عبد العزيز العبدي يكتب: هل سينجو العالم بعد كورونا؟

24 مارس 2020 - 14:45

“لا يمكن أن نسمح بأن يكون العلاج أسوأ من المشكلة نفسها.. في نهاية فترة الـ15 يوما سنتخذ قرارا بشأن الطريق الذي نريد أن نسلكه”.
دونالد ترامب، التويتر.
نشر الرئيس الأمريكي هذه التدوينة مساء يوم الثلاثاء 23 مارس، وهي تدوينة رغم انخراطها ضمن تدوينات عديدة للرئيس الأمريكي، إلا أنها أثارت الفزع في نفوس المتابعين لتطور معالجة الفيروس، وتداعياته على بنية الحضارة الإنسانية بشكل عام.
المحللون ربطوا بين هذه التدوينة وحالة الانغلاق التي يعرفها الاقتصاد الأمريكي، وبينها وبين تدوينة سابقة تحدث فيها دونالد ترامب عن عودة المعافين إلى وحماية الأشخاص الأكثر هشاشة، واعتبروها تراجعا عن الوعد بالحماية هذه، بالنظر إلى التكلفة الباهضة التي سيحتاجها تنفيذه.
إن طرحه لاختيار الطريق الأمثل لمعالجة هذا الوباء وحديثه عن التكلفة مفتوح على إمكانية اللجوء إلى استراتجية مناعة القطيع، التي تخلى عنها مرغما رئيس الوزراء البريطاني، والتضحية بالمواطنين الأكثر هشاشة صحيا، مع كل ما سيترتب عن ذلك من تداعيات إنسانية بالأساس، على المجتمع الأمريكي أولا ثم على مجموع البشرية برمتها.
سيكون من السهل التنبأ بدمار شامل قد يعرفه العالم كله، بالنظر إلى القراءات البسيطة لتاريخ الحضارات وشكل انهيارها، إذ أن كل الأسباب التي أدت إلى ذلك سابقا، أي انهيار الحضارات متوفرة في هذه الأزمة، بل الأدهى أن الحضارات السابقة كانت تنهار لتوفر عنصر واحد من عناصر هذه الأسباب بينما ما هو متوفر حاليا هو تركيب من كل ما أنتجته الحضارات السابقة كأسباب لهلاكها.
على رأس هذه الأسباب الوباء، المتمثل في ما يعرفه العالم من هجوم لفيروس كورونا، دون إغفال الآثار التي تركها سلفه السارس أو الايبولا أو غيرهما.
هناك كمية الطاقة الأحفورية، التي تتضاءل يوما عن يوم، بسبب نضوب مصادر البترول والفحم الحجري والغاز الطبيعي، واللازمة لإنتاج الطاقات البديلة، الشمسية منها والهوائية.
هناك الاختلال المناخي المتمثل في شبح الاحتباس الحراري، وتداعياته على الزراعة التي تبقى مجالا حيويا رئيسيا لقيام الحضارات، مهما تقدمت وتطورت المدينة فيها.
هناك الاختلالات البيئة، الناتجة عن تدهور البحار والمحيطات، واجتثاث الغابات وزحف التصحر والتلوث المفرط الناتج عن تصنيع مفرط بدوره.
هناك الفوارق الاجتماعية واستبداد الأقلية بالحكم والثروة وعدم انتظام العمليات السياسية بما يكفل تداول السلط وإشراك أغلبية سكان هذا الكوكب في تدبير أمورهم العامة.
كل هذه الأسباب كانت وراء انهيار الحضارات، عبر قيام الثورات العفوية والشعبوية، ونشوب الحروب مما يؤدي إلى تقهقر الدول وانكماشها، وربما اندثارها بشكل كلي.
فهل هذا السيناريو جائز اليوم؟ في ظل التطور التكنولوجي للذي عرفته الإنسانية، وانفتاحها على عوالم حياة أخرى، وأساسا في ظل تراكم فكر انساني وسياسي قوامه الوعي بماهية الانسان على مستوى التفكير الاجتماعي، والوعي بالمصير المشترك الذي بدأ مع تأسيس الأمم المتحدة، وتكثف مع ما رافق انتشار وباء كورونا من حتمية التعاضد والتآزر من أجل مواجهة خطر فناء الانسان على وجه الكرة الأرضية.
إن تدوينات ترامب حول فيروس كورونا وتخبطها، وحزم الصين وروسيا في تعاطيهما مع هذا الوباء، يشكلان ملامح النظام العالمي الجديد، والذي سيتجاوز ترامب وقرارته بالرغم من عجرفته ورعونته، وقد يشكلا طريقا جديدا يمنح للإنسان إمكانية الصمود على وجه هذه الكرة الأرضية، إذا ما اقترن ذلك بشق طريق جديد لاشتغال المجتمعات، طريق يقوى الممارسة الديمقراطية، والتوزيع العادل للثروات، ليس في المجتمعات الأوربية فحسب وإنما في كل المعمور.
دون ذلك سيكون لنا خلف لا نعرف هويته، وحضارة أخرى لا نعرف مقوماتها.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي