منير أبو المعالي يكتب: قراءة «اللطيف» في «البام»

30 يناير 2020 - 18:00

الألفة شعور قاس، بمقدورها أن تمنحك قناعات مشوشة بخصوص أوضاع مضللة. وعندما تتعرض هذه الألفة للاهتزاز، ستحس، لا محالة، بدوران الأرض من حولك. وبشكل من الأشكال، فإن هذا بالضبط هو ما يحدث في حزب الأصالة والمعاصرة، وبصيغة أدق، فإن هذه النتيجة كانت من أفعال رجل واحد: عبد اللطيف وهبي.

وبالنسبة إلي، باعتباري شخصا راقب مسار شخصية سياسية مثل وهبي، فإن المعمعة القائمة في الوقت الحالي ليست، دون شك، موضع مفاجأة. القادة السياسيون يصنعون الهويات الحزبية. هذه قاعدة لا ينكرها سوى أولئك «القادة» الذين لم يكن لفترات ولايتهم أي أثر عملي. لا يتذكر الناس شيئا جديرا بالانتباه حول مصطفى الباكوري، أو محمد الشيخ بيد الله، ربما لأنهما لم يكونا، بالضرورة، هما من كان يحكم الحزب في فترتيهما. على خلاف ذلك، لا يمكن التشطيب على مرحلة إلياس العماري في «البام». لقد صاغ هوية حزبية بقيت مرتبطة باسمه، وقد فعلها بشكل علني مثلما كان يعمل ذلك من وراء حجاب في ما مضى.

كان مطلوبا من قادة «البام» أن يكون لديهم هدف واحد؛ تعزيز الاعتقاد بأن المشروع السياسي للحزب هو ألا يتركوا الإسلاميين يتقدمون على طول الطريق. وليفعلوا ذلك، فقد كانت كل الوسائل مباحة. لم يكن «البام» يوما ديمقراطيا، فقد بقي كما أريد له أن يكون؛ أداة كبح للنتائج غير المتوقعة للتجريب الديمقراطي. مسيرة «ولد زروال» كانت نموذجا مثيرا للاشمئزاز بشأن ما يمكن أن يصل إليه التجرؤ على قواعد السياسة النظيفة. لقد ظلت تلك المسيرة عارا يلاحق الحزب كما السلطة، بالرغم من شهادة البراءة المزورة التي استصدرت لاحقا بخصوص صلة هذا الكيان بما حدث في البيضاء.

لكن العداء للإسلاميين ليس مجرد شعار أو برنامج سياسي، بل كان عقيدة سياسية لا يمكن غفران الزحزحة عنها. وبالطبع، لم يكن لهذه المشاعر تأصيل نظري موسع في وثائق الحزب، وكان على قواعده أن تكتفي بالتصريحات الصادرة عن القادة لتأسيس حس الكراهية ذلك. ومن الواضح أن طبقة اليسار الرخوة داخل «البام» كانت تملك كل الأسباب لتغذية هذا الكره، لكنها كانت في مواجهة طبقة صلبة من الأعيان ممن لم تكن تعنيهم هذه الكراهية في شيء. لقد كانوا فعلا ملزمين بها في حدود ما، لكنهم لم يتحولوا إلى «مؤمنين» بهذه العقيدة. لقد أظهرت الكشوفات التي أجريت على الموارد البشرية لحزب الأصالة والمعاصرة أن الطابع المحافظ مسيطر على أعضائه، وكان القادة السياسيون يحاولون نشر بعض الاطمئنان بدعوى أن «زرع العقيدة السياسية يحتاج إلى وقت طويل». في نهاية المطاف، لم يكن الوقت هو ما يحتاجون إليه. إلياس العماري طبع كتابا تبسيطيا حول الإسلاميين، لم يحظ بأي إقبال، بقدر ما نال سخرية كبيرة، مدعيا استنتاجات غير موثقة، وتقفز فوق الأرض كل مرة حوصرت فيها بالأدلة. ثم بعد ذلك العام، عقد العماري تحالفا مع هؤلاء الإسلاميين في مجلس جهته، حيث قدر أن الإسلاميين ليسوا جميعا على السليقة نفسها!

ليست هناك مشكلة في أن يغير القادة السياسيون تقديراتهم، لاسيما إذا لم تكن مسنودة بتحليل نظري صلب. كان إلياس يخطب في الناس كما على السفراء الأجانب، معلنا «حربا صليبية» على الإسلام السياسي، ثم تتبعه جوقة الأتباع، وهي تفكك كل جملة في احتفاء غريب بالخطاب. وبشكل كاريكاتوري، كان يبدو ذلك مثل بعض مشاهد مسرحية «الزعيم» وقد تحولت إلى شيء حقيقي.

في الواقع، فإن هذه الجوقة لم تكن سوى مركب مصلحي يدور حول الزعيم. وكان البيان السياسي هو بيان الزعيم، وعقيدة الحزب هي عقيدة الزعيم، وهكذا دواليك. ثم، فجأة، توقف ضخ الدم في الشريان الرئيس لهذه الآلة المؤقتة التي وضعت داخل جسم مريض. غادر إلياس، واضمحلت عقائده سريعا، لكن طبقة اليسار تمسكت، بكل ما أوتيت من قوة، بذلك الحبل الواهي، فهي لا تستطيع أن تتنفس خارج تلك العقائد. ولم يشكل حكيم بنشماش سوى المقاومة الأخيرة، وقد انتهت هي أيضا.

يطرح القادة السياسيون الجدد في «البام» أفكارا مغايرة.. تصليحات عميقة على جوانب «الفكر» المؤسس لمشروع حزبي يكاد يضمحل. إذا كنت تعتقد أن مواجهة الإسلاميين شرط وجود في «البام»، فإن كتلة جديدة تبزغ في الحزب لا ترى ذلك ضروريا. يضرب ذلك الجوهر الإيديولوجي للحزب، والذي، بطريقة ما، لم يكن فعلا سوى فكر زائف يجري تغييره الآن بواسطة براغماتية محترفة.

عبد اللطيف وهبي أحد هؤلاء الذين لا يرون حرجا في رمي عقائد الحزب، التي صاغها مؤسسوه بعناية، من النافذة، ويظهر أن هذه الأفكار تلقى قبولا متزايدا رغم قدرة اليساريين الضعاف هناك على الصراخ طلبا للنجدة. ممن؟ لا أحد يعرف بالضبط، فقد بات «الوهم» عقيدة تدبيرية في ذلك الحزب.

وعلى كل حال، فإن ما بقي لهذه الطبقة، وهي تُزاح بشدة نحو الهامش، هو أن تصرخ، وأن تقرأ اللطيف؛ فالكارثة على وشك أن تنزل فوق الرؤوس.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي