عبد الحق بلشكر يكتب: كورونا وسلوكنا

24 مارس 2020 - 21:34

في هذا الوقت العصيب الذي تمر به بلادنا ومختلف دول العالم، بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا، نحن في حاجة أكثر من أي وقت مضى لتكثيف التوعية والتثقيف في صفوف مواطنينا، لأن ما تابعناه نهاية الأسبوع الماضي من ممارسات أبرزها التهافت على المواد الغذائية والتسابق نحو الأسواق الممتازة، لا يبشر بخير.  لحد الآن لازال المغرب في المرحلة الأولى من انتشار الفيروس، وإلى حدود صباح يوم أمس الاثنين سجلت 29 حالة، جميعها لأشخاص قادمين من الخارج، منها 20 حالة سجلت نهاية الأسبوع الماضي، وهذا تطور ملفت، ومع ذلك لم نصل بعد مرحلة العدوى الداخلية، وهي مرحلة ستكون خطيرة لا قدر الله، ولهذا سارعت السلطات إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاحترازية نهاية الأسبوع الماضي  أبرزها توقيف رحلات الطيران مع العديد من الدول، وتوقيف الدراسة ومنع المهرجانات والمواسم وربما نصل لإغلاق المساجد. لكن مع الأسف خلفت هذه القرارات حالة من الهلع، وتسابق الكثير من المواطنين للأسواق الممتازة، وهو سلوك ينم عن  أنانية واستهتار في نفس الوقت. أنانية لأن  التسابق للاستئثار بالسلع بدون مبالاة بحاجات المواطنين الآخرين يعد سلوكا يفتقد لحس المواطنة والتضامن. واستهتار، لأن التجمع في الأماكن المكتظة لساعات يضاعف فرص انتشار الفيروس. فإذا كان هناك شخص واحد فقط مصاب في المكان المكتض فإن احتمال نقله للعدوى كبير جدا، وحينها سيكون صعبا تتبع انتشار الفيروس وهذا ما وقع في دول أوربية لها إمكانيات كبيرة جدا، ومع ذلك أصبحت مغلوبة على أمرها، مثل إيطاليا وإسبانيا التي تضاعفت فيها الإصابات كثيرا.

 

هناك سلوكات أخرى أيضا لا تبعث على الارتياح، وتكشف حالة الاستهتار، مثل إصرار بعض الأسر في الأحياء الشعبية على تنظيم حفلات الأعراس، رغم منع السلطات للتجمعات التي تصل 50 شخصا، وتجاهل الشباب للتحذيرات واستمرارهم في ممارسة كرة القدم في ملاعب القرب رغم ما تتيحه هذه اللعبة من احتكاك بين اللاعبين وتسهيل تنقل العدوى.  والأخطر هو تجاهل الكثير من الناس للنصائح بعدم المصافحة باليد،  بل أن كثيرا من النساء يواصلن عادات التقبيل لتحية بعضهن رغم ما في هذا السلوك من مخاطر. وأشخاص آخرون لا يجدون حرجا في الجلوس في المقاهي لتبادل أطراف الحديث أو التدخين. وهذه ممارسات تتبعناها نهاية الأسبوع الماضي. وقد أمرت السلطات الاثنين بإغلاق المطاعم والمقاهي والحمامات والقاعات الرياضية وملاعب القرب.

على المستهترين بخطورة الفيروس أن يدركوا أن الوضع خطير، وأن دولا مثل إيطاليا وإسبانيا كانت تعرف حالات محدود من الإصابات في فبراير شبيهة بعدد الإصابات التي تسجلها بلادنا حاليا، ولكن في مارس تضاعفت الإصابات كثيرا ووصلت الآلاف، واضطرت دولة مثل إيطاليا إلى منع المواطنين من مغادرة بيوتهم واعتقالهم في حالة خروجهم بدون عذر مبرر. هذه الدولة لها إمكانيات صحية كبيرة، ومع ذلك تعاني، أما نحن في المغرب فلا نتوفر لحد الآن سوى على 250 سرير إنعاش، أي أنه إذا تضاعف عدد الحالات التي لها أعراض تنفسية فإن عدد الأسرة لن يكون كافيا وستكون الوفيات كثيرة لا قدر الله خاصة في صفوف الفئات الهشة من كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة. وحتى الحالات غير الخطيرة، فإنه سيصعب التكفل بها في المستشفيات، لأن عدد الأسرة في المغرب يقل عن 40 ألف، وفيها مرضى أخرون بغير كورونا. فماذا لو وصلنا إلى مرحلة الخطر؟ مؤكد سيقع ارتباك كبير وسيسقط ضحايا كثيرون.. إذن ما علينا سوى تفادي انتقال الفيروس بيننا بتجنب التجمعات، والحرص على النظافة والتنقل فقط للحاجة، واحترام التعليمات التي توصي بها مختلف المصالح.. أكيد أن إجراءات غلق الحدود ومنع التجمعات مهم في محاصرة الفيروس، لكن سلوكنا كمواطنين يبقى حاسما في منع العدوى، فلنكن في مستوى المسؤولية.. وقانا الله جميعا  وسائر البشرية من كل مكروه.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي