغب في الاستقواء بجهة ما، يتعين علي إذن الانضمام إلى تلك الجهة بشكل مباشر. لنحسم هذه القضية مرة أخيرة: ادعاء الصلة بـ«الجهات العليا» ليس سوى وهم من صنع خيال قادة في حزب الأصالة والمعاصرة.

لكن يبدو أن صلة «البام» بالدولة قد تحولت إلى بنية راسخة في ذهن أعضائه، حتى إنه يبدو من العسير عليك تغيير مجرى هذا التيار؟

إنه مزاج عام قد تشكل الآن بطريقة مغايرة عما كان عليه الحال في الماضي. بالفعل شارك قادة كانوا يملكون بعض الارتباطات بأجهزة الدولة في غرس فكرة أن «البام» حزب للسلطة، وقد فعلوا ذلك بحيوية أكثر عقب 2011. وتبين في 2016 أن تلك الفكرة كانت خاطئة. ودليلي على ذلك أن الدولة لو كانت تريد إعادة بناء النظام السياسي والانتخابي كما تريد، لقامت بذلك. لكني أرى أن الحالة الديمقراطية في المغرب على قدر ثابت من الصلابة لا يمكن زعزعته بالاستقواء بالسلطة. كما أن الناس على قدر كبير من الوعي يسمح لهم بمقاومة أي محاولة لفعل ذلك. وبالطبع، فإن الناس قادرون على الفصل بين جلالة الملك وبين الأحزاب، وهم، بذلك، لا يقبلون وجود أي استقواء بالقصر للسيطرة على الناس. الناس يريدون الديمقراطية.

لقد تقوت فكرة حزب السلطة في مرحلة 2011-2016 تحت ضغط الصراع السياسي العنيف المبني على صكوك باطلة للاتهام بين مختلف الأطراف. وما حصلنا عليه في نهاية المطاف، هو خسارة البوصلة الأخلاقية في العمل السياسي. لكن، مازال لدينا الوقت لترميم الموقف؛ علينا أن نتقبل مشاعر الإخفاق في الانتخابات، وأن نحصن العملية الانتخابية من أي تأثيرات مشينة، وعلى الدولة ألا تنحاز إلى أحد ما. إننا في بلد توجد فيه سلسلة طويلة من الأحزاب لا هيئة واحدة قد تشكل تهديدا للأمن العام. وأن يقود حزب العدالة والتنمية الحكومة أو يقودها حزبي، فإن ذلك، في نهاية المطاف، لن يغير طبيعة النظام السياسي، وإن كان سيغير الكثير في طبيعة البرامج السياسية. ولقد حان الوقت لتفهم السلطة -أو أي جزء منها مازال يفكر بطريقة ماضية- أن الأوقات قد تغيرت.

ألا تخشى أن تعرضك مواقفك وتصريحاتك هذه لعواقب سياسية؟ ألا ينصحك محيطك بضرورة الحذر من أن تكون هدفا لغضب معين؟

حتى الآن، ليس هناك سبب يدعوني إلى الخوف. ما أنا مقتنع به أقوله باستمرار، وليست لدي رغبة في التراجع عنه. وما قلته اليوم، سأعيده على مسامع الناس بعد أسبوع. أنا شخص حر.

التغيير الذي أنت بصدد التعبير عنه بخصوص «البام» سيطرح مشكلة بشأن الحلفاء المحتملين للحزب مستقبلا.. «البام» كان دوما حليفا لأحزاب يقال إن لديها ولاء للإدارة، أو هناك شكوك عميقة حول استقلالية قرارها، ولقد رأينا ذلك في تحالفG8، عام 2011، ثم مع الأحرار في 2016؟

على ذكر تحالف الـG8، كان ذلك غلطة كبيرة ضربت الحزب في مقتل. موقفي كان هو أن التحالفات يجب أن تتشكل بعد الانتخابات وليس قبلها، وسيبقى هذا هو رأيي دائما. وعلى كل حال، فإني لست مسؤولا عن تحديد من يجب أن يكون حليفا للحزب، لأن مسؤوليتي منحصرة في تغيير الحزب، وإذا فشلت في ذلك، فإني سأقدم استقالتي.

(مقاطعا) لكن G8 كان بإيعاز من أشخاص ما، ربما الذين أسسوا «البام» نفسه؟

ربما كان ذلك، لكني لست مسؤولا عن تصرفات الأشخاص الذين أسسوه. وأولئك الذين أسسوا الحزب لم يسجلوه ملكية خاصة لدى المحافظة. لا يهمني من أسس الحزب والكيفية التي أسسه بها، أو الأسباب التي دفعته إلى ذلك. ما يهمني هو أن الحزب عليه أن يكون مطابقا لتصوري وقناعاتي بخصوص الديمقراطية والحداثة، وليس من واجبي أن أعيد تجربتهم. وإذا كان المؤسسون قد رغبوا في أن يسير الحزب في طريق معين، فإن ذلك لا يهمني الآن. لدينا الآن جيل جديد في الحزب يريد تصحيح دفته. لقد حدث انحراف في الحزب، وضاعت الحداثة وسط تصرفات غير مقبولة للحزب وأعضائه.

لكن «البام» تأسس على أساس مواجهة الإسلاميين وقد أعلن ذلك مؤسسه بكل صراحة في التلفزيون؟

لا تهمني مواجهة الإسلاميين. إن تجربتي السياسية بينت لي أن حزب العدالة والتنمية كيان ديمقراطي، ولست هنا لأعيد تجربة موقف المؤسسين. وشخصيا، لم يقل لي أحد إن مواجهة الإسلاميين يجب أن تبقى عقيدة مركزية للحزب. إنني عندما أضع حزب العدالة والتنمية تحت المجهر، فإني أفعل ذلك بمنظور آخر غير ذلك الذي كانوا يرون به هذا الحزب. لقد كنت واضحا في هذا الصدد، وقلت الجميع ألا يتوقعوا مني أي عداء لحزب العدالة والتنمية أو غيره. وحتى حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي لدي معه خلاف، لم أطلب من قادته سوى احترام حزبنا كما نحترمهم.

كان يتوقع أن يقدم تيار «المستقبل» مرشحا وحيدا باسمه، لكنه لم يفعل؟

يمكنني أن أقول إننا، وعقب المصالحة التي جرت بيننا وبين التيار الآخر، لم يعد هناك ما يمكن تسميته بمرشح هذا التيار أو ذاك. وأنا، بالتالي، لست مرشحا باسم تيار «المستقبل»، ولا أقبل أن أكون مرشحا باسمه فقط، بل إنني مرشح باسم حزب الأصالة والمعاصرة.

وهل نسيتم كل مضامين رسالة «الإكوادور» عندما تحدث أمينكم العام عن ذمتكم المالية وطالب السلطات بالتحقيق في ثرواتكم، وطريقة تدبيركم لمناصبكم؟

رسالة «الإكوادور» ليست سوى الأشياء الأقل ضررا في ما حدث. وبشكل شخصي، لقد وضعت كل شيء ورائي. وقد نسيت كل ما كتب عني، وغفرت لمن كتب عني أي شيء. لقد كان ضروريا خوض تلك المعركة، وكان لنا مكسب جوهري في إرساء قواعد جديدة للعمل في الحزب.

تبدو هذه المصالحة غامضة وسرية في الوقت نفسه؟

في الواقع، لم نتفق على أي شيء مهم في هذه المصالحة. كل ما فعلناه هو إحالة نقاط الخلاف الرئيسة على المؤتمر كي يحسمها. لم نتفق على أي شيء مع بنشماش في ما يتعلق بالتحالفات، أو الإشكالات التنظيمية، أو القضايا السياسية. كل ما جرى الاتفاق عليه هو تحديد موعد المؤتمر، وتزكية اللجنة التحضيرية التي ستعمل على تحضيره. ولو حاولنا مناقشة كل هذه التفاصيل في المصالحة، ربما لم نكن سنصل إلى نتائج، وكنا غالبا سنذهب إلى مؤتمرين، وكان سيكون أمرا غريبا حدوث ذلك.

لكن تأجيل نقاط الخلاف الرئيسة هذه إلى المؤتمر من شأنه أن يهدد سلامته أيضا؟

لا، لن يتسبب في ذلك. المؤتمر ليس ثكنة عسكرية يطلب فيها من أعضاء الحزب أن يتصرفوا مثل مجندين خاضعين لقانون سلوك معد سلفا. إن المؤتمر، على عكس ذلك، منصة مفتوحة لمناقشة كل شيء، والوصول، بواسطة التعابير الديمقراطية، إلى النتائج العملية.

إذن، ليست هناك مخاوف؟

سأجيبك بالقول إن مشكلة حزب الأصالة والمعاصرة ليست في الخلاف الذي حدث بيننا، بل تكمن في أن الحزب يفتقر إلى أدوات الحوار، بل لم تكن فيه ثقافة الحوار أصلا. ما أثبته الصراع الذي حدث، هو أن الحزب قد لا يحتمل هزة أخرى مثل تلك. ويجب الحرص على ألا يتكرر ما جرى. وحسب وجهة نظري، فإنه يجب أن يعاد تأسيس طريقة تدبير الحزب، ولدي مسعى إلى جعل الحزب يعمل بطريقة فيدرالية، حيث تحوز الأمانات الجهوية كافة الصلاحيات دون العودة إلى المركز.

لكن كان الحزب يروج منذ سنوات أنه يعمل وفقا لهذه الطريقة؟

كانت تلك فكرة ظلت حبيسة الورق فحسب، فيما كان المركز يتحكم في كل شيء.

كان يقال -وقد قلت أنت أيضا ذلك- إن حزب الأصالة والمعاصرة ليس سوى هاتف الأمين العام. هل تعتقد أن هذه الصفحة ستطوى؟

كان ذلك هو النتيجة العملية لبيع الوهم لنا بشأن وجود تعليمات. فأن يختزل حزب بالكامل في هاتف في جيب أمين عام، هو بمثابة فشل سياسي ذريع.

وهل يمكن أن يستمر ذلك؟

لن يحدث ذلك إذا توليت المسؤولية. في حزب الأصالة والمعاصرة قوة هائلة، ومخيفة، وهي في حاجة إلى من يروضها. والأمين العام المقبل سيكون واهما إن كان يعتقد أنه سيحكم بقبضة من حديد كما فعل سابقوه.. لقد تغير ذلك أيضا.

تبدو متفائلا كثيرا.. الكثير من التوقعات تشير إلى أن «البام» دون سند السلطة، أو لنقل دون وهم سند السلطة، لن يبقى مغريا للناس، وسينفض القوم من حوله، وربما يكون الأعيان أول الهاربين. ربما ستكتفون بـ30 برلمانيا في أحسن الأحوال؟

من قال إننا سندفع الأعيان إلى الزاوية. الأعيان جزء جوهري من آلة الحزب، ومشكلتنا محصورة في مواجهة قضية التعليمات، وليس أي شيء آخر.

لكن باسم هذه التعليمات جرى حشد الناس لفائدة «البام»؟

لا، لم يحدث ذلك. الـ102 نواب برلمانيين لديهم ثقل شعبي في دوائرهم، وليس مهما بالنسبة إليهم إن كانت هناك يد للسلطة في الحزب أو لم تكن. لقد استعملت هذه الأحكام الجزافية ضدنا، وأنا متيقن من أن 99 في المائة من أولئك البرلمانيين سيعودون، بتزكية من الحزب، إلى مقاعدهم في 2021.

هل سيعودون مجددا إلى المعارضة؟

عندما يحين الوقت المناسب للحديث في هذا الشأن، سنتخذ القرار الملائم. لكن يمكنني القول إننا إن قدم لنا عرض عملي، فإننا سنكون في الحكومة. إن ما لا نرغب فيه هو أن يقع تحويلنا إلى رقم مكمل في عملية تشكيل الحكومة.

حتى ولو كانت حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية مثلا؟

ليس لدي مانع في أن يكون هناك حوار مع حزب العدالة والتنمية في هذا الصدد. وسيكون المحدد الرئيس فيه هو البرامج المعدة للعمل الحكومي، وإذا ما رأينا أن البرنامج يناقض توجهاتنا، فإننا لا محالة سنرفض دعوتهم إلى المشاركة في الحكومة.

 وإذا قاد الأحرار الحكومة؟

لقد قلت لك؛ ليس هناك مانع في إدارة حوار فعال وعملي مع أي طرف بهذا الخصوص. لكن، لماذا لم تطرح علي السؤال عمن سأتحالف معه لو حللنا نحن في المرتبة الأولى في الانتخابات؟

ربما لأن الكثيرين يعتقدون أن ذلك مستبعد؟

وهل تعتقد أن الناس سيعاقبوننا؟ لماذا سيفعلون ذلك؟ مازلت مقتنعا بأن حزب «البام» سيكون له دور أفضل مما هو عليه الآن.

على كل حال، فإننا، على خلاف الماضي، لن نتصرف صباحا وكأننا نقبل بنتائج الانتخابات، ثم نعقد اجتماعات في الليل للانقضاض عليها. هذه أعمال انتهت في «البام».

هاجس التفتيش سائد داخل «البام» ألا تخشى أن يقال إن الطريقة التي شكلت بها علاقاتك داخل حزب العدالة والتنمية رسخت لديك وعيا مغايرا بخصوص الكيفية التي تنظر بها إلى السياسة؟

أولا، لدي علاقات متعددة، وربما أنني متعب من عبء هذه العلاقات مع جميع الأحزاب. ليس لدي حدود في ذلك. وحتى أولئك الذين ينتقدونني بسبب تصريحاتي هم أصدقائي في نهاية المطاف. ليست لدي مشكلة في ذلك، لأنني قادر على الفصل بين ما هو إنساني وما هو سياسي. الكثيرون يؤاخذونني بعلاقاتي مع أعضاء بحزب العدالة والتنمية، لكن لا تضيرهم علاقاتي مع أعضاء في حزب الحركة الشعبية أو التقدم والاشتراكية أو الاستقلال أو الاتحاد الاشتراكي. هناك من لديه هواية معاملتي بهاجس التفتيش، وإني أشعر بالأسف من هذا الهبوط الحاد إلى مستوى مناقشة الناس بما لديهم من علاقات وليس بما يعبرون عنه من قناعات. لا حق لأي أحد، كيفما كان، أن يعرضني للمحاسبة بسبب علاقاتي. هذا أمر يهمني وحدي فحسب. واختلاف الرؤى بشأن كيان سياسي لا يحول دون الصداقة بيني وبين العضو الذي يخالفني الرأي.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

بودنيب منذ 4 سنوات

اظن ان نسبة فوز وهبي برئاسة الحزب ضئيلة لسببين اولهما هو تقديم بيد الله لترشيحه وهذا التقديم مستحيل ان يقدمه المعني بالامر دون اشارات اصلا الشخص طوال مشواره المهني معروف عليه انه لا يمكن له فعل اي شيء ولا تحريك حتى القلم من فوق مكتبه دون اشارات ثانيا هذه التصريحات ربما سيكون عندها تأثير سلبي على ترشيحه

برافو وهبي منذ 4 سنوات

برافو السي وهبي على هذا الحوار القوي، ولا شك أنك قد إستفدت من سياسة بن كيران الذي كان يتكلم عن ااجميع بدون أي خوف.

التالي