بوكرن يكتب: "قادة البيجيدي أيام زمان: جلسنا معه للحوار"-2

22 يناير 2021 - 07:00

تزايد تذكير قادة البيجيدي بماضيهم، بعد توقيع رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، على اتفاقية عودة العلاقات بين إسرائيل والمغرب. يلاحظ أن هذا التذكير بالصور أو الفيديوهات، إما يستعمله مناضلو الحزب لتصريف الغضب والاحتجاج، أو يحوله رواد الفيسبوك إلى مادة للسخرية، أو يستغله الخصوم السياسيون للتأثير في الرأي العام قبل أشهر من موعد الانتخابات البرلمانية. أرى أن العودة إلى أرشيف قادة البيجيدي تمرين فكري ممتع، لرصد الثابت والمتغير، في علاقتهم بالمرجعية الإسلامية، بعد تحملهم مسؤولية ولايتين حكوميتين، وما عرفه حزبهم من اختبارات قاسية لمبادئه ومواقفه. نحن إزاء تجربة سياسية تقدم قراءة غير معلنة للإسلام، في سياق ممارسة التدبير الحكومي، ولا يمكن فهم هذه القراءة إلا باستحضار تاريخهم الحركي. ولا يوجد أفضل من تتبع أرشيف صحافتهم حسب تاريخ الصدور. ليس القصد من هذا العمل إصدار حكم على هذه التجربة في علاقتها بالدين، هل تحولت إلى العلمانية، أم لاتزال سلفية، أم إنها تحولت إلى حزب إداري؟ بل القصد هو فهمها في سياقها التاريخي، وما تقدمه من مبررات كلما انعطفت إلى اتجاه ما، ليتضح الثابت والمتغير في علاقتها بمرجعيتها.

كانت جريدة الإصلاح تُعرِّف المغاربة بأخبار المجاهدين في أفغانستان، وأخبار الحركات الإسلامية في العالم، أكثر من تعريفها بأخبار الفاعلين السياسيين في المغرب. تقرأ في الصفحة الأولى من العدد الثالث: «أمير الجهاد الأفغاني لقادة المسلمين: أبشركم باقتراب الفتح والنصر». وفي العدد الخامس: «هل الإجهاز على الاتجاه الإسلامي في مصلحة النظام التونسي؟». جريدة دعوية إسلامية، مهمومة بدين الإسلام وقضايا الأمة، تصدر عددها الأول، في 30 فبراير 1987، موجهة مدفعيتها ضد خصوم الدين بعنوان عريض: «لا بديل عن الإسلام». كانت لسان جمعية الجماعة الإسلامية، التي تبحث عن الاعتراف من السلطة، بعدما قامت بمراجعة جذرية لموقفها من الدولة المغربية، إذ أصبحت، في أوراقها المذهبية، دولة إسلامية، لا طاغوتا، وهي تريد المشاركة في الإصلاح من الداخل، من أجل الدفاع عن الشريعة الإسلامية، وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لمحاصرة العلمانيين واليساريين. كان عُمر مديرها عبد الإله بنكيران 33 سنة، وعُمر رئيس تحريره عبد الله باها 33 سنة. سنبدأ بأرشيف جريدة الإصلاح، لرصد الموقف من سنة 1987 إلى سنة 1989.

إن من إيجابيات الانتماء الحزبي، منح الفرصة للمناضلين للقيام بمهام ليست من اختصاصهم، لكنهم يتعلمونها من خلال الممارسة، فيراكمون خبرة بالغة الأهمية. من الأقلام التي كان يعتمد عليها بنكيران في كتابة تحليلات حول القضايا الدولية، قلم عبد العزيز الرباح، الحاصل على شهادة الباكالوريا في العلوم الرياضية سنة 1981، والملتحق بعدها بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بمدينة الرباط، ثم سافر إلى كندا ليحصل على ماستر من جامعة لافال. هذا الشاب الذكي والطموح، سينطلق في كتابة مقالات تحليلية حول القضايا الدولية، بجريدة الإصلاح، وعمره 26 سنة. كتب في 18 نونبر 1988 مقالا بعنوان: «المجلس الوطني الفلسطيني: الانتفاضة بين الولادة والإجهاض». وفي 16 دجنبر 1988، كتب مقالا بعنوان: «الانتفاضة.. أعادت الاعتبار، الأمل، الإصلاح». وفي 26 ماي 1989، كتب مقالا بعنوان: «41 سنة من الاحتلال: من المواجهة إلى الاعتراف». ثم انطلق يكتب عن السودان والصين وكوسوفو وإيران وقمة الدار البيضاء والمعسكر الشيوعي والمد الديمقراطي في العالم العربي.

كان الرباح، الشاب الذكي المتحمس، يكتب منحازا إلى التيار الإسلامي، ليواجه التيار الشيوعي والقومي. ولم يحلم الرباح، لا في منامه ولا في يقظته، بأنه سيصبح وزيرا للطاقة والمعادن والبيئة، وأنه سيشارك في مؤتمر دولي، يوم 14 يناير 2021، يحضره وزير إسرائيلي اسمه يوفال شتاينتس، بعد ثلاثين سنة من كتابته مقالات تهاجم خيار الانهزام والتطبيع مع ما كان يسميه «العدو الصهيوني» في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.

إذا كان الرباح يمثل وجهة نظر التيار الإسلامي الأممي يوم كان شابا، فإنه اليوم يمثل وجهة نظر الدولة المغربية في زمن الكهولة، وكأنه انتقل من منطق التفكير في الأمة، من خارج الدولة، إلى منطق التفكير في الأمة، من داخل الدولة. كتب الرباح في مقال: «من المواجهة إلى الاعتراف» ما نصه: «وهكذا يسجل الموقف العربي والفلسطيني تناقضا جوهريا بين مرحلتي الصراع ما قبل حرب 1973 وما بعدها، وكأن الكيان الصهيوني لم يحتل أرضا، ولم يهدم بيتا، ولم يرمل امرأة، ولم يشرد شعبا، وكأنه لم يقم على قاعدة إسرائيل من الفرات إلى النيل، وكأنه لم يحرق المسجد الأقصى، ولم يرتكب المجازر، ولم يبن المستوطنات. غيّرنا موقفنا حين طلب منا وحين لم يطلب، وأعلنا الاعتراف بالعدو استعدادا للتسوية والسلام، وأقمنا له في أرضنا سفارته، وجلسنا معه للحوار! لكنه لم يبادر هو يوما ما إلى التنازل والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وبقرارات الأمم المتحدة، حتى تلك التي تصب في اتجاه التسوية. ولم ترنا الأيام إلا مزيدا من الثبات على موقفه، ومزيدا من القمع والاغتيال والغارات وشهداء الضفة والقطاع ولبنان والشهيد «أبو جهاد» شواهد على ذلك».

ليس المقصود من هذا النص إحراج شخص الرباح، لأن الرباح لا يمثل نفسه، بل هو منضبط لتوجه حزب يؤكد انحيازه للمرجعية الإسلامية ولقضايا الأمة. يبدو أن هذه التجربة تتكيف مع واقعها، وتقرأ ميزان القوة، لحماية نفسها من الأخطار، إذ المصلحة مقدمة على النص. وما يبدو متغيرا في المسار، من دعم خيار المقاومة إلى التوقيع على عودة التطبيع، إنما هو تغير ظاهري، لأن هذه التجربة قد ترفع شعار الإسلام ضد التيارات العلمانية أو اليسارية، لكنها تدور مع الدولة وجودا وعدما. وماذا كان يكتب بنكيران عن اليهود وإسرائيل في جريدة الإصلاح؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة المقبلة بحول الله.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي